الإعتداء على المعلمين و التربويين يعكس منظومة تعزيز الإستقواء
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( ضرب الاستاذ ثقافة جديدة )
الثلاثاء 14 نوفمبر 2017 – 18:14:04
– الأسرة استقالت من مهامها، و الشارع لا ينتج إلا خرابا
– المعلم مواطن مثله مثل باقي المواطنين، يكدّ و يتعب و يتحمل قساوة الأيام مثلنا
– الأطفال أمانة برقابنا، فلنصن الأمانة.
الإعتداء على المعلمين لم يعد في خانة الحالات الفردية النادرة، بل ظاهرة نشاهدها ب«الصوت والصورة»، ويتناقلها الناس عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وهي مرتبطة -بحسب المختصين- بغياب التربية السليمة في المنزل، وانحدار مستوى مهنة التعليم وما تبعه من انحدار في النظرة الى المعلم ودوره في المجتمع، هذه وغيرها من الأسباب نستعرضها في التحقيق التالي.
أعادت واقعة اعتداء تلميذ على أستاذه بثانوية تأهيلية بورزازت، النقاش حول موضوع العنف الموجه ضد هيئة التدريس وكذا الأطر التربوية من حراس عامين وإداريين وغيرهم، وطفت هذه الظاهرة إلى سطح الأحداث بعد انتشار مواقع التواصل الإجتماعي والتطور التكنولوجي الذي جعل الهواتف الذكية توثق لحالات الإعتداء، بعدما كانت حالات مماثلة تظل حبيسة جدران القسم، ولا تخرج للملأ إما لخوف الأستاذ من أن يتخذ إجراءات ضد التلميذ فيطاله عنف جسدي أكبر خارج المؤسسة، أو خوفا من تدخل أطراف متعددة تنتهي بطي القضية.
الأستاذ والباحث في علم الإجتماع علي الشعباني، يرى أن “ظاهرة العنف ضد الأساتذة في المغرب أصبحت منتشرة ومقلقة، وتهدد المنظومة التعليمية ككل”، مضيفا أن “الأستاذ عندما يحس أنه يعمل في بيئة غير آمنة من الصعب أن يعطي وأن يبدع ويجتهد، لأن الهاجس الأساسي بالنسبة له هو الحفاظ على سلامة جسده وبدنه من اعتداءات التلاميذ”.
واعتبر الشعباني أن “المسألة لم تعد تهم الأساتذة فقط بل المجتمع بكامله، خصوصا الأسر التي ترسل هؤلاء التلاميذ لإحداث الشغب والفوضى داخل المدرسة تجاه أساتذتهم وزملائهم أو تجاه الإداريين، مشددا على ضرورة أن تقوم الأسرة بدورها وأن تعرف كيف تربي أبناءها”.
ويضيف المتحدث ذاته، أن “الدولة يجب أن تراجع القوانين المطبقة في الحقل التعليمي لأن هناك مجموعة من القرارات والمراسيم التي تكبل كل هذه الجهات من مربين وأساتذة وإداريين لمواجهة التلاميذ في حالة الاعتداءات”.
“منع إخراج التلاميذ المشاغبين من القسم شجع هؤلاء الذين لا هم لهم إلا إحداث الفوضى داخل المؤسسة، خاصة عندما يحسون أنهم مهددون بالطرد أو أنهم لا مستقبل لهم في المدرسة وغير قادرين على المسايرة، يستغلون هذه الثغرة القانونية والحقوقية لإحداث الفوضى داخل المدرسة، لذلك فلابد من مراجعة مثل هذه المسائل”، يؤكد الشعباني.
وأردف الباحث في علم الإجتماع أن “الذي سيتضرر من هذه الظاهرة أساسا هو المجتمع لأنه لن يستطيع في ظل هذه الظروف تكوين عناصر قادرة على خدمة المجتمع وعلى العمل على تطويره، وهذا ربما من الأسباب التي دفعت الى نزول المنظومة التعليمية إلى الحضيض”.
