محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( اراء )
الجمعة 18 غشت 2017 – 16:27:26
قبل أزيد من نصف سنة، شهدت إحدى حواضر الريف الأوسط شمالي المغرب، حادثة اكتست مدلولا دراميا عميقا، فقد قُتل شاب يافع بسبب احتجاجه على مصادرة السلطة بضاعةً تعود له و محاولة إتلافها.
“مقتل” الشاب محسن، أو استشهاده دون المساس بماله، كان حادثا نتجت عنه وقائع اجتماعية طابعها الأبرز و الموحد هو الاحتجاج ضد وضْعٍ و نِظامٍ قائميْن لم يَعُودا يروقان المجتمع، لكن الاحتجاج، باعتباره “سلوكا جماعيا” يمارسه الإنسان منذ الأزل، حينما يأتي دون سابق تخطيطٍ مُتحكّمٍ في معالمه، فإنه يفرز، بالضرورة، وجهات نظر و آراء متباينة إزاء السؤال المنطقي المتعلق بمسار و مآل هذا الفعل الاجتماعي المسمى احتجاجاً، هل يُؤخذ برأي يصفه أصحابه بالمعقول ، و يضع لنفسه تحقيقَ المطالب الاجتماعية سقفا معقولا؟ أم يُؤخذُ برأي مخالف لا يرى ضرورة في وضع سقف، من أية طبيعة كانت، أمام حركة الاحتجاج، بل و رفع مطالب أكثر تَسيُّساً، مطالب تتراوح جِدِّيتُها بين تحقيق الحكم الذاتي للريف المغربي و بلوغ درجة “الاستقلال” الفعلي عن مركز القرار بالمغرب.
هكذا إذن، ظهرت في الساحة الريفية، بعد الحراك الاحتجاجي، مقاربات “تحليلية” متفاوتة، يتأثر فيها أصحابها بمواقعهم السِّنِّيَّة، الحقوقية، الاجتماعية و أيضا الطبقية، و لو بصورة أقل وضوحا.
تَفاوُتُ هذه المُقاربات، من حيث درجة نُضجِها و قابليتها للإنْجاز على أرض الواقع، ساهم، بصورة طبيعية، في بروز اختلافات حادة بين هذه “النخب” الطامحة لاستثمار الحراك و توجيهه لخدمة أهدافها المتنوعة، تلك الأهداف التي تأسس جميعها على “نظرية الصراع العمودي”، أي الصراع ضد الحُكم و السلطة القائمة. لكن الأمور ستتغير بشكل لافت في اللحظة التي “حَوَّلَ” فيها الصراع وجهته الرئيسية من العمودية إلى الأفقية، و انفلتت بذلك تناقضات “النُّخب” الثانوية من عِقالها، لتكرس الطابع الانقسامي الذي تحدث عنه ” هارت” منذ أمد بعيد.
أخبرني” السي عبد الكريم”، و أنا أحاوره في قضايا التاريخ الريفي، أن “الكومانداتي آلبا” استدعى، قبيل معاهدات إيكس ليبان، قُياد القبائل الريفية لمقر إقامته بتطوان، عاصمة ما كان يسمى “منطقة خليفية”، مُقْترحا إمكانية إقامة دولة مستقلة بالشمال الريفي، و كانت المفاجأة أن “قادة القبائل” رفضوا المشروع، استنادا لتحليل يُنكر وجود مقومات تسمح بقيام دولة مستقلة في طليعتها غياب الموارد و الثروات الكفيلة بضمان قيامها ، لكن القائد الاسباني عدَّدَ، أمام القياد الريفيين، ما اعتبره ثروات حقيقية للريف و في طليعتها الموارد البحرية و فواكه التين و اللوز، و بينها أيضا نباتات مثل “ثيغزضنت” و ” آري”.
كان الراحل “السي عبد الكريم “، و هو أول ريفي حصل على شهادة “البروفي” من المعهد الديني بالشاون عام 40 ، رجل فقه و تاريخ و سياسة، وفضلا عن ذلك، كان أول من أقر التعددية السياسية في بيته، فتوجهاته “الاستقلالية”، نِسْبة لحزب الاستقلال، لم تمنعه من الاعتراف لزوجته بالحق في اعتناق التوجه الشوري، فقد انتمت السيدة، برواية زوجها، لحزب مناهض لــ”الاستقلال”،اسمه “حزب الشورى و الاستقلال”.
هل نحن في حاجة إلى “استقلال” أم “شورى” يليها “استقلال” ؟
ذاك هو السؤال المرجعي …