صفات من زمن السيبة …
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( جيل بلا اخلاق )
الخميس 14شتنبر 2017 – 12:50:18
• لماذا استبدل قـوم منـا جلدهم بجلد التماسيح ؟…
ـ متى كنا نرى المنكر فنسكت ؟…
ـ وقل ربّـي ارحمهما كَما رَبيـاني صغيــرا….
جيل من المَسخ مركب بعقد نفسية، وانحـلال أخــلاقي يعوض أجيالا ربيت على مكارم الأخلاق.. فذهبت المكارم، وانحلت الأخلاق وشاع الفسق والفجور، واستباح السفاحون عالم الفضلاء والشرفاء وخيرة الناس…
من أين أتينا بكل هذه الموبقات ؟.. ولماذا استبدل قوم جلدهم بجلد التماسيح، وشحذوا الأنياب، وغرسوا الشر في المجتمع؟… ما عاد التضامن والتكافل سوى عناوين باهتة لماض تليد عز وجوده، وفقد صوته وبريقه… ولن تنفع دموعنا ولا زفراتنا والحسرات من إعادة ما ذهب ما دامت خفافيش الظلام، والعناكب السامة تعيش بيننا سوداء الوجه، سوداء الأعماق، مضغة حقد وشر تعيش في الأرض الفساد…
متى كنا نرى المنكر ونسكت؟… ” من رأى منكم منكرا فليغير بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ” …
تغيير المنكر باليد للسلطة فهي التي تملك إمكانيات محاربة المنكر، وتتوفر على الترسانة القانونية لذلك… لا أحد يملك ذلك وإلا شاعت الفوضى… وللعلماء اللسان… فعندهم العلم والذكر والموعظة، وعندهم من الكتاب والسنة، وقصص من سبق من يوقف كل معتد أثيم عند حده. ولنا القلب الذي يتألم وينفطر ويتحسر… أفلا تنشبث على الأقل بأضعف الإيمان؟… أو أن نكون مجردين حتى من هذا الأضعف؟… تغيير المنكر بالقلب، إلا اللمم ففي بعض الحالات لا ينفع تغيير المنكر بالقلب، فلابد من الإسعاف وبذل العون والمساعدة… تماما كفتاة الأوتوبيس/ فتاة الحافلة المكتظة بالركاب، والسائق الذي يقود الجميع، وكان بمقدوره أن يقود الحافلة إلى أقرب مركز للشرطة… هنا لا ينفع القلب، ولا يغير المنكر إلا المساعدة والتدخل… فلا يعقل كما فعل الفاعلون أن نتفرج على المنكر أمامنا ثم نقول أننا غيرنا المنكر بأضعف الإيمان… وما بال قوم جلسوا يتفرجون والصراخ والعويل أمامهم له نحيب وزعيق واستغاثة ؟… هل فقد هؤلاء إنسانيتهم؟ وهل تبلد حسهم وماتت غيرتهم وفقدوا الإيمان بالله والقضاء والقدر خيره وشرهم فخشوا على أنفسهم، واسترخصوا شرف وكرامة مواطنتهم وابنة جلدتهم وهي تتلوى تحت وطأة اعتداء غاشم لحفنة وحوش سموهم قاصرين وهم وحوش مفترسة منطلقة في غابة واسعة شائكة مظلمة. يستحقون الاختفاء والابتعاد عن مجتمع ليسوا أهلا للعيش فيه؟…
تقول القاعدة المعروفة أن المرء وليد بيئته … أي أن بيئته أو مجتمعه هيأه لما هو فيه، ولما أصبح فيه وعليه… وعند ما نبحث عن المكونات الثلاثة للبيئة نجدها في البيت أولا ثم المدرسة، ثم الشارع… البيت المغربي كان بيتا نموذجيا، وكان يجمع كل الأبناء حول الأب والأم اللذان يضحيان من أجل ضمان تربية صالحة لفلذات الأكباد… تربية تبدأ بتلقين تعاليم الإسلام السمحة الوضاءة بدءا” بإقرأ”… ” والقلم وما يسطرون “… مرورا ” وبالوالدين إحسانا… حملته أمه وهنا على وهن… فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما… وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا”… وانتهاء ب… ” ربنا لا تزغ قلوبنا وهلب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب… “
وفي المدرسة… العلم من المهد إلى اللحد… ” إنما يخشى الله من عباده العلماء “…
وفي الشارع كل الناس إخوة… سواسية كأسنان المشط… متحابين متعاطفين، متضامنين ” ما زال يوصينا بالجار حتى ظننا أنه سيورثه “… وكلمح البصر ضاع كل شيء… فلا البيت عاد بيتا دافئا… ولا المدرسة مربية فاضلة… ولا المسجد قبلة ومنارة “مساجدهم عامرة وهي فارغة من الإيمان ” أما الشارع فأصبح ساحة مفتوحة للمعارك بكل الأسلحة… والجار أصبح عدوا لجاره… وهكذا انقدنا لجحيم الفتنة والسيبة… وعجزت سلطة الردع عن استيعاب كل هذه السيبة… وكما قال الراحل الملك الحسن الثاني تغمده الله برحمته الواسعة ” فلا يمكن أن نجعل مع كل مواطن شرطيا ” فحذار من فتنة آتية بدأت تشرئب بعنقها، وتلقي بظلالها الثقيلة… حذار من يوم بلا غد يأتي على الأخضر واليابس، ولا تنفع معه شفاعة الشافعين ولا أدعية الشيوخ والصبيان الأبرياء…
اقطعوا رأس الأفعى قبل أن تكبر وتلتف… فلقد بدأنا نحس سمها، ونستشعر زعافها يسرى في أوصالنا وعروقنا.
إنها صفحات سوداء… صفحات من زمن السيبة الذي نعيشه….