الفراشة في كاساباراطا.. احتلال للأرصفة للشوارع..والأحياء
جريدة طنجة – هناء مهدي ( تحقيق )
الجمعة 25 غشت 2017 – 13:01:29
•أينَمـا حللت في حي كاصاباراطا تجدهم أمامك، على الشوارع الرئيسة والأرصفة، بين الممرات والأزقة، على أبواب المدارس والمساجد. يفترشون الأرض ويوزعون السلع ويتنافسون بترديد عبارات مثيرة.. إشهارا لسلعهم الجيدة، وعرضا لأثمنتهم المغرية.. يظلون هناك كل يوم.. في نفس المكان..
إنهم الفراشة.. الباعة المتجولون..
ريكلام ريكلام…
10 دراهم..باطال باطال…
لي بغا يكسي لوليدات…
لي بغا يتبرع…..
يتسابق الفراشة على احتلال الشارع العمومي المعد لمرور السيارات والأرصفة المخصصة للمارة، ينشرون سلعهم على الأرض. و يتزاحم المشترون الذين لبوا النداء على السلع المعروضة، آخذين وقتهم في الأخذ والرد، بينما يتماشى المارة على الطريق براحة وطمـأنينة، وكل غير آبه للسيارات العالقة وسط الطريق.
شارع واسع وطريق مكتظ وممر معدم بسبب الازدحام، تتوقف السيارات اضطرارا. طابور طويل، وأصوات المنبه تزعج المسامع وتخلق صوتا نشازا يعلوعلى صوت الضجيج الذي يملأ المكان، وتتعالى موسيقى أغان شعبية صاخبة تردد هنا وهناك بعشوائية.
تتوقف السيارة السوداء كل لحظة متحينة سبيلا للمرور، ومرة أخرى لتفسح المجال للسيارة المقابلة العالقة هي الأخرى في طريق احتله غصبا باعة متجولون. يفتح صاحبها زجاج نافدة سيارته ويصرخ في وجه أحد الباعة المحتل للطريق قائلا: ” كيف لي أن أمر وأنتم تملؤون الأرض سلعا أتريدونني أن أكسر أوانيكم وأدوس أثوابكم، ألا تستحون. هذه طريق سيارات وليست سوقا ولا طريق مارة”.
تبدأ عمليات البيع والشراء منذ الصباح إلى الليل، حيث يظل الشارع مكتظا بالزبناء والمارة. ولا يهدأ إلا بعد العشاء.
بينما يظل الطريق محتلا ليل نهار، فقد تحول الباعة المتجولون إلى باعة قارين، تبقى أمتعتهم هناك يحرسها ليلا حارس موكول له من الفراشة بالحراسة. يعلق سعيد، أحد سكان حي كاساباراطا على ذلك قائلا: “تحولت الشوارع في كاساباراطا إلى مراكز تجارية بلا سند قانوني، فقد تم احتلال شوارعه وفضاءاته جميعها، السكان يعانون من مخلفات التجار ومن الضجيج الذي يملأ المكان ليل نهار”.
يحاصر الباعة مسجد السعودي ومدرسة الجولان ومدرسة رابعة العدوية، ويعاني التلاميذ والمعلمون من الحصار ومن أصوات التجار المرتفعة، أصوات تنبعث من جميع النوافد المغلقة بإصرار. تعلو على صوت الأستاذ أثناء حصة الدرس. يشرح أحد المعلمين الوضع قائلا :” يصعب علي التدريس في ظل هذه الأجواء، تلتقط المسامع كلام الشوارع، ويشتت الضجيج انتباه الأطفال، وإذا وقع حادث بالمدرسة فلاسبيل لمرور سيارة الإسعاف “.
