محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( تربية الابناء على القيم )
الخميس 12 أكتوبر 2017 – 12:22:14
لقد ساهمت الفلسفة، كمادة تشكل جزءاً من المقرر الدراسي الثانوي، في رفع مستوى التفكير لدى الطلاب بشكل ملموس، و كانت كلية الفلسفة بفاس مرتعا خصبا لتداول الأفكار و سريان النقاشات، لكن الدولة، بسبب “وعيها” بخطر الفلسفة عليها، اتجهت نحو الانقلاب عليها و اتجهت لإغراق العرض التعليمي بمواد تنتمي لعلم اللاهوت، وهكذا توسعت كليات أصول الدين و الشريعة و الدراسات الاسلامية و”احتضنت” ضحايا الهدر المدرسي، وفي غضون سنوات معدودة، صارت الجامعة المغربية تصنع خريجين لا سلطان لهم على العلم و لم يكتسبوا من “دراساتهم” تلك سوى المزيد من الهدر و الظلام المعرفي.
الآن و نحن نعيش العشرية الثانية من القرن الواحد و العشرين، يبدو أن الأمور الحياتية، في شتى مناحيها، قد اكتسبت وتيرة أكثر سرعة في التطور و التبدل من حال إلى آخر، أتذكر أن مدرسينا في الأطوار الإعدادية كانوا لا يدعون الفرصة تمر دون إثارة موضوع “السرعة” و كيف أن مجتمعاتنا أصبحت، من وقتها، تكتسب وصف عصر السرعة، و أتذكر أيضا كيف أننا كنا، كمراهقين يافعين، نبرر تصرفاتنا الطائشة بكونها من لزوميات “عصر السرعة” !
الحقيقة أننا لم نستوعب مفهوم السرعة في بعده المعرفي و الثقافي، بل كنا ننظر إلى بعده الميكانيكي أو الفيزيائي البسيط، لكننا، ونحن نعيش عصر وسائط التواصل الجديدة، اكتشفنا، أو هكذا بدا لنا، أن السُّرْعة الفَعّالَة لا تعني دوما الحركة المادية، بل قد تعني أيضا ذلك التغيير اللامادي الذي يطرأ على بنية العقل الإنساني داخل صيغة تنظيمه التقليدية : المجتمع.
لقد صارت “المعلومة” الآن تصول و تجوب أرجاء العالم بسرعة غير مسبوقة، في فترة أواسط و أواخر القرن العشرين، كان الحصول على الخبر، أيِّ خبرٍ، قد يكلِّفُ الإنسانَ متاعبَ جمَّة، بل قد يكلِّفُهُ حياته أحيانا، و كان بلوغُ الخَبر يعني امتيازاً لا يدركُه إلا من أوتي فضلا كبيرا. اما الآن، فالأمور تتم دون متاعب تذكر، فيكفي المرء أن يكونا حاملا لآلة بحجم كف يده و يرتبط بشبكة العناكب الافتراضية، حتى يعلم بشأن الخبر حتى قبل حدوثه.
لقد صَنَعَ التطور التقني الضخم، في مجال الاتصال و التواصل، مجتمعاتٍ أكثر حركيةً، بسبب سُرعة تداول “المعلومة”، بصرف النظر عن ملاءمتها و “الخبر” بغض الطرف عن مصداقيته، بين أوساط الناس، و حين يحدث ذلك الفعل و بتلك السرعة، فَلَكَ أنْ تُقدِّر السُّرعة التي عبرها يمكن تشكيل “وعي” جماعي، و ما شكل هذا “الوعي” وما طبيعة مرجعيته النظرية، على افتراض وجودها.
إن تشكيل ثقافة المجتمعات يبدأ من قوة انتشار وسائل الاتصال الحديثة و طبيعة الحمولة المعرفية/الخبرية التي تحملها، و حين تكون تلك الطبيعة منتمية لصِنْفٍ غيرِ مُصنَّف، فالنتائج المخبرية لن تكون سارة بالضرورة.
إننا نعيش فترة التحولات السريعة، أنظمة سياسية انهارت، و لم يكن أحد يراهن على سقوطها، نقاشات أخلاقية لامست الطابوهات بحرية متزايدة، تقلبات مجتمعية صارت تحدث في أزمنة قياسية، و البقية لاشك أنها ستكون اسرع. إنه عالم السرعة الحقيقية..