وجب حضور الدولة المتدخّلة بدلا من الدولة المتفرّجة
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (المشرّدون والحقوق )
عجزة في خريف العمر، شباب في مقتبل العمر، وأطفال في سن الزهور، أعدادهم تتزايد يوما بعد يوم في الشارع مسكنهم والعراء فراشهم والجوع والحزن والمرض والضياع أصدقاؤهم.
المشردون المغاربة يعانون من أمراض عضوية ونفسية كثيرة، منهم من فقد عقله ومنهم من قضى نحبه ومنهم من يحتضر، هؤلاء المغاربة إخوتنا، نكرر معهم قصة قابيل مع أخيه هابيل، نقتلهم بعدم بسط يد الرحمة والتضامن وانتزاعهم من بين فكي تمساح الشوارع، لذلك فنحن نلقي بهم في فم التمساح، كما ألقى قابيل يده بالسوء فقتل أخاه هابيل.
مأساة المشردين في المغرب، منقوشة في وجوههم، ولا تحتاج وقتا للتنظير، المشردون يئنون في مستعجلات الشوارع، يحتاجون إلى موقف علني، إلى تضامن علني، إلى علاج علني، إلى التفاتة حقيقية علنية، من طرف أصحاب الضمائر الحية.
وضرورة تغيير القوانين التي تعمق الجراح عوض تضميدها، لأن القضاء على ظاهرة التشرد والتسول، يجب أن يبدأ بمؤاخذة المؤسسة التشريعية والتنفيذية والقضائية، كل حسب مسؤوليتها التقصيرية في عدم إيجاد حلول مؤسساتية، لإيواء المشردين في ظل شروط إنسانية عنوانها احترام كرامة المواطنين المشردين وحمايتهم، واعتماد المقاربة الإنسانية لا المقاربة الزجرية كما تفضحها هذه الفصول التي ترتدي لباسا قد يبدو منطقيا في دولة لا يجد حتى حملة الشواهد العليا عملا فيها.
بطنجة، يعيشون دوما على القمامات المنزلية بشكل مريع يسيء لسمعة المنطقة بشكل عام ، وأمام البوابات الرئيسية لمختلف الإدارات العمومية والأسواق اليومية وسط مدينة حداثية ترفض الإستسلام لمثل هذه المناظر التي تصدم حياء ساكنتها.
مظاهر التشرد بالمدينة لا تقتصر فقط على الأطفال دون سن الرشد، بل تتجاوز ذلك إلى النساء اللائي يفضلن عادة المبيت أمام أبواب (المستوصفات) و المساجد رفقة أطفالهن الصغار، رغم التقلبات الجوية ، كما تلجأ وجوه أخرى إلى بعض البنايات المهجورة و الحدائق العامة ، التي تفتقر إلى أبسط شروط الحياة الكريمة، ناهيك عن المشردين المسنين الوافدين من مدن أخرى مجاورة أو بعيدة بغرض ممارسة التسول بها ، على طول السنة عن طريق شبكات و مافيات منظمة متخصصة في الميدان، ما يجعل عالم التشرد بالمدينة محاطا بسياج حديدي متين يصعب اختراقه بالسهولة المتصورة.
