جبروت المدارس الخاصة بطنجة.. من يوقفه؟ زيادات في واجبات الدراسة و رسوم التسجيل و السومات الشهرية.. التعليم الخاص بات مجالا خصبا للإستثمار غير المقنن
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( المدارس الخاصة )
الثلاثاء 19 شتنبر 2017 – 17:22:00
واعتبر عدد من آباء و أولياء الأمور، أن مؤسسات التعليم الخصوصي أصبحت «تصول و تجول» في جيوب أبناء الشعب دون حسيب ولا رقيب.. مستغلين خضوع القطاع لقانون العرض والطلب ونوعية الخدمات المقدَّمة من طرف تلك المؤسسات الخاصة، وعدم سماح القانون رقم 06 – 00، الذي ينظم قطاع التعليم الخصوصي، لوزارة التربية الوطنية بفرض رقابتها على الجانب المالي وتحديد أسعار التمدرس ورسوم التسجيل، إذ يقتصر دور وزارة التربية الوطنية في هذا المجال على التأطير والمراقبة التربوية ومراقبة جودة الخدمات، ومدى تقيد تلك المؤسسات بالمناهج والبرامج التربوية والكتب والمُعدّات التعليمية المُعتمَدة من طرف وزارة التربية الوطنية، دون أن تطال رقابتها الأثمنة التي تحدّدها المؤسسات الخاصة، سواء بخصوص رسوم وواجبات التسجيل، التي لا يعرف تفاصيلها سوى أرباب تلك المدارس، أو تعلق الأمر بالواجب أداؤه شهريا مقابل تدريس الأبناء.
اليوم، بات من الضروري أن تدخل الحكومة على خط تنظيم القطاع وضبط موارده المالية وحماية المواطنين المغاربة من بعض أرباب المؤسسات التعليمية الذين يغلب هاجس الرّبح على مخيلتهم على حساب جودة الخدمات التربوية والتعليمية المقدَّمة لأبناء المغاربة. وبات من الضروريّ فتحُ هذا الملف وتقنينه وكبح جماح أصحاب التعليم الخصوصي، الذين وجدوا في القطاع مجالا خصبا للإستثمار غير المقنن، بدل ترك المجال حرا طليقا يفعل في جيوب ورواتب بسطاء الموظفين والمستخدمين ما يشاء..
لقد آنَ الأوان لأن تفكر الحكومة -ومعها وزارة التربية الوطنية- في وضع دفاتر تحمّلات صارمة لكل من يريد الإستثمار في قطاع التعليم والتربية، وسن ضوابط موحَّدة تجعل القطاع تحت سيطرة الدولة ورقابتها. كما يتعين على الوزارة إعادة النظر في القانون 06 – 00 الذي يعَدّ الوثيقة الوحيدة المنظمة للقطاع، وقد ذهب البعض إلى حدّ القول بضرورة وضع معايير صارمة من طرف الوزارة والحكومة بإمكانها تصنيف هذه المؤسسات الخصوصية ومنحها درجات و«نجوم» وفق جودة بنياتها التحتية وجودة خدماتها التربوية والبيداغوجية ومدى احترامها الضوابط ودفاتر التحمّلات، مع تشديد الرقابة من طرف الجهات المختصّة على أسعار التمدرس وكذا على رسومات التسجيل، مع سنّ قوانين زجرية في حق المخالفين لتلك الضوابط أو لدفاتر التحمّلات.
ومن جانب آخر، اقترح عدد من الآباء والأمهات الضرب بقوة على أيدي بعض المسؤولين الذين باتوا «متخصّصين» في تفويت الأراضي التي تكون مخصصة لإقامة مؤسسات تعليمية عمومية نزولا عن رغبة ونزات أصحاب العقار، الذين أتوا على الأخضر واليابس في مجال العقار.. إذ أكد المتحدثون إلى الجريدة أن مجموعة من التجمعات السكنية في مختلف المدن المغربية لم تعد تتوفر على مدارس عمومية، مقابل منح تراخيص بالعشرات لتشييد مؤسسات تعليمية خصوصية في هذا الأمر الذي يضطر أغلبَهم إلى التسليم بالأمر الواقع وتسجيل أبنائهم في مؤسسات خصوصية، ضدّا عن رغبتهم، ليس حبّاً في التعليم الخصوصي، وإنما لعدم تواجد مؤسسات عمومية بالقرب من تجمعاتهم السكنية. ويأمل من تحدّثوا إلى الجريدة حول هذا الموضوع أن يفتح وزير التربية الوطنية هذا الملف ويسعى إلى الدفاع عن أبناء المغاربة وحمايتهم من «نيران» واجبات التسجيل ورسوم
متابعة الدراسة في المؤسسات الخاصة.
من جهة أخرى، لا ننسى إلى أي مدى وصل جشع و طمع أرباب الرياضات و المؤسسات التعليمية الخاصة، حيث أن مربّيات رياض الأطفال يلجن لهذه المهنة اضطرارا في كثير من الحالات، إذا لم يجدن عملا غيره. ومن هنا تبدأ المحنة المادية والمعنوية التي يعاني منا هذا القطاع، والحال صحيح بالنسبة لكثير من المستثمرين فيه، من الذين ليس لهم قصد تربوي وغاية تربوية بالدرجة الأولى، بل القصد والغاية هي الربح التجاري.
