الإدارة الترابية و حَتمية التغيير ..
جريدة طنجة – محمد العمـرانـي ( الإدارة الترابية )
الخميس 09 نوفمبر 2017 – 14:01:26
وليس خفيا على أحد الدور الحساس الذي يلعبه جهاز الإدارة الترابية، فوزارة الداخلية هي الجهاز الوصي على جميع مناحي الحياة الإدارية، وهي بما لها من اختصاصات لأسباب موضوعية وتاريخية لا تخفى على أحد، فإن مصالحها هي المخاطب الأساسي للمواطنين على امتداد خريطة الوطن.
لكن هناك إجماع اليوم على أن أداء رجال الإدارة الترابية، خاصة على مستوى القياد ورؤساء الدوائر، ومنذ عدة سنوات بات موضع انتقادات حادة من طرف المواطنين، بل صارت علاقتهم برجال السلطة مطبوعة بالتوتر، طبعا مع وجود مسؤولين يتحلون بالشفافية والنزاهة، ومعروفون بنظافة يدهم..
معظم رجال السلطة وخاصة على مستوى المدن التي تعرف حركية قوية للهجرة الداخلية، راكموا أرصدة خيالية من وراء مافيا البناء العشوائي…
وتبقى مدينة طنجة نموذجا صارخا لتواطؤ مافيا العشوائيات مع بعض رجال وأعوان السلطة، حيث البناء السري والعشوائيات تجتاح معظم المناطق والأحياء الناقصة التجهيز…
يكفي القيام بجولة قصيرة في بعض أحياء المدينة وخاصة على مستوى مقاطعتي بني مكادة و مغوغة للوقوف على حجم الكارثة التي حلت بالمدينة..
المصيبة هو أنه رغم الملايير التي أنفقتها الدولة من أجل إعادة تهيئة المناطق العشوائية والناقصة التجهيز، فإنها فشلت في وقف زحف هذا السرطان الذي يحمل في طياته تهديدا حقيقيا للسلم الاجتماعي..
إذ لا يخفى على أحد حجم المخاطر التي تنتجها العشوائيات، فهي الحاضن الأول للتطرف ولعصابات المخدرات ولقطاع الطرق، فيما رجال وأعوان السلطة منهمكون في مراكمة الأرصدة المالية، حتى أن العديد من المقدمين والشيوخ تزوجوا أكثر من زوجة واحدة، وباتوا يركبون سيارات فارهة، ومنهم من يدرس أولاده في المدارس الخاصة، والحالة أن أجرهم الشهري لا يتعدى 3000 درهمǃ..
المواطن العادي يعرف أن هناك تحالفا وثيقا بين مافيا البناء السري وبين أعوان السلطة، ويعلمون أن ذلك يتم بمباركة من القائد، وكل طرف يحصل على نصيبه من الكعكعة، ويستحيل على أي مواطن أن يدخل كيس إسمنت دون أن يكون قد أدى المعلوم…
المصيبة أن مثل هاته الممارسات خلقت قطيعة تكاد تكون تامة بين الإدارة الترابية والمواطن، الذي لم يعد يجد في رجل السلطة ذلك المسؤول الذي يمكن أن يتواصل معه، أو ذاك المخاطب الذي يستوعب مشاكلة ويتجاوب مع مطالبه..
وعندما تحدث هاته القطيعة، فالنتيجة الحتمية أن وزارة الداخلية ستفقد قدرتها على ضبط الأمور، واستباق التدخلات، والتجاوب الآني مع مطالب المواطنين قبل احتقان الأوضاع وانفجارها على مستوى الشارع، وهو ما بات يحدث في أكثر من مدينة، بل صار هو الأصل، فيما الحوار والتدخل الاستباقي بات الاستثناء..
وأمام هذا المنزلق الخطير، كان لا بد من ملك البلاد أن يتدخل لإرجاع القطار إلى سكته، فالأوضاع وصلت حدا لا يطاق، وعندما يصل المواطن إلى مرحلة القطيعة مع الإدارة، وحين يفقد ثقته في المسؤول الإداري، فالأمر يدعو إلى القلق، ويستوجب التدخل الحازم والحاسم…
ولذلك فإن الزلزال الذي تحدث عنه ملك البلاد، يجب أن يشمل بالدرجة الأولى وزارة الداخلية، التي بات مطالبة بتغيير جذري لأداء مصالح إدارتها الترابية، مثلما باتت مطالبة بتأهيل شامل لمواردها البشرية، ولا خيار لها من رفع منسوب الشفافية والمهنية في شرايينها، وأي تأخر عن ذلك ستكون له ولا شك تكلفة باهظة على مستوى استقرار البلد . !!!