تقرير صادم عن حال القطاع الصحي بالمغرب
جريدة طنجة – لميـاء السلاوي (الفساد والصحة )
الخميـس 30 نوفمبر 2017 – 15:32:45
يشكل قطاع الصحة ببلدنا إحدى الإشكاليات الكبرى التي تؤرق بال المواطن المغربي البسيط ، وفي باقي الدول و الحكومات، قطاع الصحة أضحى المدخل الأساس الضامن لنهضتها و تقدمها و المحرك الرئيسي لباقي السياسات العمومية ،ما يرتبها ضمن الأولويات الصعبة المعقدة نظرا لارتباطها الوثيق بالحاجيات المجتمعية اليومية الغير قابلة للتأجيل أو التقشف و التساهل في تدبير خدمة أساسية تعد حقا من الحقوق الأساسية التي يضمنها الدستور و تنص عليه المواثيق الدولية و الإنسانية.
المتتبع للوضعية الصحية ببلادنا لا يمكن له أن ينكر وجود حالة مرضية داخل القطاع تمتد لعقود من الزمن، تتحمل فيها الدولة المسؤولية الرئيسية باعتبارها تمتلك من آليات تغيير الوضع، المؤسساتية و المالية، ما يعني أن المسألة الصحية في حاجة إلى جرأة تنطلق مع لحظة تأمل مع الذات لتشخيص أخطاء سياسات عمومية سمتها النقص وعدم مسايرة الطلب و إكراهات كل مرحلة بمتطلباتها التي أفرزت وضعا متأزما أولى نتائجه البادية بوضوح خصاص في الموارد البشرية اللازمة و المؤهلة لتقديم الخدمة الصحية يقدر بحوالي 7000 طبيب و 9000 ممرض و إطار شبه طبي كمعدل أدنى يضمن السير العادي في أداء المنشئات الصحية التي تعاني هي بدورها من سوء توزيع وطني و جهوي ومحلي و ضعف في وسائل العمل و التجهيزات و يضاعف من صعوبة ولوجها ومحدودية بنيات الاستقبال فيها الأمر الذي يترتب عنه نتائج وخيمة و ضرر بالصحة العامة و تكاليف زائدة تحد من نجاعة برامج التنمية التي تشترط وجود مجتمع بمواصفات صحية جيدة و مقبولة يتجاوب معها و يساهم في تنزيلها.
بعيدا عن المزايدة في تحميل الدولة الجزء الأوفر من المسؤولية، لابد من الإعتراف أن المزاولين لمهنة الطب يتحملون نصيبهم في هذه الإشكالية المجتمعية، في ظل تداخل و تضارب بين الأطراف و المتدخلين في الشأن الصحي و غياب تصور متكامل يضمن حدود ممارسة المهنة و الواجب الطبين يتيح آفاقا واسعة لتقييم و تنويع العرض الصحي، ولن يتأتى ذلك بالطبع وسط الفراغ القانوني الحالي الذي ترك مساحات شاسعة لمظاهر و تجليات غريبة عن الرسالة النبيلة لمهنة الطب و اجتهادات لا تتأسس على منطق معقول في كثير من الأحيان تحضر فيها المزاجية و تغيب فيها الضوابط و المساطر المفترض أن تكون حكما و ضامنا لحقوق الجميع، إلا أن الوصول إلى هذا المبتغى لم يتجاوز بعد حدود الآمال و المتمنيات بالنظر إلى التجاذبات و النقاشات الجانبية المؤطرة برغبة في تحقيق مصالح فئوية ضيقة أكدتها التحركات الأخيرة في أكثر من مستوى نقابي و ووزاري لوضع مشروع جديد وأرضية نموذجية أن حدة الخلاف بين وجهات نظر المتدخلين تتسع و تختلف بين مؤيد لمسودة مشروع يفسح المجال لغير ذوي الاختصاص بالإستثمار في المجال و متخوف من الجازفة به و التحذير من فتح الرأسمال الطبي. وبين هذا و ذاك يتقاسم الطرفان و يجمعان حول ضعف المناصب المالية المخصصة للقطاع و ندرة كليات الطب و الصيدلة و معاهد التكوين في المهن التمريضية، وعدم التوازن في انتشار و توزيع المنشآت الصحية بكافة مستوياتها الجامعية و الإقليمية و الحضرية و القروية و الإرتقاء بأداء استراتيجيات حيوية في مقدمتها البرنامج الوطني للمستعجلات و نظام راميد و توسيع قاعدة المستفيدين من التغطية الصحية لتغطي كافة الفئات.
