الشعب بالعرش والعرش بالشعب .. العروة الوثقى
جريدة طنجة – عزيز كنوني ( عيد العرش )
الجمعة 04 غشت 2017 – 11:48:14
ذلك أن الملك الجديد كان عليه أن يواجه تركة ثقيلة من عهد والده تمثلت على الخصوص في التحديات الكبرى التي بقيت مطروحة بعد أن باشر والده مرحلة ما سمي بـ “الانتقال الديمقراطي” حين اقتنع في أواخر عمره أن تفرده بالحكم على الطريقة التقليدية، كاد أن يؤدي بالبلاد إلى “سكتة قلبية” ليدعو إلى ما سمي بـ “التناوب التوافقي” وهي صيغة من صيغ “هذا الأمر قانوني لأنني أنا أردته”، على طريقة ملك فرنسا، لويس الرابع عشر، “الملك الشمس”. ولقد تجاوب مع هذه التجربة خصوم الأمس وعلى رأسهم المناضل الاشتراكي الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، أطال الله بقاءه، الذي سيتولى الحكم ويحقق للمغرب انتقالا سلسا للنظام، بعد أن حقق تصالح القصر والمعارضة “التقليدية” القديمة. وحاول تحقيق المصالحة بين الشعب والدولة.
وقد طبعت بداية عهد جلالة الملك محمد السادس، سياسة ” المصالحة” التي مهدت لعملية “تقويم” العهد السابق في سياق سياسة إصلاحية مبنية على الإرادة المشتركة لتصحيح الوضع وإصلاح أعطاب الدولة وإعادة الثقة بين الدولة والمواطن.
كما اتسمت بداية عهد جلالة الملك محمد السادس بإطلاق أوراش كبرى في إطار منهجية واضحة لتحقيق إصلاحات سياسية وحقوقية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وتنموية كان من شأنها أن مكنت المغرب من تجاوز اضطرابات ما سمي ب “الربيع العربي” بفضل وعي جلالة الملك بمتطلبات المرحلة واقتناعه بضرورة الاستجابة لتطلعات الشعب المغربي إلى مزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وإلى “تغيير” يستوعب التحولات المستجدة على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية.
فكان الدستور الجديد بعد أن أعلن جلالته عن إلغاء دستور 1996 ودعا إلى دستور جديد، بالرغم من أن تحركات الشارع لم تتعرض لهذا الأمر بقدر ما كانت تطالب بالديمقراطية والعدالة ومحاربة الفساد.
الدستور الجديد الذي صادق عليه الشعب في استفتاء عام سنة 2011، والذي اعتبر دستورا متقدما رفع المغرب إلى مصاف الدول الديمقراطية بالعالم، جاء بمضامين جديدة لمفهوم الدولة والسلطة والممارسة الديمقراطية، كما تضمن بنودا جريئة على مستوى الحكم حيث تخلى الملك عن بعض اختصاصاته لرئيس الحكومة، ورسخ دور ومسؤولية الشعب في اختيار الحكومة التي يرتضيها عبر صناديق الاقتراع، في احترام تام لقواعد الانتخابات النزيهة والشفافة، المتعارف عليها عالميا.
وتلت المصادقة على الدستور الجديد، انتخابات تشريعية أوصلت حزبا بخلفية إسلامية إلى الحكم ، “حزب العدالة والتنمية”، المعتدل في مبادئه وتوجهاته، بقيادة عبد الإله بنكيران الذي قاد ائتلافا حزبيا مكن من انتقال هادئ في إطار المسلسل الديمقراطي الذي طبع العهد الجديد.
وهكذا يكون المغرب قد طوى مرحلة هامة من تاريخه السياسي المعاصر بدءا من الانتقال السياسي السلس للحكم، إلى تجاوز مرحلة “الربيع العربي”، إلى انخراط المغرب، بكل طاقاته، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك، في مسيرة الإصلاحات الهيكلية الكبرى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وبيئيا، تلك الاصلاحات التي طبعت “التغيير المرحلي” وحققت ما اتفق عليه وطنيا وعالما بـ “الاستثناء المغربي”، الموسم بالتغيير في إطار المسؤولية والاستقرار.
يضاف إلى التحولات الكبرى التي شهدها مغرب محمد السادس انفتاح جلالته على منظمات حقوق الانسان وإنشاؤه لهيئة الإنصاف والمصالحة في خريف 2003، بهدف فتح سجلات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي طلعت “سنوات الرصاص” على عهد النظام السابق، مع جبر الضرر، رمزيا، الآمر الذي اعتبر إنجازا نموذجيا ومثالا اقتدت به بعض الدول، في تحقيق العدالة الانتقالية.
ومن أهم منجزات جلالة الملك محمد السادس، اهتمامه بالمرأة في المجتمع، وإشراف جلالته على تحقيق مدونة الأسرة من منظور متقدم مبني على التأويل الحق لمقاصد الشريعة ، وأمر جلالته باعتماد لائحة وطنية من أجل تمثيل جيد ومناسب للمرأة في البرلمان والمجالس المنتخبة على المستوى المحلي والجهوي وتحفيز الأحزاب من أجل ضمان مشاركة فعالة للمرأة في الحياة السياسية.
كما عمل جلالة الملك على تطوير نظام الجهوية بإحداث إطار قانوني يرقى بالجهوية في المغرب إلى ما تشهده الأنظمة المماثلة عبر العالم. وبنفس التبصر والحكمة عالج جلالته مسألة النزاع المفتعل في الصحراء المغربية بإطلاق جلالته لمبادرة الحكم الذاتي التي حظيت بقُبــول و إشـادة مُنظّمَـة الأمم المتحدة والعديد من دول العالم الوازنة، باعتبارها مبادرة واقعية قابلة للتنفيذ وقادرة على تمكين سكان الصحراء المغربية من تدبير شؤونهم المحلية في إطار الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
وقد شَهِدَ العـالـمُ بوجـاهـة اختيارات ملك المغرب على المستوى الاقتصادي حيث إن اقتصاد المغرب شهد على عهد جلالته تحسُنـًا كبيــرًا واتّسم بالقُــوّة و المَنــاعـة في إطار رؤية استراتيجية واضحة اتسمت بتحقيق مشاريع بنيوية وهيكلية كبرى، يندرج في إطارها إنشاء ميناء طنجة المتوسط الذي يعتبر من أكبر موانئ ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وإطلاق مشروع ميناء المتوسط الشرقي بالناظور ومشروع مدينة محمد السادس التكنولوجية بطنجة، ومشاريع تنموية كبيرة لفائدة مختلف أقاليم و جهات المغرب. كما شهد العالم بقدرة جلالته على مد جسور التفاهم والتعاون بين المغرب ومجموع دول العالم، وخاصة الدول الإفريقية التي عالج بذكاء وحكمة مسالة عودة بلاده السلسة إلى عائلته الإفريقية الكبرى، بدعم من أغلبية أعضاء المنظمة، وانخراط المغرب في شراكات مع مختلف جهات القارة الإفريقية من أجل تحقيق عدد من المشاريع التنموية الكبرى في إطار التعاون جنوبـ ـ جنوب.
وهكذا تحل الذكرى الثامنة عشرة لجلوس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، على العرش العلوي المجيد ، والمغرب يشهد تحولات هامة في شتى مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويزخر بإنجازات كبرى انتقل بها إلى مصاف الدول الصاعدة وعزز بها مكانته العالمية كدولة متطورة، قوية، ومصممة على اللحاق بالدول المتقدمة...