المختلون عقليا… عالم مُغلق
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( المختلون عقليا… )
الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 – 14:43:04
ـ مختلون عقليـًا يتجَـولون بكل حـريــة في عَدَدٍ من المُدُن المغربية.
ـ عجز السلطات عن التحكم في ظاهرة المختلين عقليا…
هو عالم مغلق يعرف ذوو الاختصاص خباياه وخفاياه وملابساته، أما المصاب فهو يعيش عالمه الخاص المغلق، وقد يكون موجوداً أو منعدم الوجود… وقد يحس بنفسه أو يتبلد احساسه فتنعدم قيمته وبالتالي يصبح كما مهملا…ولتطور العصر وظروف الحياة ومستجداتها أصبحت مقتضيات الظهير الأنق الذكر متجاوزة، ولم تعد تتلاءم والتطورات الحاصلة في مجال حماية الحقوق والحريات الأساسية لهذه الفئة من المصابين بالاضطرابات العقلية سواء على مستوى الاتفاقيات الدولية أو تشريعات الدول المتقدمة، ولتفادي هذا النقص صادقت الحكومة على قانون رقم 73 ـ 13 يتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية، وبحماية حقوق الأشخاص المصابين بها، بما فيها إغلاق بويا عمر بإقليم قلعة السراغنة، غير أن الوضع يبقى كارثيا نظرا لعدم الإهتمام بهذه الفئة من قبل الوزارة الوصية، إذ بمجرد اتخاذ قرار عاملي يقضي بإيداع الشخص بمؤسسة للعلاج من الأمراض العقلية لاتقل عن ستة أشهر لا يتم الاحتفاظ به من أجل العلاج، بل يتم تسريحه دون الأخذ بعين الاعتبار الخطورة التي يمكن أن يُشكلها على نفسه أو على الغير، ولذلك سجلت العديد من حالات الاعتداء من قبل المختلين طالت الأصول، كما هو الشأن بالنسبة لقتل مختل لوالديه ببنسليمان يوم 28 غشت 2016، وانتحار أب بأولاد الطالب، إقليم بنسليمان بمجرد عودة ابنه المختل إلى المنزل، واغتصاب مختل مريض لأمه بإحدى الجماعات، ويكفي أن مبردات المشرحات بالمستشفيات مليئة بأشلاء الجثث المجهولة التي تعود في الغالب لهؤلاء دون اتخاذ أي إجراء لدفتها على الأقل والاحتفاظ بالحمض النووي للجثث لكل غاية مفيدة مستقبلا عند ظهور أقـاربــه.
الخطير في الأمر هو أنَّ العديدَ من المسؤولين الذين لايكلفون أنفسهم تحرير قرار الإيداع بمؤسسة للعلاج يلجؤون إلى نقل هؤلاء المختلين والتخلص منهم بعيدا في الطريق أو بمدخل مدينة أخرى مجاورة.
صحيح أن عدم قيام مصالح الصحة بواجبها تجاه هؤلاء يجعل السلطات الأمنية في حيرة من أمرها، خـاصــة وأن النــيابة العـامّــة لا يعطيها الظهير الشريف رقم 1ـ58ـ295 الصادر في 30 أبريل 1959 بشأن الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المصابين بها أي اختصاص في هذا المجال، لكن القانون يخولها سلطة إنـــزال العقوبة بكل من أخل بواجبه وعدم تقديم يد المساعدة لشخص في خطر على نفسه وعلى الغير، الشيء الذي لا يتم تفعيله.
هناك جمعيات أخَذَت على عـاتِقَهـــا الاعتنــاء بهذه الفئة رغم خطورة المهمة، وما تتطلب من صبر وعناية فائقة ومغامرة مع الشخص المصاب الذي لايمكن التحكم في سلوكه، كما هو الشأن لمركز تيط مليل.
لكن في غياب سياسة اجتماعية واضحة في هذا المجال سيبقى المصابون بهذا النوع من المرض يحصدون المزيد من الأرواح، وترويع الناس، وخلق العاهات المستدامة في ظل تنامي ظاهرة التعاطي للأقراص المهلوسة والمخدرات وغيرها.
