ماذا قدمنا لشبابنا ؟
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (شبابنا بين الضياع و التنظيمات الجهادية )
الخميس 02 نوفمبر 2017 – 16:57:24
– علينا أن نعتَرفَ دولـة ومُجتمعــًا، بـأنّنـــا فَشلنا في الإعتراف بهُمــوم الشبــاب وتطلُعـاتهـم.
– شبابنا يرتمي في أحضـان تنظيمــات تحولت الى أوطان بديلة بالنسبة لهم.
كل ذلك وغيره كثير، دفع الشباب دفعا إما إلى الهجرة والإغتراب داخل الوطن، و إما الهجرة و الإغتراب خارج الأوطان، فاجتاح الدول العربية عنف إرهابى أعمى، توحش فتوغل إفساداً وتخريباً وقتلاً وترويعاً، هدفه قتل أكبر قدر من الأبرياء شاء حظهم العاثر أن يكونوا فى مقهى أو مسجد أو سوق أو مزار ديني، هدفه الأسمى بث الرعب وإثارة الفوضى وهز الأمن وشل حركة الحياة وتعطيل مصالح الناس.
علماء الدين والخبراء يؤكدون أن الشباب يتطرفون ويهجرون أوطانهم للإنضمام إلى صفوف الجماعات الإرهابية التى باتت حاضنة لهم لأسباب عدة، منها الجهل و الغلو الديني و التعصب بكل أشكاله الدينية والمذهبية والأيديولوجية والقبلية، والإستبداد بالرأى وفرضه بالقوة، كادعاء امتلاك ناصية الحقيقة المطلقة وعدم الإعتراف بنسبية الحقائق السياسية والإجتماعية.
والأخطر من كل ذلك، هو تشويه المفاهيم الدينية بقراءات خاطئة للجهاد والأمر بالمعروف والولاء والبراء وعدم التشبه بالكفار واستعادة الخلافة، في غفلة عن سياقها الإجتماعى الزمني. وأوهام التآمر على الإسلام والمسلمين، وكذلك الأنماط التربوية السائدة فى التنشئة العربية وعدم كفاية التحصين الثقافى للشباب دينياً وثقافيا وفكريا، ووقوعهم ضحية خطاب دينى بدلا من أن يستألف الشباب فى صنع تجربة حضارية يدفعهم دفعا فى أتون التطرف والتشدد تارة، و الإلحاد و الإنحراف تارة أخرى، أو الإرتماء في أحضان الجماعات الإرهابية و التكفيرية.
تشكل ظاهرة التطرف الديني في المجتمعات العربية الإسلامية، و منها المغرب، أبرز القضايا التي تشغل اهتمام الباحثين على اختلاف مشاربهم الفكرية، و كذا تثير انتباه الملاحظين، نظرا لسرعة بروزها كظاهرة إجتماعية أولا، ولخطورة آثارها على الصعيد الإجتماعي ثانيا، وبالرغم من المحاولات الجادة التي استهدفت تطويق الآثار السلبية لهذه الظاهرة، فإن التطرف على اختلاف أشكاله، السلوكية والفكرية مازال يجد الأرض الخصبة لنموه وامتداده بين شبابنا.
مجتمعاتنا وأوطاننا ، تعاني اليوم معاناة عظيمة من إنتشار ( المد المتطرف ) المتدثر بالدين ، يخطف شبابنا ويوظفهم لمشاريعه العدمية، آلاف الشباب المسلم سقطوا على امتداد العقدين الأخيرين ولا زالوا يتساقطون.
يمثل الشباب أغلى ثروة قومية في حياة أي مجتمع، باعتبارهم بناة الحاضر وصناع المستقبل، وعلى عاتقهم تقع مسؤوليات جسام لترجمة أهداف التنمية والتطوير المنشودة .
وإذا كان الشباب يمثل هذه الأهمية البالغة، فإن مهمة إعداده وتأهيله وتسليحه بالعلم والمعرفة للقيام بتحمل المسئوليات التي سينهض بها في الحاضر والمستقبل، يمثل أهم التحديات الكبيرة أمام الحكومات والشعوب، خاصة في الدول النامية، نظرا لتسارع معدلات النمو السكاني وارتفاع مستوى شريحة الشباب بما يربوا عن النصف من إجمالي تعداد السكان، وكذا تعدد الإحتياجات لهذه الشريحة مقابل محدودية الإمكانيات والموارد المتاحة لتلبيتها، في وقت يشهد فيه عصرنا الراهن في ظل العولمة، تنام مضطرد لتأثيرات سلبية عديدة ومتعددة تستهدف الشباب بما يفوق قدرات الحكومات والشعوب على مواجهتها وتجنب مخاطر تأثيراتها التي تتجاوز الحدود والجدران ليصبح ضحيتها الشباب وخاصة في حالة ضعف جهود البناء المعرفي والفكري ما يدفعهم تحت ضغوط الحياة اليومية نحو الإنحراف ليصبحوا أداوات هدم وليس كوادر بناء.
