قوارب الموت: من ينقذ الشباب المغربي من براثين اليأس والبطالة والتطرف
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( قوارب الموت)
الخميس 24 غشت 2017 – 17:59:48
قوارب الموت التي يرى فيها الكثير من هؤلاء بصيصَ أمل للإنتقال إلى الضفة الأخرى من المتوسّط حيث الجنة الموعودة كما يصفها العديد منهم، ورغم اختلاف الطبقات الإجتماعية وتباينها وكذلك المستوى التعليمي والثقافي للمُقدمين على ركوب الأمواج في قوارب مخصصة في معظمها لصيد الأسماك وليس للسفر إلى مسافات بعيدة، ورغم الأخطار والمصاعب والمطبّات، تبقى أوروبا ودول الساحل الجنوبي لها كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا محجّهم وغايتهم التي يدفعون أرواحهم في سبيل الوصول إلى ضفتها.
المهاجرون غير الشرعيين في قوارب الموت السوداء، لا يلقون بالاً للدين الإسلامي الذي يجعل المخاطرة بالنفس والمغامرة بها من الكبائر، إذ يقول تعالى “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”، بل يرَوْن في هذا النوع من الزجر والتحريم شيئا ثانويا، لأن اليأس يكون قد بلغ منهم مبلغه، ولا يرون سبيلا للفكاك سوى الهجرة غير الشرعية، لأن الهجرة الشرعية تتطلّب الكثير من الإجراءات القانونية والمعاملات الإدارية المعقّدة، وتحتاج إلى الكثير من الأموال التي لا يمتلكها أغلب من يُقدِم على هكذا عمل غير محسوب العواقب والتبعات.
ويُرجع الكثير من المُحلّلين النفسيين وعلماء السيكولوجيا والإقتصاد دواعي هذه الظاهرة الخطيرة إلى مجموعة من الأسباب، أهمها الفقر والبطالة والرغبة في تحسين المستوى المعيشي للشَّباب، بالإضافة إلى الرغبة في المغامرة والإنطلاق في الحياة والهروب من الحياة الإجتماعية القاسية والملل والرّوتين، وبعضهم يلجأ إلى الهجرة غير الشرعية للهروب من المُتابعات القضائية، ومحاولة لتقليد أحد معارفه الذين وفّقوا في بلوغ وجهته التي حدّدها سلفاً، والرغبة في الحصول على الإقامة الدائمة في أحد بلدان أوروبا والزواج بأوروبية التي يراها بعض الشباب الحور العين المنتظرات هناك.
وبحسب أساتذة الأنثروبولوجيا و الجريمة، فإنَّ الحرمان وعدم التوزيع العادل للثروة يلعبان دورا هاما ومحوريا في تكوين هذه الظاهرة وبناء معالمها، لذلك على الدولة بمختلف هياكلها وشرائحها ومؤسّساتها القانونية والدستورية أن تعمل على خلق فُرَص للعمل والتوزيع العادل للثروة وإعادة هيكلة الشباب اليائس البائس الذي فشل في مسارات الدِراسة أو العمل، والعمل على التوعية والتحسيس بمخاطر الهجرة غير الشرعية وإشراك الديوان المركزي لمكافحة الهجرة السرّية في هذه العملية، وإقامة مؤتمرات وندوات جهوية وولائية ووطنية وخاصة في المدن الساحلية التي تُعتبر بوابة زيوس التي تؤدّي إلى الهلاك في هذه الحالات، وتقع مسؤولية كبرى على الأهل في مراقبة أبنائهم وتوعيتهم والعمل على تنبيههم لخطر هذه الظاهرة وانعكاساتها السلبية فرديا وأسريا ومجتمعيا. لأن الأسرة هي مربط الفرس وركابه، والمسؤولة عن مكافحة هذه الظاهرة، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني المختلفة.
