نهاية مرحلة..
جريدة طنجة – محمد العمراني ( الخاصة)
فبعد استقالته مزوار وانتخاب أخنوش على رأس التجمع، ثم نزول الياس العماري من على ظهر الجرار، حيث لازال البام يبحث عن خليفته، وقبل أسبوع تسلم نزار بركة مفاتيح قيادة حزب الاستقلال بعدما ألحق هزيمة مدوية بشباط. فيما كل المؤشرات تؤكد رحيل بنكيران عن قيادة حزب المصباح لفائدة العثماني، واستعداد حصاد لتعويض العنصر، بينما وضعية ادريس لشكر ونبيل بن عبد الله على رأس كل من الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية يكتنفها الغموض، وإن كانت التغيير يبدو شبه حتمي، وبوادره تلوح في الأفق.
هذا التغيير الذي سيجرف لا محالة جميع الوجوه التي بصمت المرحلة الممتدة ما بين 2011 و2016، يطرح أكثر من سؤال، هل هو مطلب شعبي؟، أم يدخل ضمن أجندة الدولة التي ترتب الحقل السياسي لمرحلة ما بعد بنكيران؟.
لا يختلف أثنان على أنه منذ دخول بنكيران رحاب المشور السعيد، وتعيينه رئيسا للحكومة، انحدر الخطاب السياسي إلى درك سحيق من الميوعة والإسفاف، وتحولت قبة البرلمان من مؤسسة لإنتاج القوانين ومراقبة الحكومة، ساحة لتبادل السب والقذف وحشيان الهضرة وحتى النكت، الأمر الذي كرس صورة جد سلبية لدى المواطن المغربي عن السياسة والسياسيين، الذين صارت مواقفهم وتصرفاتهم منفلتة عن أي ضوابط، وغاب عن الزعماء هاجس التقيد بالموضوعية، والحد الأدنى من الممارسة السياسية الأصيلة، المرتكزة على الأخلاق والقيم…
وخلال هاته الفترة شَهِدَ الحقلُ السياسي أحداثـــًا نسفت في العمق كل المفاهيم المُتَعارف عليها في تشكيل التحالُفــات الحكومية، هكذا خرج حزب الاستقلال من الحكومة بعد ان كان هو الحليف الاول لحزب المصباح، ليعوضه العدو الشرس مزوار، وفجأة تحول المناضلون والاطهار إلى شفارة وشلاهبية، ومن كان رمزا للتحكم بات حليفا وسندا للإصلاح، وكأن الخيط الفاصل بين الطهارة والفساد يتحدد عبر التموقع في الحكومة او المعارضة..
وعلى الرغم من كون بنكيران تحول الى ظاهرة سياسية، وامتلك شعبية جارفة، لكن بتقييم هادئ لمرحلته سنجد أن المشاكل الكبرى للبلد ازدادت تعقيدا (البطالة، الديون، الاستثمارات، الصح..)، وحتى الاهتمام بالسياسة الذي سجله المراقبون خـلال حكومة بنكيران لا يعزى لحصيلة حكومة الاقتصادية والاجتماعية، وما أنتجه من قيمة مضافة للعمل السياسي، بقدر ما يعـزى للـرغبة الجــامحة لفئـــات واسعة داخل الشعب المغربي في تلقي خطاب سياسي غير معهود، يستعمل لغة مباشرة، يجلد بها السياسيون للجلد والتسفيه…
بنكيران استغل جيدا نظافة اليد، وعدم تورط حزبه في مستنقع العمل السياسي، لشن هجوم كاسح على السياسيين والنقابيين وتحقيرهم، وتبخيس العمل السياسي…
بنكيران بوعي منه او بدونه أنتج خطابا مهيمنا و إقصائيا لكل من يخالف حزبه الرأي، و يتموقع في المعارضة، وكأنه يرغب في الاستفراد بالحقل السياسي والهيمنة عليه…
وهذا الجنوح إلى بسط السيطرة على الحقل السياسي نبه له قبل يومين سعد الدين العثماني،رئيس الحكومة، عندما عبر عن مخاوفه من سعي حزب المصباح إلى الهيمنة على جميع المواقع (الجماعات الترابية، الحكومة، البرلمان…)، معتبرا ذلك تهديدا حقيقيا للدمقراطية، وضربا للتوازن المطلوب ببلادنا…
اليوم تبدو الرغبة ملحة صعود قيادات رزينة تتسم بالهدوء وعدم الاندفاع، قيادات لها القدرة الى الإنصات والاستيعاب، بل إن مصلحة البلد تقتضي ذلك، لأنه سينعكس إيجابا من دون شك على المشهد السياسي المغربي…
بلادنا اليوم في حاجة الى قيادات تبدع الحلول، لا أن تنشغل في اقتتال حزبي، يفرمل المسار الديمقراطي لبلادنا، ويزيد من تعميق الأعطاب التي تعوق استكمال مسلسل الإصلاح المؤسساتي…
مشاكل المغرب عميقة ومركبة، وسياسة الانفعال والاندفاع دفع المغرب ثمنها غاليا، وزادت من تعميق الأزمة، ولأجل ذلك فإن طي مرحلة 2011/2016 ضرورة حتمية لإنجاح مسلسل الإصلاحات حتى.يتفادى المغرب شبح الانهيار الذي يتهدده، وهو ما حذر منه خطاب العرش الصادم.