منظومة التعليم العمومي ومخاطر الانهيار الشامل
جريدة طنجة – محمد العمراني ( التعليم العمومي )
الأربعاء 15 نوفمبر 2017 – 09:35:31
تابعنا جميعا تداعيات ما بات يعرف بقبلة مكناس، بعدما قررت إدارة مؤسسة تعليمية طرد تلميذة في سن المراهقة، إثر ضبطها من طرف أستاذ متلبسة بتقبيل زميلها داخل القسم…
وبغض النظر عن طبيعة هاته الواقعة الخادشة للحياء العام، والتي لا يمكن التغاضي عنها، أو التساهل معها، فهل العقاب الذي اتخذته إدارة المؤسسة يتناسب وحجم “الجريمة”؟..
هل معاقبة هاته التلميذة بفصلها النهائي من المؤسسة كان قرارا عادلا، ومن شأنه أن يحمي محيط المؤسسة من مثل هاته التصرفات؟..
و إذا كانت الواقعة هي فعل مشترك بين تلميذه وزميلها في نفس القسم، فلماذا تم التمييز بينهما في العقاب، حيث أن التلميذ تم الاكتفاء بقرار نقله من المؤسسة؟ǃ..
ألم يكن متاحا أمام إدارة المؤسسة نهج أسلوب آخر لمعاقبة التلميذة غير الفصل من الدراسة؟..
وهل كان تعاطي الأستاذ الذي ضبطهما ومدير المؤسسة مع الواقعة تعاطيا تربويا، روعيت فيها إنزال العقاب المستحق، وحماية حرمة المؤسسة، وأيضا ضمان المستقبل التعليمي للتلميذة؟..
ألم يكن ممكنا إنزال عقوبات توازي حجم الواقعة، وتنصف جميع الأطراف؟..
أما واقعة اعتداء تلميذ على أستاذه داخل الفصل، التي هزت مشاعر الرأي العام الوطني، الذي بدا مصدوما من هول ما شاهده، فإنها من دون شك تؤشر على انهيار خطير في منظومة القيم داخل مجتمعنا…
من كان يتخيل يوما أن تتعرض العلاقة المبنية على الاحترام المتبادل بين رجل التربية وبين التلميذ إلى هذا الشرخ الخطير؟..
فيما مضى كان الأستاذ يحضى باحترام وتقدير يكاد يعادل مرتبة الأبوين، وبالمقابل كان رجل التعليم يمارس دوره التربوي قبل التعليمي، ولذلك كان التلميذ يتصرف مع أستاذه وكأنه والده الثاني، ولذلك كان يتقبل منه العقاب لأنه كان على قناعة أن ذلك يخدم مصلحته في آخر المطاف…
ما الذي حدث إذن حتى انقطعت علاقة الثقة والاحترام المتبادلين بين الأستاذ والتلميذ، وأصبحت علاقة صراع وعداوة؟..
الموضوعية تقتضي أن نعترف بـأن الخلل يتقاسمه الطرفان، بغض النظر عمن يتحمل القسط الأوفر في المسؤولية، فالأستاذ مسؤول والتلميذ كذلك..
ما من شك في أن الرسالة التربوية التي كان يحملها الأستاذ طيلة العقود المنصرمة، لم يعد لها حضور ضمن سلم الأولويات، فالتحولات التي عرفها المجتمع المغربي كانت لها آثار على رجل التعليم، مثله مثل باقي فئات المجتمع.
وحيث أن البحث عن المال، والتسابق نحو الترقي الاجتماعي أصبح هو الهدف الذي يسعى إليه الفرد، فإن رجل التعليم أصبح هاجسه الأول والأخير هو الرفع من دخله المادي، وطبيعي جدا أن يكون ذلك على حساب رسالته التربوية، إذ بات التلميذ بالنسبة إليه مجرد مورد للمال…
الأسرة هي الأخرى تخلت عن دورها التربوي، ومتابعة الأطفال خلال مسارهم الدراسي، وبات الطفل يتشرب داخل أسرته قيم البحث السريع عن المال، وصار ذلك الشخص الذي يضع نصب عينه مراكمة الثروات بغض النظر عن الطريقة، أو ذاك الذي يغش في الامتحانات من أجل النجاح في آخر الموسم الدراسي هو النموذج الذي يجب أن يقتدى، والأفظع من ذلك أن الطفل يتلقى التشجيع والمساندة من طرف الأسرة..
هناك إجماع اليوم على أننا في حاجة ماسة إلى فتح نقاش عمومي حول مستقبل المدرسة العمومية ببلادنا، فكل المؤشرات تؤكد أننا نتجه نحو إنهيار شامل لمنظومتنا التربوية، ولا يخفى على أحد النتائج الكارثية لهذا الانهيار على مستقبل الوطن، فلسنا في حاجة إلى التأكيد أن المدرسة هي اللحمة الضامنة لتماسك المجتمع، وأي تهاون في معالجة أي اختلالات تعتري المدرسة فإن الفاتورة ستكون ولاشك جد مكلفة..