الإدارة والمواطن تماطل..توتر..و انتظار
جريدة طنجة – هناء مهدي ( الإدارة والمواطن)
الخميس 03 غشت 2017 – 14:59:52
يتقلَّب محمد ذات اليمين وذات الشمال لعلَ الهواء يحفه، ويذهب عنه العياء،أعصاب متوثرة ، وكلمات ساخطة، ونقمة عارمة.
يقول محمد بامتعاض: “… أنا مضطر للمصادقة على وثائقي ومواطنون ينتظرون عودتي إلى مكتبي لقضاء أغراضهم .. مصالح تضيع بارتباطها بهذا الصرح الإداري الفاسد الذي لا يعير المواطن أدنى اهتمام”.
ينتهي الطابـور بشباك ضيق ينفتح على مصلحة إدارية يعمرها موظفون موكول إليهم خدمة المواطن وتلبية طلباته، ويفرض القانون حسن التعامل والإصغاء والاستجابة للطلبات في حدود الاختصاص الموكول للموظف.
أقر ذلك جلالة الملك في خطابه بتاريخ 14 أكتوبر 2016 أمام مجلسي البرلمان ملحا على ضرورة التحول في الأسلوب الإداري المتبع والذي أبان عن تأخره في مواكبة مضامين الحقوق والحريات الممنوحة للمواطنين والمتضمنة في دستور 2011، داعيا إلى ضرورة تغيير أسلوب التعامل مع المواطنين بالإصغاء إليهم والاستجابة لطلباتهم وتمكينهم من حقوقهم وتقديم الخدمات التي يقرها لهم القانون…
زبــونية وتماطل وارتشاء :
المشهد إياه يتكرر في باقي الدوائر، مواطنون بالعشرات وشبابيك صغيرة، و مـوظفـون لا يستجيبون للطلب، إن كما أو كيفا. إهانات متلاحقة واستهتار وتجاف عن حقوق الناس، وأجواء مكهربة يتخللها دخان سجائر ينفثه الموظف على وجه مواطن يستنشقه مكرها ولا حيلة له إلا الصبر.
في الجـانـب الأيسر من المكتب الإداري بوابة لولوج الموظفين، يعرج إليها بين الفينة والأخرى أصحاب الامتياز، الذين يستوفون الحقوق وتنفذ لهم الطلبات.
مظاهر تترجم حجم الفساد المستشري في دواليب الإدارة العمومية، الزبونية والرشوة والمماطلة… تباين كبير في المعاملة بين المرضي عنهم و المغضوب عليهم، والذين لا حيلة لهم سوى التحمل والانتظار.
يصرخ فكري مواطن مغربي بالديار الفرنسية : ” كرهنا الدخول إلى البلد بسببكم ،نحن في بلد الغرب مواطنون وفي بلدنا نعامل كالبهائم. لن نرشيكم من أجل حقوقنا. كفى إذلالا للمواطن”.
يعم الضجيج المكان بين ساخط وناقم وموظفين لامبالين.. امرأة حامل أعياها الوقوف والانتظار، تركت الطابور وجلست على درج قريب لتستنشق بعض الهواء بعد أن أضناها الازدحام وأجهدها الحر والإنتظار. تقول ساخطة على هذا التلكؤ الإداري: ” جئت باكرا فأنا لا أقوى على الوقوف الطويل ولا أتحمل الحرارة والازدحام. ظللت أنتظر زمنا طويلا”. تأخذ نفسا عميقا ثم تردف قائلة: “آخرون يدخلون من الباب الخلفي وتقضى أغراضهم، وأنا حامل لم يعيروا لحالتي أي اهتمام”.
تكاد تنعدم كراسي الانتظار بالإدارة العمومية ، يتوزع الأعلاء وكبار السن على أدراج تحول بياضها إلى سواد لانعدام النظافة بالمكان.
تردف امرأة عجـوز : ” من أجل الحصول على شهادة الحياة أنا هنا لليوم الثالث، “مرمدوني” من دائرة لدائرة، ومن مكتب لمكتب، أنا امرأة عليلة، وهم قساة لم تأخذهم بي شفقة” بنبرة حزينة تضيف “سينتهي بي المطاف هنا بشهادة وفاة مبررة …”
الضغط الاجتماعي في اتجاه تحسين أداء المؤسسات في التعاطي مع قضايا المواطنين يقابله ضغط مضاد من أجل عدم الاستجابة، مرد ذلك إلى العلاقات الفاسدة والتسلط الإداري وانتفاء المحاسبة.ذ
يصرح أحد المحامين بمدينة طنجة :”ما يمارس على المواطن من انتهاك للحقوق وشطط وارتشاء وجميع مظاهر الفساد يعاقب عليه بصريح القانون. وكل مسؤول يستوجب المساءلة والمحاسبة وكل شطط وخرق للقانون يستتبع العقاب. المشكل في الأمر أن المواطنين اعتادوا أن لا يسائلوا الإدارة”.
الفساد الإداري ظاهرة تحد من فاعلية العمل الإداري، وتحيده عن الأهداف المرجوة المتميزة بخدمة المواطن وتلبية حاجاته بطريقة مشروعة، و عندما يستشري الفساد في الإدارة فإنها تتحول إلى جهاز يلبي الرغبات الشخصية.
يعقب أحد الحقوقيين على ذلك قائلا: “المواطن فقد الثقة في جميع الأجهزة الإدارية بما فيها جهاز العدالة، فالمساطر القضائية تشوبها خروقات سافرة، والجهاز القضائي لا زال ينخره الفساد” باستثناء بعض الإشارات المضيئة..
يظل المشكل الإداري قائما ما لم تتدخل الدولة لتعزيز آفاق تطوير علاقة الإدارة بالمواطن، وإرساء نظام اتصال متطور، من شأنه تسهيل المراقبة، وتجنيب الإدارة لأشكال التسيب والغياب والتنصل من أداء الواجبات المنوطة بها. وتخضع الفعل الإداري للمساءلة الذاتية والخارجية، وتصبغه بالشفافية من خلال إتاحة المعلومات الضرورية للمواطن وضمان حق الإطلاع عليها.
كما أن التعاون والتنسيق الإداري، وتمكين المدراء والإداريين من تكوين وتدريب، ومحاسبة المسؤولين يمكنه أن يخرج الإدارة من المشاكل المتكررة و يحمي المواطنين من هدر حقوقهم..