كيف نربي أبناءنا اليوم… مع مواجهة اقتلاع الثوابت، وتبديل القيم، وإحلال ثقافة مستوردة لا صلة لنا بها، ولا شيء مشترك يجمع بيننا؟!
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( تربية الابناء على القيم )
الأربعاء 11 أكتوبر 2017 – 15:02:18
وتربية الأبناء وتعهدهم هي الخطوة الرئيسة والتحدي الهام الذي يتوقف عليه مستقبل الأمة ، وخاصة في زمن كثرت فيه المغريات، وظهرت فيه التيارات، وانتشرت فيه الرذيلة، والفساد، وانحرف بعضهم عن جادة الطريق بالآثام والمعاصي وغيرها، يساعد في ذلك قوى الظلم والطغيان بما يملكون من قوة مدمرة، وتحولات تقنية متسارعة ومذهلة، ونفوذ على الأرض، كل ذلك لغزونا فكرياً وثقافياً ونفسياً وعلمياً وصحياً، وفرض تحديات واقعية على شبابنا، لجعلهم في اضطراب دائم، ليس لهم نهج أو خطة أو هدف، أوضاعهم الصحية والمعنوية والنفسية في تدهور مستمر، لا يتمكنون من عمارة الأرض والقيام بدورهم كبشر، “فلا يقيمون وزناً للدار الآخرة والإيمان بالله في أمور الحياة الدنيا التربوية والٌإقتصادية، والسياسية والإجتماعية، وفق خُطَّة مدروسة ونهج محدّد وأهداف واضحة لديها” .
وقد أدرك ذلك الرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام – وتلاميذ مدرسة النبوة منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، فكانوا عيوناً ساهرة تراقب الأبناء قبل أن تعصف بهم ريح الشيطان إلى مهاوي الردى، ومزالق الإنحراف وطرق الضلال، فعملوا على بنائهم، انطلاقاً من المسجد منارة العلم والنور والتربية والتوجيه والبناء والتعهد، إدراكاً منهم أن الأمة لا يمكن أن تنهض إلاّ برجالٍ أخلصوا النية لله، واجتهدوا في بناء فلذات أكبادهم وتربيتهم التربية الإيمانية الصالحة لكل الأزمان والعصور، فكانت النتيجة أنهم استطاعوا تغيير المجتمع الجاهلي والمتخلف الظالم إلى مجتمع متقدم متعلم يسـوده العدل والرحمة والإحسان، والمحبة والمساواة، متخلصاً من العصبيات الجاهلية التي كانت تعصف بالمجتمع. ومن الأهمية بما كان، إدراك أن مهمة التوجيه والإرشاد وتربية الأبناء مهمة شاقة، ومن أعظم المهام التي يقوم بها الإنسان في حياته الدنيا، للخروج من الذل والهوان والإحباط الذي تعيشه الأمة المسلمة إلى القوة والعزة والمنعة، لنيل رضا الله والأجر العظيم، ولكي يتمكن الوالدان من رسم معالم الطريق لأبنائهم، بتربية صالحة، وسعادة في الدارين.
ترى ما نسبةُ التفاؤل المتوقعة لنجاح جهود الآباء في تربية الأبناء في ظل هبوب رياح الشرق والغرب ومحاولاتها المستمرة في اقتلاع الثوابت، وتبديل القيم، وإحلال ثقافة مستوردة لا صلة لنا بها، ولا شيء مشترك يجمع بيننا؟!
وكيف يتصرف الآباء والأمهات وهم الحريصون على إكساب أبنائهم مناعةً أخلاقية تحميهم من آفات الإنفتاح العشوائي على ثقافات العالم إذا ما وجدوا قوة في الريح التي تجذب أبناءهم في المقابل على هويتهم من التشويه أو الإنقلاع؟
ومع اجتهاد الآباء والأمهات في التعريف بالطريقة المثلى التي تضمن السير في الإتجاه الصحيح، إلا أن الخوف من حدوث ثغرات في الفهم ونقص في الإستيعاب يبقى قائمًا، فهل تتوفر للأبناء قدرة كافية للحفاظ على توازنهم وسط لوثة الأفكار وهشاشة البنية الثقافية المستوردة المراد ترسيخها في المحيط الإجتماعي؟!
إنها مشكلة تبدو صعبة الحل، ولغز يبدو عسيرًا على الإجابة، ومعضلة تحتاج إلى متخصص ليفك طلاسمها ورموزها، فكيف يعيد الأبناء ترتيب أوراقهم من جديد؟! وكيف يتمثلون الصورة المثالية الرائعة التي رسمها لهم الوالدان عن الشخصية الناجحة التي تثير إعجاب الناس، وتستحوذ على اهتمامهم، ما دامت ملتزمة بالمبادئ والقيم، وهم يرون المثل الجميل يتحطم أمامهم كل يوم ،
هل تعدُّ التربيةُ القائمة على القمع والإرهاب والتخويف وقتل المشاعر والإحساسات وصياغة الشخصية الجافة الصارمة الناقمة على المجتمع – الأسلوبَ الأمثل لتربية هذا الجيل؟.
هل عبارات وتوجيهات (اسكت يا ولد.. لا تجلس مع الكبار.. أنت لا يعتمد عليك.. أنت فاشل.. فلان أحسن منك.. عيب عليك أما تستحي.. سودت وجوهنا.. ما فيك خير.. والحرمان من المال أو اللعب أو أي وسيلة للترفيه بحجة عدم الوقوع في المحظورات.. واختيار نوعية الأكل والشرب واللباس.. وقسر الأبناء على دراسات لا يرغبونها.. وإجبارهم على اعتناق أفكار لا يؤمنون بها..)