بشهر يونيو المنصرم،حمّلت جمعية “قوارب الحياة” التي تعنى بالمهاجرين، دول الإتحاد الأوروبي والدولة المغربية، تبعات المأساة الإنسانية التي وقعت في نفس الشهرفي عرض البحر الأبيض المتوسط، وذهب ضحيتها المئات من المهاجرين واللاجئين من مختلف الجنسيات، إثر غرق مركبهم، والذي كان على متنه عشرات المغاربة، ينحدر معظمهم من مدن بني ملال وقلعة السراغنة والفقيه بنصالح والنواحي.
وقالت جمعية “قوارب الحياة”‘ للثقافة والتنمية بشمال المغرب، إنها “تتابع بإهتمام وأسف بالغين،المأساة الإنسانية التي وقعت بعرض البحر الأبيض المتوسط، ،وذهب ضحيتها شباب مغاربة،لقوا حتفهم أثناء محاولتهم العبور إلى إيطاليا إنطلاقا من السواحل الليبية .
وأضافت ذات الجمعية،إن المسؤولية الأخلاقية الكاملة،تقع على عاتق الإتحاد الأوروبي “كنتيجة لسياسته المعادية للإنسانية، وكان آخرها إبرام إتفاقية 18 مارس2016 مع تركيا، القاضية بإغلاق الحدود في وجه لاجئي الحروب، ضدا على اتفاقية جنيف”.
وطالبت في السلطات المغربية، تحمل مسؤولياتها الكاملة، في مساعدة عائلات المفقودين. مٌحذرة إياها من التكتم على المعطيات والمعلومات المتوفرة لديها، بخصوص العدد الحقيقي للمفقودين ومصيرهم.
وحثت كذلك،المصالح الخارجية التدخل العاجل قصد تحديد عدد الضحايا و تسهيل نقل الجثامين، وتسليمها إلى أهلها.ودعت جمعية قوارب الحياة الدولة المغربية إلى “وقف جميع أشكل الحصار، والتضييق الممارس ضد عائلات المفقودين ضحايا سياسة الفقر والتهميش بمدينة بني ملال ونواحيها”، مطالبة الحكومة المغربية بتبني سياسة وطنية في مجال الشغل، لإنقاذ الشباب المغربي من براثين اليأس والبطالة والتطرف، وركوب قوارب الموت.
وأعلنت ذات الجمعية، تضامنها اللامشروط مع عائلات ضحايا الهجرة السرية،وإستعدادها للنضال إلى جانبهم حتى معرفة مصير جميع المفقودين.و قامت بتنظيم قافلة تضامنية لمؤازرة عائلات المفقودين بإقليم بني ملال، “لكشف خيوط وملابسات المآسي الإنسانية الناتجة عن ظاهرة عودة خطر شبكات الموت بالمغرب”.
وحسب معطيات رسمية للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 880 مهاجرا ولاجئا على الأقل،لقوا حتفهم أثناء محاولة عبور البحر المتوسط في ظرف ستة أشهر، وسط صمت رهيب لوسائل الإعلام الوطنية والدولية، في تسليط الضوء على عودة ظاهرة الموت بحدة هذه السنة.
وإعتبرت جمعيات تهتم بقضايا الهجرة، سنة 2016،بأنها السنة الأكثر دموية على الإطلاق، بعدما قتل ما يزيد عن 2510 أشخاص، في حوادث تحطم وانقلاب قوارب الهجرة السرية قبالة السواحل الإيطالية.
وإعتبرت العديد من الجمعيات الحقوقية، أن “صمت المغرب ،وغض الطرف عن شبكات التهجير السري، ومافيات الإتجار في البشر، التي تنشط بعرض سواحل المحيط الأطلسي، والبحر الأبيض المتوسط بحرية تامة، أصبح خطرا على الإنسانية، واستقرار المنطقة”.
وترجع الجمعيات ،سبب توالي أخبار المآسي،التي يتضرر منها شباب المغرب، وارتفاع أعدادهم مابين قتيل ومفقود،إلى” ضيق الأفق كنتيجة طبيعية لسياسة الإقصاء والتهميش، والغياب التام للدولة في هذه المحنة، وغياب أي معطيات عن المفقودين من الشباب المغربي” على حد تعبير نشطاء الجمعيات .