تعاني المقاطعة رقم 15 بدورها من المشكل إياه، و تظل السلطات عاجزة عن رفع هذا الحصار رغم محاولاتها المتكررة واستخدامها للقوة العمومية. يصرح مسؤول إداري:
“السلطة المحلية لم تأل جهدا لاجتثات هؤلاء الفراشة الذين استوطنوا المكان غصبا، ضاربين بعرض الحائط المصالح الاجتماعية والمدارس والسيارات. سخرت القوة العمومية لتطهير المكان، ولكنها فشلت بسبب إصرارهم واحتجاجاتهم المتكررة”.
الباعة المحتلون للطريق لا يجدون حرجا في احتلال حي بأكمله، شوارعه وممراته وساحة مسجده، يشتكون بدورهم من الحيف الذي يطالهم، ومن تعسف السلطات التي مافتئت تهدر حقوقهم في الاسترزاق والعيش الكريم. متنكرين لحقوق الساكنة في الهدوء والنظافة وحق المرور. يقول أحد الباعة باستنكار شديد: ” لماذا يتكالبون علينا ونحن لا نبغي إلا رزقا نظيفا، ماذا يريدون منا؟ أن نعترض الناس في الطرقات ونسرق جيوبهم، أن نمد أيادينا إستجداء لمنهم؟ أنا عاطل عن العمل، ومضطر لإعالة عائلتي الفقيرة التي تظل تنتظر حضوري كل مساء من أجل لقمة عيش كريمة”.
بينما يحكي أحد المتتبعين للقضية أن سماسرة يقنعون الباعة بحقهم في احتلال الطريق ويعدونهم بتسوية الوضع آخذين منهم تعويضا كمقابل لوساطة مزعومة بينهم وبين الولاية. والأخيرة لا علم لها بهذا التنسيق. يقول سمحمد: “هم مجرد عاطلين عن العمل يلعبون في الماء العكر وهؤلاء الباعة على سداجتهم وجهلهم يصدقون”.
أصحاب المحلات التجارية هم المتضرر الأكبر من الفراشة والباعة المتجولون، فما يقدمه هؤلاء للزبون من ميزات مغرية يرجح كفتهم تجاريا، فقربهم من المستهلك يجعل عروضهم أكثر إغراء واستجابة لرغبات الزبون، سواء من ناحية السلع المتوفرة أوالأثمان المناسبة …، ويظل مالكو المحلات التجارية يعانون من المصاريف الثقيلة (ضرائب، ثمن الكهرباء، و ثمن الكراء…) ومن قلة الرواج التجاري ونذرة الزبناء أيضا.
يعلق على ذلك أحد تجاركاساباراطا :”نعاني من منافسة غير مشروعة بسبب هؤلاء التجار الذين احتلوا السوق غصبا، ولاسبيل لردعهم مادامت السلطة فشلت في ذلك مرات عديدة، المشكل أننا مجبرون على أداء الضرائب وهم معفيون. علما بأنهم أوفر حظا منا وأكثر ربحا”.
تأسست مجموعة من الرابطات للدفاع عن حقوق تجار كاساباراطا، كرابطة تجار التجارة المختلفة، و رابطة تجار الأثاث المستعملة والمتلاشيات…عن ذلك يتساءل أحد سكان حي كاصاباراطا قائلا: “كيف يرخص بتأسيس رابطة لا تستجيب شكلا ولا مضمونا لروح القانون، وأقصد بالتحديد من تبث في حقهم واقعة الترامي على ملك الغير”.
…يظل الأمل معقودا عند ساكنة طنجة على مخطط إعادة الهيكلة في إطار مشروع طنجة الكبرى، بتقنين سوق كاساباراطا وتزويده بأجنحة متخصصة، وتخليص الشوارع والأرصفة من الباعة المتجولين والفراشة ، وحسب أحد المتتبعين فإن تنسيقا بدأ بين ولاية جهة طنجة تطوان وروابط التجار من جهة ، والتجار أنفسهم من جهة أخرى منذ أزيد من سنة من أجل التسريع بمشروع إعادة الهيكلة والاستجابة للمعايير المعمول بها لخلق سوق كبير يستجيب لكافة التطلعات.