الجشع والطمع لدى المستثمرين يجعل المربيات ضحية الحاجة التي يُعانين منها من جهة ونتيجة الجري وراء الربح المالي لدى الرؤساء والمُلاّك، من جهة أخرى، فكيف ننتظر أن يكون حال العاملين والعاملات في المؤسسات الحرة وروض الأطفال، إذا كان رجال ونساء التعليم بالقطاع الحكومي لا تنقطع شكواهم من الحاجة والرغبة في تحسين الحالة المادية رغم أنهم أحسن حالا من القطاع الحر مع تميزهم بالحماية النقابية والحماية القانونية.
وعلاوة على ذلك، النسبة الساحقة من المربين هن نساء، الأمر الذي يجعلهن في موقف ضعف، فمن المعلوم أن النساء أكثر تبعية وأقل احتجاجا ومطالبة بحقهن في الشغل، مع العلم أن ظروف المربيات لها انعكاسات سلبية على العملية التربوية، و أن الضحية في نهاية المطاف هو الطفل الصغير الواقف على عتبة التعلم والإندماج في المجتمع، وهذا هو مربط الفرس والتفسير الجلي لفشل المنظومة التعليمية في بداياتها، لذلك يجب تدخل الدولة بشكل من الأشكال لمعالجة شاملة ومندمجة تشمل الجانبين التربوي بالتكوين الجيد قبل الولوج والتكوين المستمر، والجانب المالي والقانوني.
أسعار خيالية و نتائج غير مرضية للآباء
شبّه عبد الله.ر، 45 سنة وأب لتلميذتين، انتشار المدارس الخصوصية بالفطر داخل غابة متوحشة، ورقعة اكتساح المدارس الخاصة تمتد إلى هوامش المدن، و تلامس بعض القرى، في المدن مدارس عمومية توصد أبوابها معلنة عن انتهاء مهماتها التربوية، وبعضها قد يعرض قريبا للبيع علنا لتنتصب عمارات أو أسواق ممتازة مكانها، وهو ما أكده عثمان عزوزي، ممثل اتحاد التعليم والتكوين الحر، بالقول إن الفئات المتوسطة والفقيرة كذلك أصبحت لها قناعات بأن المدارس الحرة تعتبر ملاذا أفضل لتعليم أبنائها، وهو ما ولد ضغطا كبيرا على القطاع، حيث وللأسف ما عرفته المدرسة العمومية من اختلالات تولد عنه نزوح إلى المدارس الخاصة، وهنا يطرح السؤال، لماذا يغادر مجموعة من التلاميذ المدرسة العمومية للإلتحاق بالمدارس الخاصة، رغم العرض غير الكافي لاستيعاب كل الطلبات المتزايدة سنة بعد أخرى؟
وإذا ما استثنينا بعض المدارس الخاصة، المعدودة على رؤوس الأصابع والتي يعتبر مستواها جيدا لكنها باهظة الثمن، فإن جل المدارس الأخرى تعتبر متساوية في المستوى الذي تقدمه لتلامذتها، فهذه أم مثقفة تتابع إبنها يوما بيوم، وتلاحظ غير ما مرة أخطاء المعلمات وتقصير الأساتذة وعدم اكتمال المنهاج الدراسي، حيث تأكد أنها تقضي الساعات الطوال في تعليم ابنها وكأنه لم يقرأ الدرس في المدرسة من قبل، لتتساءل عن أي خطة دراسية وعن أي مراقبة إدارية توجد في هذه المدارس، وتضيفلا الأم المثقفة، “بالرغم من أن ولدي في مدرسة خاصة تتمتع بسمعة طيبة إلا أنني كنت قد وجهت ذات مرة سؤالا إلى المدير كون إبني من حظه أنني أجيد اللغة الفرنسية والعربية وشيئا من الإنجليزية، فما هو مصيره لو كنت أمية؟ من كان سيعلم ولدي؟ أنا أستطيع أن آخذ الكتب وأعلمه في المنزل دون الحاجة إلى المدرسة… إن ولدي متفوق بفضل الله وبمجهودي ومثابرته، لا بفضل المعلمات الضعيفات والرقابة المعدومة والسياسة التعليمية التجارية”.
ويتأسف أب تلميذ آخر بالقول إن ما يحدث اليوم في مدارسنا هو «عملية تقنيع للأمية وتجهيل، حيث “سجلت إبني في مدرسة حرة وبواجبات شهرية تتعدى 1800 درهم «غير باش يحضيوه ليا”. “أقول أمية مقنعة وجهل مزيف، حيث ينجح التلميذ تلقائيا بالنفخ في النقط المحصل عليها، وينهي الباكلوريا وهو غير ملم بقواعد النحو والصرف ولا يجيد كتابة فقرة واحدة من دون أخطاء إملائية وبثقافة ضحلة وهو ما لاحظته في إبني ومستواه الثقافة”. .