ورغم تعدد التأثيرات السلبية سواء كانت محلية أو خارجية إلا أنها تؤدي إلى طريق واحد يحول الشاب عن مسار التوجيه السليم إلى مسار خاطئ يصبح فيه عضوا غير سوي في مجتمعه ويتجه نحو العنف والإجرام .
و أبرز تلك التأثيرات السلبية التي يتعرض لها الشباب في مجتمعنا هي وسائل التعبئة الخاطئة التي تغرس في عقول الشباب، أفكار منحرفة تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية، وكذا مفاهيم مغلوطة عن قضايا المجتمع والوطن تتعارض مع مصالح الوطن العليا وتهدد وحدته الوطنية وسلمه الإجتماعي ولا تخدم سوى أعداء الوطن.
ظاهرة التطرّف كظاهرة التعصّب، وليدة أسباب وعوامل داخلية، ترجع إلى ضعف التحصين و قلة المناعة نتيجة تربية غير سوية، وتعليم تلقيني أحادي لا ينمي ( عقلاً ) نقدياً، وخطاب ديني منغلق، يتصور العالم تآمراً على المسلمين، وإعلام تحريضي، قنوات ومواقع تواصل إجتماعي وسياسات تمييزية تضعف مفهوم المواطنة كجامع مشترك للمواطنين.
حقيقة، يجب أن نعترف دولة ومجتمعاً، بأننا فشلنا في الإعتراف بهموم الشباب وتطلعاتهم، ولم نستمع لهم بما فيه الكفاية، سواء على صعيد الأسر أو المؤسسات التعليمية أو الأطر السياسية، لقد حاولنا أن نصنع منهم نسخاً كربونية عنا، وعندما فشلنا إتهمناهم بأنهم لا يكترثون بالفكر والسياسة والقضايا القومية والأممية، وأن جلّ اهتمامهم، الرياضة والموسيقى وغيرها، أو فقدنا التواصل معهم.
حالة الإغتراب التي يعيشها الشباب تعود لسلوكيات عدة، منها الإنسحاب وعدم المشاركة، وتعاطي الكحول والمخدرات، واللجوء للعنف والجريمة والتطرف.
يأخذ التطرف الإجتماعي أشكالاً وأبعاداً متنوعة، جهوية وفكرية وسياسية ودينية، والمشترك بين كل أشكال التطرف هو التعصب الأعمى، وعدم قبول الآخر، ومحاولة إلغائه والتعامل معه بعنف، وهو ما يشكل خطورة كبيرة على العلاقات بين أفراد وجماعات المجتمع، وبين المجتمع ومؤسسات الدولة. ولا يوجد مصدر واحد أو وعاء فكري أو سياسي أو ديني واحد للتطرف، ولكن كل الأيديولوجيات والأطر الفكرية والدينية يمكن أن تُستغل من ذوي المصالح لذلك، والضحية دوماً هم الشباب.
أثبت لنا الواقع، أن الشباب هم أكثر شريحة مستهدفة من قبل التيارات الإرهابية والمتطرفة، ولذلك، وجب تحصينهم، ووضع المخرجات الوقائية التي تحصنهم من الوقوع في شراك الغلو والتشدد، ومن تلكم الوسائل والمخرجات المهمة التي ينبغي أن نسلكها في التعامل معهم حسب مختصين سوسيولوجيين:
(1) تزويدهم بالعلم النافع، الذي يبصرهم بالمعارف الصحيحة، ويعصمهم من المفاهيم والتصورات المغلوطة، لا سيما في أبواب التكفير والجهاد والولاء والبراء وغيرها، فإن من أسباب الإنحراف الفكري القصور في فهم النصوص وتفسيرها بما لا تحتمل، ولذلك، فإن العلم والتوعية أقوى سلاح في مواجهة التطرف والإرهاب، يقول تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}.