و بالرغم من الارتفاع الملحوظ لظاهرة التشرد بعاصمة البوغاز ، فإن غياب الإحصائيات الدقيقة للفئات المشردة بمختلف أصنافها، لدليل قاطع على غياب الإستراتيجيات الإنمائية الوطنية و انعدام السياسات الإجتماعية ذات الرؤية الواضحة لدى مختلف السلطات المحلية والإقليمية و المركزية، و الممثلة أساسا في وزارة التنمية الإجتماعية والأسرة والتضامن بالإضافة إلى باقي المتداخلين الآخرين المعنيين بمواجهة الظاهرة والبحث عن حلول جذرية لها، والحد من تبعاتها السلبية على المجتمع، حيث عادة ما يتم الإكتفاء بتنظيم حملات موسمية لجمع المشردين في إطار سياسة تلميع الواجهة و إخلاء الشوارع الرئيسية من المتشردين ، قبل ترحيل أغلبهم إلى المدن المجاورة أو على الأقل خارج الحدود الجغرافية للمدينة على متن حافلات أعدت خصيصا لهذا الغرض ، رغم التحفظ الكبير من طرف المتتبعين على مدى قانونية عملية الترحيل هاته ، ليعودوا مرة أخرى إلى المدينة ، فتبدأ عملية الكر والفر من جديد ، غير أنه وحسب بعض الإحصائيات الغير رسمية التي أجريت في بعض المدن المغربية الصغيرة كوجدة وفاس حول الظاهرة فإن الفئات المقصية والمهشمة من النساء في وضعية صعبة تأتي على رأس قائمة المشردين حيث يتعدى عددهم 1500 امرأة، في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة الأطفال المشردين والمتخلى عنهم حوالي1400 طفل، أما فيما يخص المتسولين فيبلغ عددهم حوالي700 متسول….وفي السياق ذاته، أجمع عدد من الفاعلين على أن التشرد ظاهرة دخيلة على مجتمعنا المحلي، وتحتاج لمزيد من اليقظة والتعبئة من أجل الحد من إفرازاتها السلبية…
كما تعتبر بالنسبة لهم ظاهرة اجتماعية سلبية تخلف وراءها مجموعة من الآثار السيئة التي تشكل في نظرهم وبالا على كافة شرائح المجتمع ، باعتبارها مجالا رئيسيا لمجموعة من السلوكيات الشاذة، مضيفين أن جميع قيم الإنضباط للقوانين والأعراف تسقط لدى المشردين القاطنين بالشارع العام،و الذين لا يعترفون إلا بالإنحراف والشراسة في التعامل وتعاطي المخدرات، وكافة أنواع الموبقات، مشيرين إلى أن التشرد في حد ذاته إفراز لمشكلات أخرى متشابكة ذات علاقة مباشرة بغياب العدالة الإجتماعية و تكريس التفاوتات الإجتماعية بصفة عامة و بالتفكك الأسري، والنشوء في بيئة غير طبيعية، مرتبطة أكثر بانحراف القائمين على شؤون الأسرة الصغيرة، والهجرة غير الطبيعية من القرى نحو المدن الكبيرة، مؤكدين على أن المشردين عموما لا يحسون بالإنتماء للمجتمع، لأنهم يعيشون بشكل دائم حالة من الإنفصام الداخلي الذي يتحول إلى حقد على المجتمع بعدما يجنحون إلى الإجرام والسرقة وقطع الطريق، والتسول وغيره من الظواهر المصاحبة للتشرد.
للظاهرة أسباب
لآفة التشرد أسباب ودوافع، وقبل الخوض في بعضها نشير بداية إلى أنه لا يمكن فصل الظاهرة عن الوضع المتأزم للبلاد، وكل عزل أو نظر أحادي الجانب لهذا الموضوع هو عزل وفصل لما لا ينفصل، ففي مجتمع تتزاحم فيه الآفات وجد التشرد ضالته ومكانه بين الناس، وهذا سبب عام، أما الأسباب الأخرى فيمكن الإشارة إلى:
الفقر
فقد أكدت العديد من الدراسات أن الأطفال الذين يتم إيداعهم في مؤسسات الإيواء، على قدومهم من أسر فقيرة ومفككة ، فالفقر أخ التشرد، والبطون الجائعة والأجسام المريضة والعقول الفارغة لن تجد طريقا إلا طريق الهيام على وجهها، لا تدري إلى أين تتجه، إلى أن تتداركها رحمة الباري عز وجل.
العنف الأسري
هو الآخر من الرزايا التي أصابت كافة طبقات المجتمع إلا من رحم ربك، وتناسلت من سلوكياته العديد من المشكلات وعلى رأسها كثرة حالات الطلاق وما يصاحبها من تشرد الأبناء وإصابتهم بشتى الأمراض، وليس المقام أن نفرد هذا الموضوع بالبحث والدراسة والإستخلاص، بقدر ما نشير إلى أن هذه الظاهرة وما يرتبط بها من دوافع إقتصادية ومعيشية سيئة، تولد في الإنسان تفريغ شحنة تلك الضغوط في محيط الأسرة، والضحية أطفال وشباب يتكاثرون من هنا وهناك، ليشكلوا على هامش المجتمع طابورا يحمل صفة التشرد.
ولمحنة حقوق الإنسان نصيب
وهذه ثالثة الأثافي (رزية طرأت على رزايا)، فإذا كانت حقوق الإنسان في الدول التي تحترم نفسها تعني الكرامة في الشغل والسكن الكريم والتعليم والصحة…. ففي المغرب تعني واجهة تخفي خرقا فظيعا لأدنى حقوق الإنسان، وفي وضعٍ كهذا يجد الإنسان نفسه متسولا عاجزا جائعا متشردا، عاقا لأسرته ووطنه، إذ نسيان الحقوق يورث العقوق.
