المثليون في المغرب، معاناة مع المجتمع، خرق لمواثيق حقوق الإنسان الدولية و تصادم مع الذات البشرية
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (المثليون )
الخميس 17 غشت 2017 – 17:35:40
•بعد شهرين تقريبا من تأكيد مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، خلال تواجده بجنيف في إطار الإستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان، أن المغرب “متمسك برفض كل الممارسات التي تمس بالنظام العام الأخلاقي من قبيل الحرية الجنسية خارج مؤسسة الزواج، والمثلية”، جاء الرد سريعا من قبل “الرابطة الدولية للمثليين والسحاقيات وثنائي الجنس والمتحولين جنسيا”، التي صنفت في تقرير لها، قدم بمناسبة اليوم العالمي للـ”جاموفوبيا أو فوبيا الزواج”، المغرب ضمن الـ72 دولة في العالم التي تعتبر المثلية جريمة يتوجب المعاقبة عليها…
التقرير كشف أن الضغط والتضييق ازدادا على الأقليات الجنسية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط سنة 2016 بسبب التغيرات السياسات التي تعرفها المنطقة وتصاعد نفوذ الحركات الإسلامية،هذا بدا جليّا في المغرب وتونس وتركيا والجزائر وليبيا”، غير أن هذا الضغط في المغرب لم يصل إلى حد الوضع “الخطير” الذي يعيشه المثليون في إيران والسعودية، حسب التقرير.
وعلى الرغم من إشارة هذا التقرير الدولي إلى أن المغرب يعاقب المثليين بـ14 سنة سجنا، فإنه لم يثبت في السنوات الأخيرة الحكم على أي مثلي بالمملكة المغربية بـ14 عاما سجنا، إلا أنه تم تسجيل اعتقال ومتابعة بعض المثليين الذين تم الإعتداء عليهم السنة الماضية بينما بقي المعتدين أحرارا.
في المقابل، كشف التقريرعلى أن وضع المثليين في المغرب يعتبر أحسن مقارنة مع وضعهم في دول مثل السعودية وموريتانيا والسودان وأفغانستان التي يتم فيها إعدامهم.
و مع أنه لا يزال موضوع المثلية الجنسية في المغرب واحدا من التابوهات، ولا يزال المثليون يعانون من نظرة المجتمع الدونية لهم ومن الإحساس بالذنب والنقص. كما أنهم يعاقبون على مثليتهم بموجب القانون وبموجب الأعراف والتقاليد الاجتماعية، إلا أننا لن نغض بصرنا عن هذا التابو بل سنحاول أن نتكلم عنه من خلال وقائع تاريخية تخص مدينة طنجة و باقي مدن المغرب.
طنجة القريبة من مضيق جبل طارق، كانت لأسباب استراتيجية منطقة دولية، منفصلة عن منطقة الحماية الفرنسية في الفترة ما بين 1923 و1956. هذه الفترة من تاريخها سمحت لها بأن تصبح منطقة متميزة ثقافيا، خاصة بعد الحرب، بعدما أصبحت تستقطب أعلاما أدبية أميركية، من شعراء وروائيين أرادوا عيش نمط مختلف في الحياة، لا يمكن العثور عليه في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، واختاروا بذلك واحدة من أكثر المدن التي تنعم بدفء أشعة الشمس، وتعيش على التفاعل الثقافي الغربي الأندلسي.
لكن عليل طنجة مات منذ زمن طويل، منذ أن تم استعادتها من قبل الدولة بعد انقضاء عهد الحماية منذ 1956، إذ هاجرتها الجالية الأجنبية منذ سنة 1960 التي طبعت في ذاكرة الأجانب بفضيحة كبيرة تسبب فيها إلقاء القبض على مجموعة منهم، بتهمة ارتكاب جرائم جنسية وأخرى متعلقة بتعاطي المخدرات، كما تم إغلاق العديد من بيوت الدعارة، لتنتقل بعدها الموجة إلى مراكش لكنها اختصت هناك بالتنقيب على المثليين.
حياة المثليين هناك اقتصرت على بعض الأماكن، كالحمامات الشعبية، والصفوف الخلفية من دور السينما، وقد كان الناس هناك على دراية تامة بالأمر. كما اشتهرت الفترة الأبرز في يوميات المثليين بمراكش بأحداث دارت في ساحة جامع الفنا، الساحة الرئيسية المحاذية للسوق الواقع في قلب المدينة القديمة، بالإضافة إلى الحدائق المجاورة لمسجد الكتبية وشارع محمد الخامس الواقع بين أحياء المدينة الجديدة والعتيقة، التي كانت نقاطا ساخنة، فعلى الرغم من أن كل الحانات المتواجدة هناك، لم تكن منها ولا واحدة مخصصة للمثليين، إلا أنها كانت تعج بالسماسرة المتخصصين في تلبية طلبات الزبناء الغربيين في المقام الأول، الذين كانوا يقصدون تلك النوادي بحثًا عن المتعة والرفقة.