حاليا الأستاذ هو الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية لأن العقوبات تنزل دائما على رأسه وليس على الآخرين ولذلك فهو يحس بأنه مستهدف ووصل إلى درجة “الحكرة”.
من جانبه، أكد أستاذ علم الإجتماع، رشيد الجرموني، أن “الظاهرة حاضرة بقوة و تعيشها المدرسة المغربية منذ عشرين عاما، حيث وقع تحول كبير ولم يعد العنف يمارس ضد التلاميذ بل أصبح العكس وهذا مرده إلى مجموعة من العوامل”.

وأجمل الجرموني هذه العوامل في أن “الدولة هي الأولى من قامت بالعنف، عندما تخلت عن التعليم، ومارست العنف على الأساتذة في السبعينيات والثمانينات لتنتقل بعد ذلك إلى الإهانة المادية والتي تعمقت بالمجتمع مما أدى إلى تزعزع صورة المعلم والمدرسة”.
وأضاف السوسيولوجي المذكور، أنه “حتى الإبداعات الفنية والمسرحية كانت تسيء للأستاذ والمدرس بدون شعور”، مضيفا أنه “دخلنا في الموجة الثالثة وهو العنف الذي يمارسه هذا الجيل الذي فقد جميع القيم وبدأ يمارس العنف على الأساتذة بشكل خطير جدا”.
واعتبر أن “مواقع التواصل الإجتماعي تنقل لنا فقط ما يقع للأساتذة في لحظة وجيزة أما ما يحدث فهو عنف كبير وجحيم لا يطاق”، مؤكدا أن “المجتمع ينظر إلى المعلم والأستاذ كحشرة ولا يعطيه أية قيمة”.
هذه الظاهره غير أخلاقية وغير حضارية على الإطلاق وتثير القلق على مستقبل القطاع التعليمي لدينا.
في حقيقة الأمر هذه الظاهرة بالدرجة الأولى هي قلة أدب وخلل في التربية المنزلية، ودليل قوي على فشل المنظومة التعليمية والأخلاقية في مدارسنا وفي مؤسساتنا التربوية، فأن يقوم الطالب بالإعتداء على المعلم فلذلك دلالات كثيرة، منها قلة احترام المعلم والإستهتار بالأنظمة والتعليمات المعمول بها في المدارس، وهي يبدو غير مفعلة وغير رادعة أصلا، وتدخل فيها المحسوبية بشكل كبير.
بتنا نشاهد ونسمع باستمرار عن حالات اعتداء على المعلمين وممتلكاتهم، هذا يؤلمنا، فالتربوي هو مواطن أيضا، هو يعمل و هذه مهنته مثله مثل باقي المواطنين، يكد ويتعب من أجل لقمة العيش، ويرتبط أيضا بالتزامات عديدة، إلى أن يأتي طالب حاقد وغير مسؤول ويؤذيه ويحمله أعباء إضافية إلى أعبائه، دون وعي منه أن المعلم بمثابة الأب يزوده بالمعرفة والقيم والعلوم، لكن و بما أن مراهقينا و شبابنا لم يعودوا يحترمون حتى آبائهم، كيف لنا أننطلب منهم احترام المعلم و الجار و أفراد العائلة إلخ..
من جهة أخرى، فهذه السلوكيات الطلابية المخالفة للقيم والأسس الإجتماعية والتربوية، إنما تعكس المكانة التي وصل إليها المعلم في المجتمع، وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى عزوف الشباب عن مهنة التعليم، فمن سيريد إلقاء نفسه بالتهلكة، و التهلكة هنا إما بتعسف من الوزارة الوصية، من أولياء الأمور، أو من التلاميذ؟..