لن يمر أسبوع في المغرب من دون أن نسمع عن شباب غرقى ضحايا البحر,وهؤلاء الضحايا ليسوا سوى شباب الهجرة السرية,هذه الظاهرة ليست بالغريبة عن المغاربة فهي أصبحت متنفسا للشباب الراغب في تحقيق أحلامه التي من المستحيل تحقيقها في المغرب أو أجمل بلد في العالم كما يحلو للبعض أن يسميه. بل يجد معظم الشباب الهجرة عبر القوارب الحل السهل والسريع للوصول إلى ضفة الفردوس الأروبي, فغالبا ما يتخد الشباب الشواطئ الشمالية للمملكة ,بداية إنطلاقهم نحو أروبا, إضافة لمافيا الهجرة السرية التي تتخد من تلك الشواطئ مراكز لها, حيث تستقبل فيها المغاربة وكافة المهاجرين الأفارقة الراغبين في الوصول إلى الفردوس الأروبي.
وفي كل الحالات تجد معظم الشباب يبحثون بشتى الوسائل وكل الطرق في كيفية الحصول على ثمن تذكرة العبور عبر قوارب الموت, فمنهم من يلجأ إلى بيع كافة ما يملك سواء أشياءه الشخصية أو لوازم أفراد أسرته رغبة منه في جمع مبلغ تأشيرة السفر نحو القارة العجوز.
وهناك صنف أخر يعمد إلى السرقة أو الإقتراض من الأهل أو الأصدقاء أو أحد معارفه, كل ذلك طمعا في ركوب الأمواج عن طريق قوارب الإنتحار أو الموت وفي غالب الأحيان يصل من هم أوفر حظا إلى شاطئ النجاة ومنهم من يلقي حتفه في البحر ويكون مصيره داخل بطن القرش الذي لا يعرف الرحمة.
أما في ما يتعلق بكارثة جد معقدة وهي أن جل هؤلاء الشباب والمغاربة على الخصوص يقعون ضحية سهلة في أيدي سماسرة و تجار الهجرة السرية ,الذين بدورهم يتخدون هذه من الشباب فرائس لهم , وبمجرد ما يسلمهم الزبون أو الضحية المبلغ الذي يقترحونه عليه, تبدأ المعاناة الحقيقية وهي إختفاء السمسار عن الأنظار بعد أن يكون قد ضرب لهم موعدا للعودة من أجلهم.
وهناك بعض الحالات التي بمجرد ما يصل هؤلاء إلى سواحل أروبا تفاجئهم شرطة السواحل الإسبانية وتلقي القبض عليهم ويتم إعادتهم من جديد إلى المغرب قبل أن تطأ أقدامهم ولو لساعة واحدة شواطئ الفردوس الأروبي وتذهب أحلامهم سدى.
ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن الدولة المغربية فشلت نوعا ما, في مكافحة الهجرة السرية, وأثبثث كافة التجارب التي نهجتها عدم نجاحها,لذلك يجب على الحكومة المغربية أن توفر لهؤلاء الشباب مناصب شغل، فلا يعقل أن يبقى الحال هكذا للأبد, من واجب الدولة المغربية أن تحفظ كرامة هؤلاء الشباب من أيادي سماسرة مافيات الهجرة السرية,عبر مكافحتهم وتقديمهم للعدالة والزج بهم في السجن.
وأخيرا من الضروري لمحاربة الهجرة السرية توفير فرص الشغل وتشجيع الإستثمار والمستثمرين,فالمغرب ولله الحمد غني بالموارد الطبيعية المهمة والثرواث الفلاحية لهذا ما ينقصنا هو كيف نستغل هذه الموارد وتطبيقيها على أرض الواقع.
وكل عبور وأنتم يا شبابنا بألف خير. ..