أي دور للمدرسة؟
تقول الأرقام في بعض الدراسات والبحوث المنجزة على هامش امتحانات التخرج وإثبات الأهلية في قطاع التعليم، أن عددا كبيرا من تلاميذنا يرسبون لسبب أو لآخر، وكأن أطفالنا وشبابنا المتمدرس هم مصدر الفشل والتخلف الدراسي، بل الأدهى من ذلك أنَّ من يتم تعليمه سرعان ما ينغمس في وسط أميّ فينقلب هو الآخر أميّا بعد حين.
فأيُّ دور للمدرسة إن لم تكن بلسما يضمد جراحات المجتمع، ومصنعا لتخريج العقول والأدمغة والكفاءات، لا محلا لتفريخ شباب يسلمهم الفشل الدراسي إلى البطالة والتسكع في الشوارع؟
التشرد هو بقاء الإنسان في العراء لفترات طويلة والمبيت في أي مكان يختلف أحيانا تبعا للظروف , المتشرد انسان بلا مأوى لا ينعم بالأمان في بيت له باب وسقف وحوائط , انه إنسان مهمش لا ينظر للمستقبل فكل حياته هي اللحظة التي يعيشها , منتهى أحلامه أن يمر يومه بدون مشكلات أو إعتداءات، ولكن جراح ماضيه تطارده وفي بعض الأحيان تدعوه للإنحرافات بكل انواعها .
بعض الحلول التي يمكن تطبيقها :
لكي تتم معالجة ظاهرة التشرد بصفة فعالة، على الأنظمة أن تتعرف بشكل جوهري وجدي على خصائص الأوساط الإجتماعية لأسر المتشردين، يعني تشخيص أوضاعهم العامة و حينها يسهل تقديم المعونة والتي هي في نظري من أجل أن تكون بنّاءة ينبغي أن ترتكز على النقاط التالية :
تقديم المساعدات العينية أو المادية: من خلال منح أسر الضحايا العاجزة المأكل والملبس الضروريين وهي مسالة سهلة في ظل وجود الدولة المتدخلة بدل الدولة الحارسة.
تقديم المساعدات الطبية والإجتماعية:وهناك لا بد من تدخل أطباء نفسانيين وخبراء اجتماعيين لتشخيص الأعراض بدقة وإعطاء إرشادات نفسية حسب الحالات وحسب الخصوصية والطلب.
المساعدة القانونية : وتتجلى في تفعيل قوانين الأحوال الشخصية لحل بعض المشكلات المؤدية للطلاق والتفكك الأسري و معالجتها بحكمة.
المساعدات التوجيهية :وفيها نستعين بدور وسائل الإعلام و خطب أئمة المساجد و نشاطات المنظمات غير الحكومية وذلك من أجل التوعية الصحية والإقتصادية والدينية .
لكي تكون هذه المساعدات السالفة الذكر فعالة ينبغي إحداث مراكز إيواء إجتماعية وجماعية في الأحياء المستهدفة بغض النظر عن ما يطبع الظاهرة من تعقيد يتجلى في تنوع الخاصيات الفكرية والإجتماعية والنفسية والبدنية لهؤلاء المتشردين سواء كانوا أطفالا أو مسنين.
أما من جانب المعاملات الإسلامية فقد شرّع الشرع في باب “مصرف الزكاة”: كيف عنى القرآن بابن السبيل في سوره المكية والمدنية، وأمر في أكثر من موضع بالإحسان به وإيتائه حقه، ثم جعل له أخيرًا سهمًا في مال الزكاة.
وما ذاك إلا لأن المسلم يحب للإنسان أن يكون “ابن بيت” يؤويه، ويكره له أن يكون “ابن سبيل”، ومن هنا كان من المقرر في الشريعة أن يكون لكل إنسان مسكن لائق به يؤويه وأطفاله، واعتبر هذا من الحاجات الأصلية التي لا بد للمرء منها ليعيش ويبقى.
عندما نتكلم عن مغرب الغد ، مغرب الحقوق و التنمية ، فعلينا ألا ننسى أن الحقوق تبدأ أولا من المأكل و المشرب و المسكن و التطبيب و التعليم ، ثم نتحدث فيما بعد عن الحقوق المبنية على الرفاهية و التميّز .
لا حقوق ببلد تهدر فيه أبسط حقوق الانسان…