دور أولياء الأمور
ولادنا ثمار قلوبنا ، وفلذات أكبادنا ، وامتداد لحياتنا بعد فنائنا .. ونحن إذ نتحدث عن دور الأسرة في تنشئة الأجيال .. فإننا نتحدث عن موضوع له خطره .. فالطفل الصغير أمانة كبيرة بين يدي أبيه وأمه.. وعقله الصغير أرض بكر لم تزرع، وورقة بيضاء لم يخط فيها حرف.
وإذا كنا قد وضعنا وسائل الإعلام في قفص الإتهام باعتبارها المخرب الأول للأجيال، فإن دور الأسرة في التربية، قد يكون بمثابة الطعم الواقي الذي يجعل عقل الطفل مدرعـًا ضد قاذفات الفساد والإنحراف، وإلى هذا الدور الخطير الذي تقوم به الأسرة، يقول الرسول، صل الله عليه و سلم،: ” كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه ، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه ، أو يمجسانه”.
ربما نسينا أن الأسرة هي نسيج إجتماعي تسود أفرادها مشاعر واحدة وعوامل مشتركة كثيرة، تجعل من هذا البناء الإجتماعي قوة متماسكة أمام التحديات، والأسرة هي المكان الأول والأساسي في تربية الطفل وتنشئته وتهيئته للحياة، حيث إنه يجد بها الطمأنينة والأمان والحنان، هي بذلك تعطيه فرصة للنمو في جو طبيعي، خاصة في المراحل الأولى من عمره، وبقدر ما يتلقى الطفل من أسرته عناية واهتماماً، بقدر ما يكون نموه أحسن وسلوكه في الحياة أفضل، الطفل هو فرد في الأسرة و أقرب الناس وأشدهم صلة به هما أمه وأبوه ثم أسرته ثم بيئته ومجتمعه.
إن أغلب الأسر المغربية اليوم، لم تعد تتميز بمعظم هذه الصفات، ولم يعد دور الأب والأم ولا حتى الأقارب والحي والجوار كما كان، فمعظمها قد أصابها ريح التفكك، وهذا عائد إلى الكثير من المتغيرات التي أصابت المجتمع في النصف الثاني من القرن الماضي، والناتجة عن الرفاهية الإجتماعية المصاحبة للطفرة الإقتصادية التي ظهرت فأدت إلى غياب سلطة الأب كقدوة حسنة عن البيت وعدم تواجده الدائم لأسباب كثيرة تارة تكون مرتبطة بالعمل و تارة أخرى بالرغبة في الإستقلال عن هذه الأسرة فيصبح البيت بالنسبة له مجرد مكان للنوم، و أحيانا حتى النوم لا يريحه بمنزله، فيصبح الشارع هو المربي الأول لأطفاله، و هناك الأم، زيارات و محادثات و أعمال منزلية و عمل متعب يجعلها تستقيل من مهمتها الأولى بالحياة، و هي أن تكون أما صالحة، و مربية حقيقية، يستغني الطفل بها عن مربيات العالم، فالأساس يبنيه من خلال حكم أمه، من حنانها و استيعابها لأموره، من معرفتها الواسعة لأمور الحياة، فبالتالي ينشأ الطفل سليما معافى خلوقا.
و لا يجب أن ننسى، أننا مرآة أطفالنا، و أنهم مرآتنا، و أن مراحل نمو الطفل الأولى، ترتكز على التعلم بالتقليد، فقد ثبت بالتجريب أن الطفل في سنواته الأولى هو أكثر أفراد الأسرة تقليدا وخاصة سلوك وتصرفات من يحيطون به، حيث يقوم بتخزين ما يشاهده من تصرفات في ذاكرته وذاته وعندما يبلغ سناً معينة يبدأ هذا الطفل الناضج بتطبيق وممارسة ما تعلمه من سلوكيات مقلّده في صباه، فيا محلى العيش لو استطعنا أن نكون قدوة صالحة لأطفالنا، فبالرغم من كل مصاعب الحياة، الأطفال أمانة برقابنا، فلنصن الأمانة…