الصحة إشكالية منظومة بأكملها في حاجة إلى وقفة تأمل و نقاش واسع تغيب فيه الحسابات الضيقة و الأبعاد السياسية وتحضر المصلحة الوطنية ووحدة الصف لمواجهة خصم واحد و خطر يؤرق الجميع و يكاد يشل قاطرة التنمية و يستنزف المال العام دون تحقيق المردودية المطلوبة، وفي تقديري، المشاريع و الأوراش التي تعيشها بلادنا بدء من إصلاح القضاء و التعليم و مشروع الجهوية و تعزيز المسلسل الديمقراطي و تخليق الحياة العامة لن تقوم لها قائمة في وسط مجتمع مريض، و بيئة مختلة، و دور المشرع هنا محوري في تحديد التوجه المناسب وسد كل الثغرات و تقويم الإعوجاجات و تحويلها إلى فرص و نقط للتميز من أجل حاضر و غد أفضل، فالمؤسسة التشريعية مرآة أمة و شعب ينتظر من ممثليه أن يعكسوا تطلعاته و انتظاراته الآنية ولن نبالغ إذا قلنا أن الصحة أولوية والفضاء الأنسب للاستثمار مادام أن العقل السليم في الجسم السليم وكل تقدم و تنمية لن تجد لها طريق إلا بمجتمع سليم خال من المرض و العلة.
مؤخرا كشفت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، عن أزمة حادة يعيشها القطاع الصحي، قد تكون الأسوأ في تاريخه. حسب ما جاء في تقرير صادر عن الشبكة حول واقع الصحة العمومية، لم تأت هذه الأزمة من فراغ، فكان هناك الكثير من العوامل التي تراكمت وأدت في الخمس سنوات الأخيرة إلى أزمة خانقة، تسبب فيها سوء الإختيارات وغياب الحكامة، وسوء التدبير والتسيير، وتفشي ظاهرة الفساد، خاصة على المستوى المركزي وفي أغلب المستشفيات العمومية.
علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، أكد أن الفساد تفشى بمستويات غير مسبوقة في القطاع خلال الخمس سنوات الماضية، في عهد الحكومة السابقة وحكومة تصريف الأعمال، هذه الأخيرة التي عرفت إبرام عدة صفقات على مستوى وزارة الصحة. وأضاف لطفي، “من أجل تقليص حجم الفساد في القطاع يجب إيقاف الصفقات العمومية على مستوى الوزارة، وتمكين المراكز الجهوية والمستشفيات العمومية من القيام بها بشكل مستقل”.
ولفت التقرير إلى تفشي وانتشار الأمراض الوبائية والإرتفاع المهول في عدد من الأمراض المزمنة غير الوبائية، مثل السكري وأمراض القلب والأورام السرطانية، وعودة غير معلنة لأمراض الفقر والأوبئة، “التي سبق أن تم القضاء عليها في نهاية التسعينات من القرن الماضي كمرض الجذام”، يضيف التقرير، الذي كشف عن ارتفاع ملحوظ في المؤشرات الكلاسيكية المتعلقة بمعدل وفيات الأمهات الحوامل والأطفال دون سن الخامسة، ومعدلات أمراض السل وفيروس الكبد.
وانتقدت الشبكة المغربية الخطاب التبشيري والشعارات الكبرى وجلسات الإستماع والمناظرة الوطنية، التي وبالرغم منها، “لم تتمكن الحكومة من إخراج القطاع من أزمته المتعددة الأبعاد والمتناقضة المظاهر، وعدم القدرة على تلبية احتياجات الناس في الولوج للعلاج، بل وعدم قدرتها على تحقيق عدالة صحية سواء للطبقات المتوسطة أو للمحرومين من الفقراء والأشخاص ذوي الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة”، يضيف التقرير.
