والعاقبة للمتّقين…
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( فلسطين وبيت المقدس قضية المسلمين ؟!! )
الجمعة 04 غشت 2017 – 19:25:19
• ألسْنــا الأمّة التي طارَ عقلها، وتبلّد فهمها، وغَـرقت في قَذارة الخــلاف والشّقـاق .
• أين نُخبئ الشّمس الحارقة وهي تصلي الأرض المهتزّة نــاراً وشُواظاً؟…..
تذكّرت انتفاضات المجتمعلت المخملية، والصّالونات الرّاقية، وأقداح الراح تدور على الجميع فتبلد العقول… ولا يبقى من عنترية العرب سوى أشعار مهجورة كالخرب المثقوبة… وأسطوانات تدور في الفراغ وسباقات الهجن، والسيوف اللوامع التي لا تجد عدواً بعد عصور الكرّ والفرّ، والدّاحس والغبراء… ونردد نحن فطاحل آخر الزمن.
نحن عرب الهزيمة والخذلان والخزي… نردد مع الشّاعر الباكي المتحسّر :
ضحكنا وكان الضّحـك منّـا سَفـاهـة *** وحقّ لسكّـان البسيطة أن يبكو
تحطّمنــــا الأيــــام حتّـــى كـــأنّنـــــــــا *** زجـــاج، لكـــن لا يعــاد له سبك
و نُــردّد مع الآخـر مقـولته الشّهيــرة : ” يا أمّة ضَحكت من جَهلها الأمَمُ “
فكلّها، وقد قيلت قديماً تنطبق على الأمّة التي ملأت الآفاق صخباً وضجيجاً حالياً حيث استبدلنا أحفاد خيبر الذين عاثوا في الأرض فساداً… ووغلوا في دمنا وأعراضنا بأخوة وأشقاء وشركاء الملة والدين… فعصفت بنا رياح التّفرقة، وطوحتنا أشتاتاً منكرة ومجهولة النّسب… توارت علينا الأجيال، والأحقاب، والنحل والملل… ونحن كما نحن بحار متلاطمة تنحسر عن زبد يذوب وتتلاشى أمة ملأت الأرض ثغاءً وخوراً ثمّ عويلا ونباحاً. وكأنّها تحرس قطيعاً قصياً… والذّئب إنّما يأكل من الغنم القاصية… فرصته في تفرقها وتشتّتها، فلو اجتمعت لما استـطاع إليها سبيلاً… وكذلك يفعل معنا الاستعمار الجديد، وكذلك تلتهمنا القوى العظمى، وتفرض علينا الجزية عن يد ونحن صاغرون…فمن أراد حماية الكبار عليه أن يؤدي تعويض الحماية غاليا… لقد وعد ترامب شعبه بتعويضات مجزية وكنوز يجنيها من خزائن دول البترول. ولم يخلف وعده… فجنى ما جناه… والتّهم ما أشبع نهمه وهو رجل المال الذي يعرف من أين تؤكل الكتف… وخلط الأوراق في الخليج المتّحد في دول مجلس التّعاون الخليجي… وعكّر ما كان صافياً نقياً، حقباً، وأزمنة، فأصبح السّلسبيل عكراً آسناً، وأصبحت السبل مغلقة برّاً وبحراً وجواً… والطرق مسدودة غير سالكة… وأصبح الأخوة في الله والتاريخ والجغرافيا والمصير المشترك، ورقصات العرضة، والعبايات، أعداء ألدّاء يحفرون الخنادق، ويتعبّؤون لما هو أنكى وأخطر…
ألسنا غنيمة سهلة في سهل الخديعة والمكر ؟…
ألسنا الأمة التي طار عقلها، وتبلد فهمها، وغرقت في قذارة الخلاف والشّقاق… وجاءتنا من الغرب غرابيب سود تروم الإصلاح وهي التي زرعت الفتنة في مشرق العرب وتروم نفس الشّيء في مغربه… وفي مخطط عصابات الهاخانا منذ بن غريون وهرتزل… ومنذ محاولات لمّ جماعات التّيه… وشعب الحقد التّائه أربعين سنة… ومنذ مؤامرات شحن المهاجرين من شرق الأرض وغربها وإفراغ الملاحات في الدول العربية من ساكنيها لإعمار أرض” الميعاد “… منذ ذلك الزمن الغابر… كان المخطّط وعلى المدى الطويل أن يفتّت العالم العربي، وأن يقسم إلى دويلات وإمارات وطوائف يهدّد بعضهم البعض…