(2) حثهم على أخذ العلم من منابعه الأصيلة، والإستنارة بفهم العلماء المعتدلين الموثوق في علمهم وأمانتهم ووسطيتهم.
(3) تربيتهم على التجرد للحق، وبيان فضل التراجع عن الخطأ والعودة إلى الحق عند ظهوره، وعدم التمادي في الباطل والإنحراف.
(4) تزويدهم بالأخلاق الحميدة، التي تزرع فيهم الشخصية المتزنة المحبة للخير والوئام، مثل الحلم والأناة والرحمة والعطف واللين والرفق، ودور الأسرة والمدرسة في ذلك كبير.
(5) تربيتهم على الهدوء وضبط النفس والتحكم بالإنفعالات وحسن التعامل مع المواقف المختلفة، وعدم اللجوء إلى العنف أو ردات الفعل العدوانية.
(6) غرس محبة الوطن في نفوسهم، وتقوية تعلقهم به، والوفاء له، وتقدير مصالحه، واحترام قيادته ومؤسساته، وتقوية القناعة لديهم بأن ذلك مطلب شرعي ووطني، وأن المصلحة في ذلك تعود عليهم.
(7) تربيتهم على تقدير نعمة الأمن، والمحافظة على أسبابه، واجتناب الإخلال به.
(8) تعويدهم على مشاورة القريبين منهم، والتعامل معهم برحابة صدر وشفافية، وفتح الباب لهم لعرض ما يطرأ لديهم من مشكلات مختلفة، وحسن محاورتهم بالحسنى، فإن ذلك من أنفع الطرق لاحتوائهم وتصحيح سلوكهم ومعالجة الخطأ عندهم إذا وُجد، وغياب التوجيه الأسري أو المدرسي أو المجتمعي في هذا المضمار سبب خطير للتمادي والجنوح.
(9) إرشادهم إلى حسن اختيار الصحبة، وانتقاء الأصدقاء الصالحين، فطبقة الأصدقاء هم من أكثر الفئات تأثيراً في قرنائهم، يقول النبي صل الله عليه وسلم: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».
(10) تشجيعهم على حسن الإندماج مع المجتمع، وتعويدهم على صلة الأرحام، وإبعادهم عن الأمور السلبية كالإنطواء والعزلة والكراهية والبغضاء.
(11) تربيتهم على مبدأ التحري والتثبت وعدم الإنخداع بالإشاعات المغرضة والمعلومات المغلوطة.
(12) إرشادهم إلى حسن استخدام المواقع الإلكترونية وأدوات التقنية الحديثة، ومتابعة مصادر تلقي المعلومات لديهم في هذه الشبكات وغيرها.
(31) إرشادهم إلى حسن اغتنام أوقات فراغهم في النافع المفيد، وتفريغ طاقاتهم في الجوانب الإيجابية المثمرة، سواء عبر الأعمال التطوعية أو الأنشطة الرياضية أو الإجتماعية أو الثقافية أو العلمية أو المشاريع الإقتصادية أو غيرها.
(14) رفع قيمة العمل والإنتاج لديهم، وتسهيل الفرص لهم، وتأهيلهم لذلك، وانتشالهم من البطالة والكسل.
لا يولد الناس متطرفين أو معتدلين، ولكنهم يصبحون كذلك، والعوامل التي تؤدي للتطرف متنوعة ومتشعبة، ولكن ليس من الصعب الإحاطة بها،
لم يعد من الممكن السكوت أو التغاضي عن تزايد مظاهر التطرف والتشدد في مجتمعنا، وبخاصة لدى الشباب، لقد باتت الحاجة مُلحّة للوقوف على أسباب وأشكال هذه الظاهرة، ووضع الحلول لمعالجتها، والمسؤولية لا تقع على عاتق الأسرة ومؤسساتها فقط، بل إنها مسؤولية الأسر ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والمؤسسات التربوية أيضاً.
الدولة يجب أن تقود هذه العملية من حيث الوقوف على أسبابها، وسُبل علاجها، وتحديد مسؤوليات كافة الأطراف في معالجتها، قبل أن يسحب البساط من تحتها و تتحسّر على شباب كانوا سيكونون يوما مواطنين صالحين و أسوياء .
نسأل الله تعالى أن يحفظ شبابنا، ويجعلهم ذخراً لأسرهم ومجتمعهم ووطنهم…