الدخول المدرسي لسنة 2017، حقائق مريرة بعيد عن الشعاراتية والديماغوجية التي لا تسمن ولا تغني من جوع
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( اشكالية الدخول المدرسي )
الأربعاء 13شتنبر 2017 – 11:32:39
إذا كان من باب تأكيد الواقع أن نشير إلى أن السنوات الأخيرة التي واكبت صياغة ميثاق وطني من أجل إصلاح حال التعليم ببلادنا تميزت باهتمام كبير بجديد كل دخول مدرسي ، نتيجة تطلع عامة المغاربة إلى تغيير يجعل بلادنا في مصاف الدول المتقدمة ، ويبوئها مكانة محترمة في زمن اشتدت فيه المنافسة بين النظم التربوية وخلفياتها التنموية، فإن حجم هذا الإهتمام فتح الأعين على كثير من جوانب الدخول المدرسي، وعرى كل الزوايا التي ظلت معتمة أو محجبة ، لتصبح المدرسة بكل مكوناتها وأنشطتها ، محط نقد وافتحاص ، وتكتسي من ثمة نظرة تتراوح بين السخط والقلق ، أو تبلغ حد الإمتعاض ، وفي أقل حالات الرضا ، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، مما يستوجب طرح السؤال حول أسباب تباين النظر إلى الدخول المدرسي وأسسه ،إذ من شأن كل ذلك أن يفتح الأعين على كثير من المشاكل ،ويساعد على العلاج في حالة مراعاتها وأخذها بعين الإعتبار .
لقد كان الدخول المدرسي ومنذ عقود يجسد لحظة احتفالية محاطة بكل مشاعر الحب والتطلع وسؤال الغد، لأن الأسر فيه باختلاف مستوياتها الإجتماعية، كانت تشعر كلما طوت سنة من السنين، أنها تقترب من التحكم في مستقبل طفلها، لأنها هيأته لكسب رهان مصدر مريح لرزقه ، وأعانته على مسك مفتاح عيشه ، وبوأته المكانة التي حلم بها ، حيث المدرسة دون منازع مجال للرقي الإجتماعي، أما اليوم، وقد عرفت الحياة عدة تعقيدات بفعل وضعية التعليم، وما أصبحت المدرسة تنتجه من أصناف المعطّلين ، نتيجة بعدها عن شروط التنمية المنشودة، فقد أصبحت للدخول المدرسي نكهة أخرى ، أصبح ينظر إليه بنوع من الحيطة والحذر، لأنه نادرا ما يحمل معه جديدا يستجيب لانتظارات الجمهور ، بل كثيرا ما كان مبعث تذمّر وقلق ، وقد يفضي إلى يأس متناسل سرعان ما ينسحب على جوانب كثيرة من الحياة .

وعلى الرغم من كون التعليم قد احتل المرتبة الثانية في الإهتمام الوطني بعد القضية الوطنية ، حسب التصاريح الرسمية المستمدة من التوجيهات الملكية منذ سنين ، فإن حصيلته لم تستطع إرضاء أية جهة مغربية، بل ظلت تقارير تلو أخرى تؤكد تراجع المغرب في هذا المضمار ، لينبري المجلس الأعلى للتعليم بعد تشكيله للبحث عن مكامن الداء وتقديم الوصفة القابلة للإستثمار في العلاج، غير أن النتيجة ظلت مطابقة لما سبق ، واستمرت التعليلات والتبريرات محاولة الجواب عما وصل إليه حال التعليم ببلادنا، دون أن تنتهي لما هو مقنع ومتفق عليه من الجميع ، ليخيل للمرء أحيانا أن المسألة التعليمية حقا تخضع لمنطق ديماغوجي في التفسير والتأويل ، وهو أمر لا يمكن أن يفضي إلا إلى المزيد من تعميق الأزمة ويستبعد أي حل لها.
منذ بداية التناوب السياسي بدا وأن التعليم دخل حقا مرحلة الإصلاح، وبدت تصورات الحكومات جدية في علاجه، لأنها جعلته شأنا عاما ورهنت به تحقيق التنمية، فهل تحقق لها ما أرادت فعلا؟ يبدو أن الأمر خلاف ذلك على المستوى الواقعي، لأن تناقض الإرادات هو ما يعرقل أي إصلاح، ولأن ما عجز الوزراء عن توجه سياسي ذي صلة بمشروع مجتمعي عن تحقيقه، لا يمكن أن يحققه وزير ينطلق من مشروع شخصي تظل ملامحه مهما بلغت تقنية لا تفتأ تضيف مساحيق للجسم الذي علته نتوءات لا حصر لها .