هل هي أساليب مجدية..؟
هل استخدام العصا والنهر والزجر والصراخ في وجوه الأبناء.. وركلهم ورفسهم وجرهم من شعورهم.. والبصق في وجوههم.. وتحقيرهم.. والتعامل معهم بفوقية وفرض الطاعة المطلقة عليهم – أساليبُ وطرائقُ تتوافق مع طبيعة عصرنا الحاضر؟
وبعد..
فإن التربية تعد أمرًا معقدًا لا يستطيع القيام به كل أحد، وكلما اتسع نطاق البيئة التي تتم فيها هذه المهمة ازدادت صعوبتها وبرز فيها خطر التأثر بما يمكن تلقيه من أفكار وسلوكيات، وفي عصر العولمة صارت البيئة هي العالم كله، على ما فيه من اختلاف في الديانات والثقافات، يزداد حينًا ليكون تضادًّا ويقل حينًا ليكون تنوعًا.
إن زماننا هذا زمن الإنفتاح والمتغيرات، ومع كثرة التقنيات والفضائيات وكثرة الثقافات والشبهات أصبح الشباب يعيشون اليوم في مفترق طرق وتحت تأثير هذه المتغيرات ولا شك أنها تسبب لهم كثيرًا من المشكلات التربوية والأخلاقية.
لقد أحدثت الفضائيات والشبكة العنكبوتية (الإنترنت) تغيرًا مهمًا في المجتمعات بما قدمته من وسائل للإتصالات، جعلت العالم ينساب بعضه على بعض، فلا حدود ولا قيود تقف في وجه انتقال المعلومات، والتربية بحكم عملها وطبيعتها أكثر جوانب المجتمع عرضة للتغير، وبناء على ذلك فالمتغيرات الحادة التي ينطوي عليها عصرُ المعلومات وعصر الإنفتاح، ستحدث تغيرًا كبيرًا في منظومة التربية، مناهجها وأساليبها وأثرها، ولذا أصبح من المهم مراجعة منظومة التربية لتتوافق مع الأثر الذي ستؤديه في زمن الإنفتاح.
لم يعد المربي هو من يوجّه فقط, ولم يعد المتربي رجلا سِلْمًا لمربّيه، بل فيه شركاء آخرونفالشبكة العنكبوتية وما تحمله في طياتها من مواقع عدائية ومقالات تدعو إلى مساوئ الأخلاق, وفي المقابل طرح خيارات فكريه تشوه الأفكار الإسلامية الصافية وتحارب مبادئه وقيمه الزكية، وتنوع مجالات الإنفتاح وازديادها بحيث لا يمكن حجبها، يزيد من صعوبة التربية في زمن الإنفتاح، لقد أصبحنا عبر السماء نستقبل أفكار الأمم وثقافتهم وما يبث من سموم.
لم يعد من السهل على أبنائنا وشبابنا الوقوف أمام هذه المغريات دون أن يكون هناك من يمد لهم يد العون والمساعدة من المربّين، ولم يعد من السهل على المربين أن ينجحوا في مهمتهم في تربية الأجيال ما لم يفقهوا التربية في زمن الإنفتاح.
لقد أصبح أمام المربّين العديد من التحديات التي تجعل من موضوع التربية الأسرية وغير الأسرية إشكالية يلزم تمحيصها والتفكر فيها حتى يتسنى لنا اتخاذُ القرار السليم. وتتمثل أهم التحديات في الإنفجار المعرفي المذهل الذي يحتاج مواكبةً سريعة من قبل الأجيال القادمة، والمتناقضات السياسية الخطيرة التي يعيشها مجتمعنا العربي والإسلامي وما وصل إليه هذا المجتمع من ضعف شديد وما يحمله هذا الوهن من مضمون سيئ يستشعره الشاب فيزلزل كيانه ويوهن عزيمته وثقته.
إننا في عصر الإنفتاح غير المعهود على ثقافات غريبة يسَّرتها لنا وسائلُ الإعلام الحديثة ،فبالأمس كان هذا الإنفتاح محدودًا وكان اطلاع الأبناء على هذه الثقافات تحت إشراف الوالدين نسبيًّا. أما الآن فإننا نعيش مشكلة كبيرة تتمثل في هذا الفيض الجارف من المفاهيم والقيم الأجنبية الوافدة إلينا والتي بدأت آثارها المدمرة تبدو جلية فيما نشهده من مشاكل لم تعهدها مجتمعاتنا سابقًا (العلاقات الجنسية عبر النت، العلاقات غير الشرعية مع المحارم، الممارسة المثلية…..الخ).
لقد أصبحت عقول وأفكار وأخلاق أبنائنا ميدان سباق, والدعاة والمربون أحق من ينافس وأجدر من يسابق للوصول إليها وحمايتها من كل زيغ أو فساد. ففي ظل هذا الإنفتاح تتضاعف مسؤولية المربين في تربية النشء وفي إعداد جيل يحمل مبادئ الإسلام وقيمه, وفي ظل هذا الإنفتاح يزداد العبء على الدعاة والمربين للوصول بالجيل الناشئ إلى بر الأمان بعد توفيق من الله…