التواطؤ والصمت
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( المحاسبة ومحاربة الفساد )
الخميس 09 نوفمبر 2017 – 16:58:42
ـ رجـال سلطة وجماعات حـوّلــوا فضـاءات جمال إلى مسخ.
ـ يحفظ اللّه بلادنا من كيد الكائدين، وصلف الغـلاة الحاقدين.
وكان الإعفاء، ثم القرارات التأديبية الأخرى المصاحبة، ومع ذلك فلا زالت أطراف أخطبوط الفساد تلتف حول مصالح البلاد والعباد، ولازال الكثيرون من الأباطرة الذين يسكنون الجماعات والمجالس والمؤسسات ويمتلكون قدرة السيطرة على مقدرات وإمكانات وإمكانيات الأمة يستبدون، ويعششون ويفرخون أجناساً وأجنحة ترث عنهم الفساد، وتتقنfassfas القفز على الحواجز بجياد مطهمة مدربة على سباق المسافات أو بدونها، فلا حواجز تحول بينهم وبين ابتلاع كل شيء، وحتى في الاقتصاد فلهم اليد الطولى… لقد شيّـدوا و أقـامـوا صـروحاً واهية بأعمدة هشة مقابل إعفاءات ضريبية… سيطروا على سوق العقار، وسال لعابهم إزاء الأراضي العارية، والمناطق الخضراء الغناء، والغابات التي حولوها إلى هشيم تذروه الرياح، وإلى أعمدة خرسانية صماء… فتحولت مدننا الزاهرة الفيحاء إلى أسوار وأقبية وحجر بعضه فوق بعض، وإلى غرف يطل بعضها على بعض، فتبدو أسر وعائلات وكأنها تحت المجهر… وتطل العيون المتلصصة على الزوجة في بيتها وهي بقميص النوم…
وهذا عقارهم الاقتصادي، فمن يحاكم هؤلاء؟… ومتى يحاسب مسؤول المؤسسات ومراكز القرار الأخرى على تضييع الأمانة، وعلى إغراقنا في لجج الفوضى؟… ومتى يخضع رجال سلطة وجماعات خولوا فضاءات جمال إلى مسخ؟ وفوتوا مناطق تاريخ وتأمل إلى زواحف وسلاحف وحيوانات برية، وبرمائية لا تتوانى عن ابتلاع كل ما تصل إليه اليد أو تستنشقه حاسة الشم، هذا في الوقت الذي تخوض فيه بلادنا برجال أشداء نزهاء، وأجهزة يقظة لا يغمض لها جفن حرباً ضروساً ضد طوائف الظلام، وضد عناكب الإرهاب، وضد جماعات لا تعرف الإسلام ولا يعرفها الإسلام بل يمقتها ويذمها ويتوعدها بسوء العاقبة والمصير… ويحفظ اللّه بلادنا من كيد الكائدين، صف الغلاة الحاقدين وتربص الماكرين شرقا كانوا أو غربا، جنوبا أو شمالاً، فالعدو واحد حتى وهو يتكلم لغتنا، ويتطفل على ديننا ثم ينفث السم، وينشر الأدى، وتقول الأقاويل، ويروج الأباطيل… ويشهد الشاهدون أن المغرب يواجه تحديات كبرى، وهذا مايفرض تضافر الجهود، وتكتل الإرادات، وإخلاص النية لله والوطن، فلا تسامح مع المتباطئين، المنزوين، المتخلفين، ولا تسامح مع القاعدين أو المتواطئين… فمن أخل بمسؤولياتهم متواطؤ في ارتكاب الحرام… فليس الحرام فقط هو ما يؤكل ويشرب ويرتكب من فواحش أصبحت قاعدة عادية…
الحرام الذي تحدث عنه كبار الأمة والعلماء هو الإخلال بالواجب والمسؤولية نحو الإنسان (بني آدم) ونحو الأرض (حب الوطن من الإيمان) ونحو النفس (النفس الأمارة بالسوء، ثم النفس اللوامة) هو الإنحراف عن المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك… «ومن قتل نفساً بغير حق أو فساد في الأرض كمن قتل الناس جميعاً…» ما دخل البطن أو دفعت إليه الشهوات يبقى بين الإنسان، بين العبد وربه شاء غفرله أو شاء أخذه بجرمه، أما ما يضر الناس جميعاً أو فئة منهم، وما يضر الوطن كله أو بعضه، فهو حق العباد الذي يقتص اللّه من مغتصبه…
لذا فوجب تفعيل مبدأ المحـاسبة مع كل المتخاذلين ويـا لكثرتهم… ويا لكثافة وجــودهم في كل مكان… وحتى في مكاتب السلطات الترابية مهما علت أو تضاءلت نجدهم كالفخاخ، ولولا صمتهم وتغاضيهم لما نبتت بيننا هذه الأسواق العشوائية كالفطر، ولما وجدت وارتفعت هذه المدن والدهاليز في الظلام لتضع الكل أمام الأمر الواقع، فتحيل الفضاءات الخصبة الجميلة إلى شوهة…وبينها تجريي أدوية حارة، ومياه آسنة تشكل المرتع الخصب لتوالد الفطريات وأنواع البكتيريا والأوبئة.. لو لا التواطؤ والصمت لما كان المسخ…