الترمضينة، وجه آخر لعدوانية المغاربة التي لا تنتهي
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( رمضان عند البعض !!)
الثلاثاء 13 يونيو 2017 – 12:20:07
ويعزو أخصائيون حالة “الترمضينة” إلى التحولات النفسية والجسدية التي يشعر بها بعض الصائمين نتيجة انقطاعهم عن إدمان السجائر أو المخدرات أو الشاي والقهوة، صباحا، فضلا عن الإرتباك في نمط الحياة المتعلق بالأكل والنوم، منتقدين إلصاق هذه التصرفات المتهورة بصيام رمضان، حيث تتحول المستشفيات ومصالح المستعجلات على وجه الخصوص إلى وجهة رئيسية لبعض المواطنين المرمضنين الذين تخونهم أعصابهم قبيل آذان المغرب، وتحديدا خلال الساعات الأخيرة من الصيام.
وتسجل أغلب المشاحنات والنزاعات بين المواطنين بالأماكن الأكثر اكتظاظا كالأسواق، والطرق، والأحياء الشعبية، ومحطات النقل، وفي كل الأماكن التي تشهد تدفق المواطنين وضعف التنظيم أو غيابه، مع حضور طاغ للأنانية والرغبة في قضاء المصلحة بعض النظر عن أحقيتها من عدمها.فتتوتر الأعصاب وتشتعل تدريجيا لتتطور إلى مواقف مؤسفة كاستعمال السكين والشفرات، والآلات الحادة.
وتتجلى مظاهر «الترمضينة» أيضا في المنازل والبيوت والعلاقات بين الأزواج، حيث لا تخفي العديد من الزوجات خشيتهن من انفعال وتقلب مزاج أزواجهن خلال نهار رمضان، تقول أمل، (التي فضلت اسماً مستعاراً) -أم لأربعة أبناء وربة بيت- إن زوجها الذي يعمل نادلاً في أحد مطاعم طنجة، يتخذ من رمضان عطلة سنوية له، ويُفسد عليها أيامها في هذا الشهر المبارك، فهي تحاول جهدها ألا تقوم بأي شيء قد يُنذر ببداية الحرب بالمنزل. وتضيف أمل، 47 سنة، أنها تدعو الله –تعالى- دوماً ألا يقع مكروه خلال رمضان بسبب حدة طباع زوجها، خاصة أنه يمكث في المنزل طيلة اليوم، الأمر الذي يجعل احتمالات وقوع سوء الفهم كثيرة بينه وبين أبنائه. وتقول إن زوجها يصبح في نهار رمضان شديد العصبية، ولا تنتهي تعليقاته على كل شيء في البيت، سواء تعلق الأمر بالنظافة أو المطبخ أو تدبير الوقت أو كيفية تهيئة مائدة الإفطار، مضيفة أنها تتمنى أحياناً أن يقضي زوجها يومه كله مستغرقاً في النوم، حتى لا تحدث الصراعات بينهما.
وإذا كانت أمل تحاول امتصاص «ترمضينة» زوجها بفضل مرونتها وذكائها، فإن زوجة أخرى تقول: إن دهاءها لم ينفع في منع زوجها من مضاعفات الترمضينة، فقد أضحى شهر رمضان لدى زهرة، (35 سنة)، ممرضة وأم لطفلين شهر العراك اليومي مع زوجها المدمن على التدخين. ووصفت زهرة في حديثها الساعات القليلة التي تمتد بين وصول زوجها إلى البيت بعد انتهاء دوام العمل وبين موعد الإفطار، بأنها جحيم حقيقي؛ تتجرع خلاله مرارة كلماته المهينة، ويصل الأمر أحياناً إلى حد العنف الجسدي.
تعليقاً على الحالات السابقة يقول الدكتور عثمان البقالي، الخبير النفسي المتخصص، إن الترمضينة ترتبط بالغضب الذي ينتاب بعض الناس بسبب مواقف يكونون طرفاً فيها.