الأدبيات المتعارف عليها والتي تلقّن للمسافرين والزوار المثليين الذين يختارون التوجه لقضاء عطلهم في المغرب، والذين يتوافدون على البلد بقدر كبير منذ زمن، على الرغم من معرفتهم بالقوانين والأعراف الإجتماعية السائدة فيه والمعادية لطبيعتهم، يبقى المغرب وجهة رئيسية للكثيرين منهم، سواء من الجنسية البريطانية، أو الفرنسية، أو الألمانية، الذين يتم إشعارهم قبل وصولهم إلى هناك بالوضع السائد، ويتم تنبيههم لعدم إظهار ميولاتهم أمام العامة، كما يتم نصحهم بفنادق وإقامات تقليدية دأبت على استضافة المثليين، ولكن يشترط عليهم أن يلتزموا بالمبادئ التوجيهية، على اعتبار أن الشرطة لن تتوانى في إلقاء القبض عليهم إن هم أظهروا حقيقتهم في الشارع.
الوضع يكون مختلفا تماما، إذا ما كان لهذا الأجنبي علاقة بالمواطنين المغاربة، الذين سيتعرضون للإعتقال إن تم التبليغ عليهم، كما سيعانون من نظرات الإزدراء، والرفض من قبل أسرهم، ونعتهم بألفاظ بذيئة، هذه كيفية التعامل مع الرجال المثليين بالمجتمع المغربي.
عبد الله الطايع، الكاتب والمخرج المغربي الذي يعيش حاليا في المنفى، كتب في صحيفة الغارديان، أن المثليين ” لا يتمتعون برحمة أحد”، موضحا “حياتك يمكن أن تنقلب رأسا على عقب في أيّ لحظة في المغرب بسبب ميولاتك الجنسية”.
و حول الفرق في التعامل مع مثلي مغربي وآخر أجنبي زائر فقط، فقد أوضح الطايع أن التعامل يختلف مع الإثنين بشكل واضح تماما، فحسبه يتم التعامل مع المواطنين المغاربة، من قبل مجتمعهم ودولتهم بطريقة تجعلهم يشعرون بالحقارة.
قبل عامين من الآن، استقل مثلي سيارة أجرة للعودة إلى منزله، وحين علم السائق بأمره طلب منه أجرة مضاعفة وسلب منه هاتفين ذكيين ومبلغا من المال ومزق ملابسه ثم بدأ بالصراخ ليهجم عليه الناس في الشارع وينهالوا عليه الضرب والركل، بعد إفلاته توجه إلى الشرطة لتقديم شكوى ضد من اعتدى عليه، لكنها قامت بتوقيفه هو بدل من اعتدوا عليه، وظل محتجزا حتى اليوم التالي.
في بني ملال أيضا السنة الفارطة، تم الإعتداء على مثليين وإرغامهما على الخروج عاريين إلى الشارع وسط سيل من الشتائم والسباب. ورغم ذلك صدرت أحكام قضائية بإدانتهما.
حادثتان وغيرهما من الحوادث تبين وضع المثليين جنسيا ومدى معاناتهم في المغرب، والقانون الجنائي المغربي ينص في المادة 489 على أن “كل مجامعة بخلاف الطبيعة يُعاقب عليها بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”، هذا على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أقرت في 17 مايو من العام 1992 أن المثلية الجنسية ليست مرضا نفسيا، وهو التاريخ الذي تم فيه إعلان اليوم العالمي لمحاربة رهاب المثلية الجنسية.
شهادات حية:
لؤي مثلي من طنجة، لا تختلف قصته عن قصة غيره من المثليين، بدأ يشعر بمثليته ويحس بالإنجذاب إلى أقرانه من الذكور وهو في سن الثالثة عشرة، يقول في حديثه معنا “لم أكن أفهم تماما ما الذي يحصل معي، لأنني لم أكن أستطيع أن أفاتح والدي ولا أصدقائي في الموضوع. بقيت أعيش مع أسئلتي في خوف حتى اكتشفت موقعا على الأنترنت خاصا بالمثليين، وهناك عرفت أنني لا أعاني من أي مرض نفسي و أن هذا ميول من الطبيعة”.
بعد ثلاث سنوات، تعرض لؤي لمحاولة قتل من طرف شقيقه حين ضبطه في غرفته وهو يضع الماكياج على وجهه، “لم يترك عنقي حتى هرعت أمي إلى الغرفة لتنقذني من الموت” ويضيف “يوما ما سألجأ إلى بلد آخر حيث أمارس حريتي، فحتى جمعياتنا لا تدافع عنا ضد الظلم الذي نتعرض له”.