وأشار التقرير أيضا إلى أن الحكومة لم توفق في إيصال الدواء والعلاج إلى ساكنة البوادي والقرى النائية والمناطق المهمشة من المغرب العميق، الذي يفتقد إلى الحد الأدنى الضروري من البنيات الصحية الأساسية. فضلا عن تراجع قدرة النظام الصحي على الإستجابة للحاجيات الملحة والمعبرة عنها من طرف الساكنة في المدن كما في البوادي.
وكان من نتائج ذلك، ضعف ثقة المواطن في الخدمات الطبية العمومية، التي لم تعد مجانية، وتحمل المواطن العبء المادي الأكبر للخدمة الطبية مع غلاء أسعارها في القطاع الخاص، “ناهيك عن دفع الناس من طرف الأطباء إلى التحول من القطاع العام إلى الخاص لإجراء فحوصات وأخذ علاجات، بهدف مراكمة الربح المادي”، على حد تعبير رئيس الشبكة علي لطفي.
واتهم التقرير الحكومة بمواصلتها، مخططها الرامي إلى تدمير النظام الصحي العمومي، بعد استقالتها من مسؤولياتها تجاه صحة المواطن وتوقفها عند بلورة الإستراتيجيات، ودبج مجموعة من الشعارات الكبرى لتقديمها أمام البرلمان، دون أن تجد لها ترجمة على أرض الواقع، والاكتفاء بالعلاج بالمسكنات التي لا تعالج التشوهات والأمراض المزمنة التي يعاني منها القطاع الصحي.
وكشف التقرير أن ضعف التمويل وسوء التدبير والفساد أضعف قدرة المستشفيات العمومية على القيام بدورها في تقديم خدمات علاجية وصحية لائقة وذات جودة، مما يعرض أحيانا حياة مواطنين مرضى للخطر بسبب تزايد الأخطاء الطبية، “التي ارتفعت بشكل لافت في السنوات الأخيرة خاصة في القطاع الخاص، الذي يقدم علاجات ويجري عمليات بشكل سريع من أجل مراكمة الأرباح المالية على حساب صحة المواطن.. كما أنه لا يوجد مستشفى عمومي واحد لديه تأمين عن الأخطاء الطبية”، على حد قول رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة.
وحذر التقرير من ارتفاع معدل الوفيات بسبب أمراض الإسهال والكوليرا والعدوى بالديدان والتهابات الكبد وأمراض القلب والشرايين والسرطان الذي يحتل المرتبة الثانية في أسباب الوفيات بعد مرض السل المقاوم للأدوية الذي قفز إلى 3200 وفاة سنة 2016. أما مرض السيدا فإن عدد المصابين حاليا 4آلاف مريض، 65 في المائة من المصابين يجهلون إصابتهم بهذا المرض.
وأكد ذات المصدر أن أكثر من 95 في المائة من المرضى الذين يتوفرون على تأمين صحي يتوجهون للعيادات وللمصحات بالقطاع الخاص، رغم ارتفاع أسعارها. وتحول المستشفى العمومي إلى ملجأ وملاذ للفقراء وذوي الدخل المحدود الذين يتوفرون على تأمين صحي من المرضى، والذين لا يملكون القدرة على تكاليف العلاج بالمصحات الخاصة.
أما مستشفيات الأمراض العقلية فلا يمكن على الإطلاق وضعها في خانة المستشفيات الإنسانية ولا علاقة لها بالصحة، فالعشرات من المرضى النفسيين والعقليين يعيشون داخل منازل أسرهم ويهددون حياتهم. يتم احتجازهم وتكبيل البعض منهم بالسلاسل خوفا من هروبهم وقيامهم بجرائم القتل أو الأذى. وبعد إغلاق “بويا عمر” تم حشر المرضى في مستشفيات دون توفير المستلزمات والموارد، وبعد أسابيع أصبح 80 في المائة منهم في الشارع. وكشف التقرير عن وجود أزيد من 600 ألف شخص يعانون من اضطراب عقلي حاد، في ظل غياب سياسة وقائية وعلاجية تستجيب للحاجيات الحقيقية للمصابين وذوي الإعاقة منهم يتعرضون للتمييز والتهميش. .