وعكفت الأدمغة على العمل بجد ومثابرة ونفس طويل لبناء أرضية صلبة لإقامة دولة قوية تبتلع جيرانها بعد وعد بلفور المشؤوم، ودعم الغرب اللاّ محدود وعلى المدى القصير أن تستوعب الأرض المغتصبة كل مشرديها التّائهين في الأرض وأن يكثر النّسل ليغطّي على النّسل العربي ويفوقه عدداً و عدة… فاغتصبت المزيد من الأرض… واجتثت أشجار الزّيتون والثّمار وبلغت خطّة الأرض المحروقة أقصى غاياتها… وأصبحنا في زماننا اليوم وقد اشتعلت النّار في أرض الشّام وبلاد الرّافدين. دجلة والفرات وانتشر السّلاح حتّى أصبح كالدّمى والعرائس في يد الأطفال…
وتعدّدت الطّوائف والشّعارات والرّايات… وبدأ الشّر يزحف كطنين النّحل إلى المجتمعات الآمنة ليوقظ فيها الفتنة، ويحيي نعرة الطّائفية المقيتة، وتظهر أعلام وأطماع… وكما هي الجريمة « ابحث فيها عن المستفيد تصل إلى المجرم » وفي الفتن « ابحث عن المستفيد تجد اسرائيل » فهي المستفيدة من أشلاء وخراب سوريا دون أن تطلق رصاصة واحدة إلاّ لتقول : ها أنذا…
وأشاعت التّفرقة والدّمار في العراق التي كانت تنطلق منها صواريخ سكود لترغم المستوطنين اليهود على الفرار إلى الملاجئ كالفئران المذعورة فراحت واستراحت… وفي اليمن حيث الرّجال الأشدّاء… وفي ليبيا… فهي المستفيد الوحيد من إضعاف هذه البلاد مجتمعة. أمّا الأخرى فأمريكا في الخدمة لتطويعها ترغيباً أو ترهيباً.
وتأتينا الأخبار عن اتّصالات سرّية بين اسرائيل وأطراف عربية هناك… وقد تصبح مع الأيّام اتّصالات علنية تباركها الدّول الكبرى، ويسيل على جوانبها السّائل الأسود والأصفر الرّنّان وتراق وتجرع كؤوس الأنخاب تتويجاً للصّداقة الدّائمة الرّاسخة. ففي أيّ خانة سيتموضع الفلسطنيون الأباة… أبناء غزّة والقدس الشّريفة وهم يرون لحمهم يؤكل نيئاً؟…
وأين تذهب كتائب الشّرف التي تقف شوكة في حلق الصلف الإسرائيلي والتّغول الصّهيوني إذا استكان العرب إيّاهم للمهادنة والصّداقة الزّائفة، واستسلموا للحب الحرام؟…
أين نخبّئ الشّمس الحارقة وهي تصلي الأرض المهتزّة ناراً وشواظاً؟… وأين نخفي شواهد قبور الشّهداء والأرامل والثّكالى والصّبيان الذين لم يبلغوا الحلم فجاءت مجزرات الهمج لتسحقهم داخل بيوتهم أو لتنسفهم نسفاً؟…
أين نذهب بدافن المسجد الأقصى الذين بارك اللّه ما حوله ؟… هل ينسى الزّعماء وأصحاب الرّأي والكروش المكتنزة كل هذا التّاريخ المجلّل بالعار، ويغوصوا في وحل علاقات أثيمة متناسين سنتي 1948 و 1967 وما قبلهما وما بينهما… وقصص الأنبياء والمرسلين وخيبر، وبني قريظة… وزد على ذلك ممّا فاض على التّاريخ وفضل… نحن الآن نشهد ملامح تاريخ يولد من رحم المأساة…
نشهد سقوطاًِ عربياًً أشبه بالزّلزال… فلا أخلاق ولا قيم ولا دين… سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الأمم والزّعامات… نحن في متحف الشّمع نذوب كما تذوب فقاعات الصّابون… تاريخنا أصبح زمناً عبوساً قمطريراً…
فرحنا كالحزن… وضحكنا كالبكاء… وميلادنا خرافة… وموتنا نهاية كل شر… والعاقبة للمتّقين. ..