وأضاف: «اللاوعي أو اللاشعور هو التفسير النفسي لهذه الحالة التي يصر البعض على إلصاقها بالتحولات الفسيولوجية والذهنية التي تصاحب صيام البعض في شهر رمضان، واللاوعي آلية من آليات النفس البشرية التي تعمل دون تحكم من الشخص، فيصدر منه أحياناً ما قد يفاجئه هو نفسه، أو يفاجئ من يحيط به».
أما المحلل في علم النفس الاجتماعي زهير أمصيلح ، فيرى أن الترمضينة واقع حاصل لا يُرتفع عليه، وتحدث نتيجة تغيرات ذهنية، وجسدية، واجتماعية تواكب شهر رمضان، ولعل أهمها التحول الذي يطرأ على الساعة البيولوجية للإنسان. ويستطرد قائلاً: إن الترمضينة تصيب أكثر المدمنين على التدخين أو على تناول المخدرات، والمدمنين أيضاً على الشاي والقهوة، بسبب احتوائهما على مادة الكافيين التي يسبب انقطاعها خلال شهر رمضان تأثر بعض خلايا الدماغ بذلك الشيء الذي ينتج عنه شعور تلقائي بالغضب والإستثارة العصبية الشديدة. ويستدرك المتحدث بأن كل هذه المتغيرات، رغم حدوثها لا تعطي أبداً الحق للصائم أن يسيء الأدب؛ أو يخرج عن طوره واتزانه خلال شهر رمضان؛ لأنه شهر التسامح والإيثار والمودة، لا شهر الإنفعال والعداء.
عندما يَحل هذا الشهر ضيفًا على المسلمين ينالون من بركاته المتنوعة، وتُتْحفهم رحماته، وتغمرهم نفحاته الإيمانية، إلا أن بعض الناس ـ وخلافًا لما شُرع من أجله رمضان ـ لا يعطونه حقه، ولا يقدرونه حق قدره، ولا يؤدونه كما هو مطلوب، بل يفتقد صيامُهم إلى ما يجعله صحيحًا كاملاً، وتظهر عليهم فيه سلوكيات خاطئة، وعادات قبيحة، تستولي على اهتماماتهم، وتظهر على جوارحهم، فتعكر صفو صومهم، وتفوِّت عليهم الأجر العظيم، وتوقِعُهم في الإثم المبين، يفعلونها إرضاء لأنفسهم، واتباعًا لرغباتهم، وتلبية لشهواتهم، في هذا الشهر الفضيل الذي لا ينبغي أن يُقابَل بهذا الإخلال والإهمال، ولا أن تُرى فيه هذه العادات السيئة، وهي أمور تدل فيما تدل عليه على عدم فهم الناس لأهداف ومقاصد الشعائر الدينية عامة، وجهلهم بأهداف الصيام وسننه وآدابه خاصة، وبقيمة هذا الشهر وفضله على سائر الشهور، وتفريطهم في فوائده وعوائده.
وأغلب الناس ضعُف عندهم معنى الصوم، أو غاب عنهم مفهومه الحقيقي كليًّا، وأصبحوا ينظرون إلى الصيام كإحدى العادات الاجتماعية التي تعَوَّدوا استقبالها وإحياءها كل سنة، دون أن يتأملوا في مقاصده وأبعاده، ولا أن يتفكروا في أسراره، ولا أن تظهرَ عليهم فوائده وآدابه، وبالتالي غاب تأثيره في حياتهم وواقعهم وفي حالهم مع ربهم عز وجل.
