… فلا نجد طنجة التي عرفنـاهــا بتـاريخها وعطرها..
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( .. )
السبت 28 أكتوبر 2017 – 15:41:16
ـ من الماء خرجنا ونبتنا، ومن الماء نأكل ونعيش.
ـ هل تعود إلينا البسمة التي اغتصبوها من وجوهنا فغدت كالحة مكفهرة ؟
يتم كل هذا بلا مُبـالات، وفي تجـاهـُل تام للواجب ولضرورة الحفاظ على الماء خصوصاً ونحن نعيش بداية جفاف نرجو اللّه أن يحفظنا من عواقبه وتبعاته سيما ونحن بلد فلاحي يرتبط اقتصادنا وازدهارنا ونماؤنا بما تجود به علينا السماء وتظل عيوننا محدقة في الفضاء انتظاراً لسحا مثقل بالخير والعطاء فمن الماء جعل اللّه كل شيء حي، ومن الماء خرجنا، نبتنا، ومن الماء نأكل ونعيش فلله الحمد والفضل والشكر… وأشدّ ما أستغرب له هو تقوقع المسؤولين داخل مكاتبهم المكيفة… فهم لا يروا المنكر حتى يغيروه، أما إذا كانوا يتفقدون المدينة فالمصيبة أكبر لأنهم يسكتون عن باطل، ويتجاهلون حقا ويصمتون عن فساد يجري أمامهم.
فكأنهم لم يلاحظوا ما تضيع من مياه صالحة للشرب يدفنونها في التراب بدل تركها لاستهلاك البشر الذي يشكو ندرة المياه، وشح السماء، وجفاف الأودية والسدود، ولعل قومنا في شغل فاكهون مع مهرجانات ومواسم تأخذ منهم المال والجهد والوقت، فلا يجدون فسحة زمان لتفقد أنحاء المدينة وأرجائها وهم الذين قرروا تسميتها بولاية طنجة الكبرى…. فلا نجد طنجة التي عرفناها بتاريخها وعطرها….ولا طنجة التي نعرفها بدروبها النظيفة الأثيرة… ولا طنجة الكبرى التي نأمل أن تكون زهرة بين الأبيض والمحيط… والشرفة التي تطل على الأندلس وبقايا عروبة سحيقة دمرتها القيان والليالي الملاح، وانتقل عبق من عطرها الشعري إلى أغمات حيث مدفن الأمجد الذي مات فقيرا يمضع شعرا ويأكل شعراً، ينثر شعرا مسربلا بدموع القهر وغدر الزمان وغلبة الرجال ..
فهل لهذه الرفة… وهذه البوابة المشرعة على البحر وأديم السماء وزرقة المياه أن تعود لمجد غابر لوثه لصوص الليل، وأثرياء الصنـاديق، وعُشـاق الأسفـار.. و الجـوانـح و الجـوامــح… هل تعود إلينا البسمة التي اغتصبوها من وجـوهنا فغَدَت كـالحة مُكفَهـرة؟ أو هل يذهبون غير مأسوف عليهم إلى حيث ذهبت كل الأعمدة الخرساء من صم وبكم وعميان فلا خلود إلاّ لله… لقد تمادوا إلى حيث مطعم الناس ومشربهم فاستنزفوهم بأرقام وأوراق ورسوم وحولوا ماء شربهم إلى التراب وما زالو يترنمون بأغاني المصلحة العامة، ورغم أن الناس فاقوا وعاقوا وفطنوا فإنهم كالنعامة يدفنون رؤوسهم في الرمال..