لم يصبح التعليم بعد شأنا عاما يتوقف تنفيذ كل تفاصيله على ضوابط مؤسسية، مبنية على سلطة القانون وقوة التشريعات التي تعتبر كل إخلال به مسّا بالشأن العام، وضربا للإرادة الوطنية. فما تفسير عجز كل وزرائنا عن تحقيق دخول مدرسي حقيقي تبتدئ فيه الدراسة في موعدها الفعلي؟ وما فائدة المقررات الوزارية الصادرة قبل بداية السنة الدراسية إذا لم تحترم مقتضياته؟ وما الذي يعنيه عدم إسناد المهام للخريجين الجدد وتدبير الكثير من المرافق كل سنة بالتكليف أو التطوع؟ أسئلة لا نهاية لها تجد الجواب الحقيقي عنها في تقارير المنظمات الدولية التي تسلط أضواءها يوميا على تعليمنا المغربي ، أما المسؤولون المغاربة فقد اعتادوا على أن يروا الحقيقة بأعين مساعديهم من المرؤوسين الذين لا يخافون الله في ما يصرحون به من أباطيل يعرفون كما يعرف مخاطبوهم عدم صدقها ، ولكنهم يصرون على قولها.
في المغرب ، وأراهن هذه المرة وفقا لما يوجد من معطيات ، أن الدراسة بغض النظر عن منتوجها ،لن تبدأ ولو في فاتح أكتوبر رغم كل الشطحات الإشهارية التي تستهدف الفرجة قبل أي شيء ، ودليلي في ذلك هو وجود مؤسسات بدون مديرين، هو وجود مصالح نيابية شاغرة أو في طريقها، هو وجود خصاص في الأطر ، هو وجود تلاميذ بدون مؤسسات ، هو استمرار الحركة الإنتقالية في الجهات والأقاليم طيلة السنة بدون مبرر، هو عدم الضرب على أيدي العابثين بمصالح البلاد والعباد ، هو وجود مدرسين يقطعون كل يوم ما يناهز 300 كيلومتر ذهابا وأيابا للذهاب إلى مقرات عملهم، مهما تقلبت الفصول، وبغض النظر عن مستوى ووجود وسائل النقل، هو السكن في أقصى المملكة والعمل في أقصاها، هو شهادات طبية يسلمها أطباء لا زبناء لهم سوى بعض العاملين في التعليم، ولا يسألون عن فعلتهم مهما استفحلت، هو مهمة التفتيش التي فقدت بريقها ووزنها، هو المجيء للمسؤولية بغاية الراحة والإمتياز وعلى متن التدليس أحيانا ودون مؤهلات، هو عدم احترام الإلتزامات من طرف المؤسسة قبل احترامها من طرف الفرد…
في المغرب لا تقييم لمقرر الوزير ومستوى تنفيذه ، فالكل يعيش تخبطا في التدبير اليومي، دون سند ثقافي مهني، ودون تقييم لمستوى النجاح في كل تدبير، لذلك لا بداية للموسم الدراسي، ولا احتفال بعيد المدرسة في غياب بعض التلاميذ، وكل تقرير إيجابي في هذا الشأن فهو من باب فرض الكفاية، نضحك به على حالنا المستحق للشفقة، لأن اعتبار التعليم شأنا عاما يستوجب أن يقول كل واحد في موقعه.
هذه وجهة نظر حول الدخول المدرسي ، وهناك وجهات نظر مخالفة ، لكن وجهة واحدة يتفق حولها كل المغاربة وهي أن الدخول المدرسي لا جديد فيه، لماذا وكيف؟، هذا ما يحق لكل مغربي أن يتأمله ويجهر بقول الحق ليصبح التعليم شأنا عاما بحق، بعيدا عن الشعاراتية والديماغوجية التي لا تسمن ولا تغني من جوع .
و من أجل تحقيق مبدأي الإنصاف والمساواة بين أبناء المغاربة، والحق في الخدمات العمومية المجانية، ومنها التمدرس، ومحاربة الهدر المدرسي وتعميم التمدرس والإحتفاظ، يجب أن تعمل الوزارة على رفع المعاناة والصعوبات عن الأسر وأبنائها المتمدرسين، وذلك من خلال التخفيف من تضخم المواد والمقررات، وبالتالي من ثقل المحفظة والمصاريف.
و ضرورة الإهتمام أكثر بالكيفي والنوعي والنافع لمستقبل التلاميذ والبلاد على مستوى المناهج والبرامج والكتب المدرسية، والعمل على أن تتحمل الدولة مسؤولياتها كاملة في التطبيق الفعلي لمجانية التعليم، من خلال إعفاء الأسر من كل الواجبات المدرسية المؤدى عنها، والإسراع في توفير العرض التربوي الملائم والمساير للطلب التربوي المرتفع، خصوصا خدمات الإيواء والإطعام والنقل، وتقريب المؤسسات التعليمية من التلاميذ.. .