أمين (29 عاما) لا يخفي أنه متردد جدا في إخبار والديه بمثليته، لأنهما “لن يقبلا بذلك”، على حد تعبيره. يروي قصته بكثير من الحزن: “حين بدأت مراهقتي، اكتشفت أنني أسحر بعالم الذكور وبأجسادهم، ولا أهتم بالبنات أبدا” ويضيف “والداي لا يعرفان ميولي، ولكنني أشعر أنهما يشكان في شيء، فقد فاتحاني في موضوع الزواج أكثر من مرة، واستغربا عدم وجود أي فتاة في حياتي”. ويعترف أمين أنه لا يستطيع إخبار أحد بمثليته لأنه يعيش في بلد “لا يحترم المثليين، ولا أحد سيقبله. “أفضل أن أخفي الأمر على أن أعيش بقية حياتي منبوذا أو وراء القضبان. يمكنك أن تتوقع أي شيء من هؤلاء الناس، قد يقتلونني بسبب هذا، ولذلك أشعر بالخوف طوال الوقت من أن يكتشف أحد أمري”.
وعلى غرار لؤي وأمين، لا تتصور أمل (شابة مثلية)، حياتها في المغرب، “أنا وصديقتي الآن نشتغل كثيرا لنجمع المال حتى نستطيع الهروب من هنا”، طردها والدها من المنزل بعدما سمع إشاعات تدور حول مثليتها.
“كان ذلك قبل ثلاث سنوات. حاولت بعد ذلك أن أكلمه وأن أعود، لكنه لم يرحمني وأخبرني أنني لم أعد ابنته”.
ابتسام لشكر، واحدة من مؤسسي حركة “مالي” للدفاع عن الحريات الفردية، كسرت جدار الصمت في ما يخص النضال من أجل حقوق المثليين في المغرب، فالحركة تناضل ضد رهاب المثلية الجنسية منذ سنة 2012، عن طريق مجموعة من الأنشطة وحملات التوعية داخل و خارج المغرب “من أجل وضع الأصبع على القوانين التي تعاقب المثلية والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج” تقول ابتسام عن ما تهدف إليه الجمعية.
وتشتغل “مالي” بالتعاون مع مجموعة من الجمعيات في فرنسا وبلدان أخرى، عن طريق عقد شراكات مع جمعيات تساعد المثليين وترافقهم داخل الدول المغاربية، حيث تقوم بعرض صور تندد برهاب المثلية بالمغرب في الكثير من الأنشطة ومنها Pride في باريس أو إنجلترا.
المفكر والكاتب الأمازيغي أحمد عصيد، أعرب في وقتلا سابق عن رفضه التام لمصطلح “الشذوذ الجنسي”، باعتباره مستعملا من طرف “العدائيين”، موضحا أن المصطلح يشمل الكثير من الجرائم، من بينها اغتصاب الأطفال، كما تعترف منظمات حقوق الإنسان بالدول المتقدمة بهؤلاء المواطنين المثليين الذين لا يختلفون عن البقية إلا في ميولهم الجنسي الذي يعتبر حقا من حقوقهم المشروعة، مستطردا بالقول: “المثليون مواطنون عاديون نجدهم في شتى المجالات، منها مجالات الفن كالتمثيل والغناء والرسم، وكذلك في العلوم الإقتصادية والسياسية والقانونية”.
جميع الأديان الإبراهيمية بأغلب طوائفها تحرّم المثلية الجنسية بشكل قطعيّ وتصل عقوبة هذا الفعل بداية من النبذ حتى الإعدام. وفي أوروبا قبل عصر النهضة قد تم إعدام الكثير من المثليين إستناداً لأسس دينية، والجدير بالذكر أن الدين الإسلامي بإجماع الطوائف والمذاهب كلها يقضي أن المثلي يجب أن يقتل كما قال النبي محمد صل الله عليه و سلم: ”من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به“، و الله أعلم إن كان صحيحا أم لا.
ومن هنا نتعجب كيف أن الدين الإسلاميّ السموح بين كل طوائفه ومذاهبه يختلفون فيه على شتى المسائل عاليها وسافلها والأمور التي قد تصل للعقيدة نفسها، ويتفقون على القتل! وبسبب ميول جنسي! أما بالنسبة للديانات الهندية والصينية فمنهم من عارض ومنهم من وافق، لكن لم تصل أي واحدة فيهم لعقوبة الإعدام.
نرى أن جميع الديانات أو المنظمات والمؤسسات ممن يمنعون المثلية الجنسية بأي وسيلة ما هي إلا رجعية ولا إنسانية، علينا أن نغير تفكيرنا السائد وتغيير القوانين والتماشي مع العصر، ومن هذا المنطلق أرى بأننا يجب وبعد تحليل ونقاش هذه القضية أن نُسن قوانين تتوافق و حقوق الإنسان وتمنع التدخل في هيكل الحرية الخاص بالفرد، لكي يعيش الجميع بسلام. فيجب أن تكون غايتنا وغاية القانون وغيرها من المنظمات هي حفظ كرامة الإنسان دون التعرض له وتعميم السلام بشتى الوسائل….