يلاحظ أن بعض الناس يستـاؤون ويغضبون إذا دخل رمضان، وكم يتمنون مرور ساعاته وأيامه بسرعة، ويترقبون خروجه بتلهّف، لأنهم يرون أن فيه حرمانًا لأنفسهم من شهواتها وملذاتها، وقطعًا لمألوفاتها وكبحًا لرغباتها، ولأنهم يرون أن الصيام يسبب لهم التعب والإعياء والعطش، مما يقلل من عطائهم، ويُضعف جهدهم في أعمالهم، فترى أنفسهم قلقة، وصدورهم حرجة ضيقة، ووجوههم عابسة مُكْفَهِرَّة، يشكون ويتألمون، ولا يصومونه إلا مجاراة وتقليدًا للناس، وخوفًا من الفضيحة والعار، ولذا فهم يفضلون عليه غيره من الشهور، ويرونه كضيف ثقيل حل بهم يتمنون رحيله سريعًا.
كثير من الناس يفهمون أن رمضان شهر للأكل والشرب والتمتع، فتراهم يستعدُّون له قبل حلوله ودخوله، وذلك بإعداد أنواع الحلويات والمأكولات وادِّخار بعض الأطعمة التي قد تنفَدُ في رمضان، وكأنه قد حل موسم جوع وقَحْط، ويزعم البعض أن الصيام يقطع عنهم أكلهم وشهواتهم في النهار، فتراهم إذا جاء الليل ملؤوا الموائد بأنواع المأكولات وألذ المشروبات، فيجعلون ليالي الصيام للمزيد من الاستهلاك والإسراف والتبذير والنَّهَم والشَّرَه، فترى الناس في الأسواق والمتاجر يزدحمون ويتسابقون على السلع والمشتريات، ويتزايدون في أثمانها، فترتفع أسعارها، وتحدث الفوضى والشِّجار والتدافع حولها، فتنفد السلع لكثرة الطلب عليها، مما يسبب لكثير من الفقراء الحرمان منها وهم في أشد الحاجة إليها، ويدفع بعض التجار الفجار لاحتكارها ليبيعوها بأثمان باهظة. وأغلب الناس تُضاعف ميزانية إنفاقهم في هذا الشهر، ولا يكفيهم مرتَّبهم الشهري فيه، بل يلجؤون إلى مدخراتهم أو إلى الاقتراض.
نرى بعض الصائمين يغضَبون لأتفه الأسباب، فيسبُّون ويشتمون ويقولون فُحْشًا وقُبْحًا ومُنكرًا من القول وزورًا، ويتراشقون بالكلام الساقط، ويتشاجرون ويتخاصمون، ويخرج من أفواه بعضهم كلام قد يُخرج من الملة إلى الكفر، كسبّ الدين أو الرب سبحانه، وقد ينشب العِراك، وتسيل الدماء، وتسقط الأرواح. وهذا سلوك يتنافى مع أخلاق هذا الشهر الكريم، ومع ما هو مطلوب منا فيه من إمساك للسان عن اللغو والفحش وصون له عن البذاءة والصَّخَب، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي عن الصيام: ((فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يصْخَب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)) متفق عليه، وفي رواية: ((فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم)).
ألا فليعلم الصائمون أن رمضان إنما جاء ليكون وقاية وصيانة لنا من أخلاق منحطة، وليزيل منا عادات سيئة ترسخت فينا طوال السنة، وليربينا على الكمال الخلقي، وليدربنا على الصبر والتحمل والإنتاج والبذل والعطاء والاقتصاد والجهاد والإحسان إلى خلق الله والإخلاص والإتقان في الأعمال، وليزوِّد روحنا بالتقوى والزهد والورع، وليزكي نفوسنا حتى تسمو إلى بارئها عبر مدارج القرب والزلفى، وليطهر المجتمعات مما انتشر فيها من فساد خلقي واقتصادي واجتماعي وسياسي، وليحقق فينا العزة والإباء والشموخ. وتظهر هذه المعاني جلية من سيرة الرسول وأصحابه والتابعين الذين فهموا الغرض والقصد من الصيام، فصاموه وصانوه وقدروه حق قدره، فكانت لهم العزة والمجد والسؤدد.
اللهم وفقنا للصيام الذي ترضاه، اللهم اجعلنا ممن صام رمضان وحفظ حدوده، اللهم اجعلنا ممن رفع الصوم منزلته وأعتق رقبته من النار آمين…