المختلون وحرية التجول في الشوارع
في نهاية شهر أبريل 2016 هزت جريمة بشعة المجتمع المغربي ودار بصددها نقاش مستفيض حول وضعية المختلين عقليا، فأحدهم قام بقتل عشرة من أفراد عائلته بينهم والده ووالدته وزوجته، وعم والده، وأقرباء آخرين، وكاد يجهز على بناته الأربع لولا تدخل الأمن في أبشع جريمة شهدها المغرب والتي كانت قرية صغيرة في مدينة الجديدة (جنوب الدار البيضاء) مسرحا لها. ودقت الجريمة ناقوس الخطر حول وضعية المختلين عقليا، إذ يتجول في عدد من المدن المغربية مجموعات المختلين عقليا بكل حرية، منهم من يعيش في الشوارع، ومنهم من يأوي ليلا لبيت أسرته، وصار عاديا أن يطالع الناس مشاهد مريض عقليا وهو يقوم بتصرفات غريبة في الشوارع العمومية، بل أن بعضهم يعتدي أحيانا على المارة.
وتؤكد الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة عجز السلطات المغربية عن التحكم في ظاهرة المختلين عقليا، وإيواء الحالات الصعبة في المراكز الصحية، فقد كشف تقرير صادر عن مندوبية الصحة بمدينة الدار البيضاء عام 2013 وجود 3 آلاف مختل عقليا يعيشون في شوارع المدينة دون أي عناية، بينما بلغ عدد الذين يعانون من الأمراض العقلية في المدينة 21 ألف متخلف، فكم وصل العدد سنة 2017؟…
وقد نشر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا سنة 2012 جاء فيه أن المراكز الاستشفائية الخاصة بعلاج المرضى عقليا ويبلغ عددها 27 في المغرب تعيش الكثير من المشاكل، فهي في حالة مزرية، ولا تنتشر في عموم التراب المغربي، كما تعاني خصاصاً مهولاً في عدد الأسرة، وفي التجهيزات الطبية، وكذا في الأطقم الطبية، فعدد الأطباء النفسيين في القطاع العام لا يتجاوز 172 وعدد الممرضين 740، كما أن هذه المراكز لاتعرف أي متابعة للوضع الاجتماعي للمريض، وتعيش حالة من الاكتظاظ كالسجون تماماً، فضلا عن أنها لا تتوفر على الأدوية المطلوبة، ولاتقدم وجبات كافية للمرضى، فماذا تعمل وزارة الصحة؟ إذا كان دورها منعدما أو مقصراً مع هذه الفئة فأحرى بها أن تزول نهائيا لتعوضها مؤسسة خاصة.
لقد أبانت الحكومات المتعاقبة على فشلها في تعميم الصحة البدنية على المواطنين، فما بالك بالصحة النفسية التي يبقى المستفيدون منها قلة قليلة.
وكان وزير الصحة الحسين الوردي، قد أعلن عن مخطط وطني للصحة سنة 2013 من أهدافه تحسين ظروف علاج الأمراض العقلية، وصرح في البرلمان بأنه تم تعزيز البنية لأغلب المستشفيات العقلية بالمملكة عبر إضافة 600 سرير جديد، وتشغيل 157 ممرضاً، كما عملت الوزارة على بناء ثلاثة مستشفيات جهوية، فضلا عن تكوين أطر طبية وتمريضية جديدة، وتشجيع المستثمرين على إحداث مصحات نفسية خاصة لمواجهة الخصاص في علاج الأمراض العقلية.
غير أن وزير الصحة واجه انتقادات كثيرة في هذا المجال، خاصة بعد إخلائه بويا عمر، وهي قرية خاصة كان يحتجز فيها المرضى عقليا، وإذا كانت بادرة الإخلاء حدثا إيجابيا نظراً للظروف المزرية التي كان يعيشها المرضى في هذه القرية فإن البديل لم يتم وضعه جيدا حسب انتقادات أطباء متخصصين، مما فاقم من الإكتظاظ في المستشفيات المختصة، بل وأعاد مرضى آخرين كانوا في القرية إلى الشارع…
(يتبع )