مهن تخلق في شهر الرحمة .. ممارسوها عاطلون وأرامل و مطلقات …ذكاء تجاري ومسكنات ضد الفقر
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( المهن الرمضانية )
الجمعة 23 يونيو 2017 – 17:13:00
•شهر رمضان، شهر الصيام والعبادة، شهر الخير والبركة، و معظم الشباب المغربي يعتبره أيضا بمثابة طوق نجاة يقدم لهم مهنا بالرغم من أنها موسمية إلا أنها تدر عليهم دخلا يساعدهم في العيش للشهور القادمة منتظرين مهنة موسمية جديدة تنتشلهم من سوق البطالة..
وتشكل مهن بيع حلوى “الشباكية” مثلا وبيع الفطائر وأيضا مهنة الخياطة التقليدية في شهر رمضان، دعما ماليا يساعد آلاف الأسر المحتاجة على كسب قوتها بالاعتماد على إمكاناتها الذاتية.
تتحول دكاكين ومحلات تجارية كانت مخصصة لمهن أخرى قبل رمضان إلى محلات لبيع حلوى الشباكية في شهر الصيام، وهي حلوى شهيرة يُعرف بها المغاربة ولا تكاد تخلو مائدة إفطار منها، ويتخلى العديد من الباعة عن مهنهم مؤقتا مثل بيع الخضر والفواكه أو بيع السمك ليتخصصوا في المتاجرة ببيع الحلويات بمختلف أصنافها، بسبب الإقبال الهائل عليها من طرف المغاربة في رمضان.
ولأن بيع الشباكية وباقي الحلويات المعسلة تتيح أرباحا صافية تتجاوز أحيانا عشرة آلاف درهم في رمضان، فإن العديد من الشباب العاطل اتخذوا من هذه المهنة ملجأ لهم من مرارة البطالة والفاقة.
رشيدة من مدينة العرائش، في عقدها الرابع، يبدو على محياها التعب من طول الوقوف، ترتدي ملابس خفيفة نظرا لحرارة الجو الذي تعمل فيه، اعتادت في كل شهر رمضان، أن تمارس مهنة بيع الخبز بكل أشكاله لكي تساعد زوجها في إعالة العائلة. فهي كما تقول”كنعدّل جميع الأنواع ديال الخبز لي كيطلبوهوم الناس ، ولي بغاوها يجبروها عندي”، وتضيف” فالأيام الأخرى مكايكونش البيع بحال هاد الشهر، فهاد الشهر كيزيد الطلب على الأنواع كاملين من الرغايف وبغرير”. رشيدة على حد قولها تقوم يوميا بعد صلاة الفجر مباشرة، لتبدأ عملها الشاق الذي يدوم قبيل ساعات من الفطور، وتضيف قائلة” هاد الخدما كتدي ليا النهار” كما تقول ” أنا مكنحطش بزاف برا، حيت عندي بزاف ديال الطلبات ديال النسا لي خدامين كيديو من عندي كل نهار”.
تركنا رشيدة مع عملها الشاق وتوجهنا إلى وجهة أخرى، بحثا عن مهنة موسمية جديدة تدر على أصحابها بعضا من الدريهمات التي يمكن أن تكون سندا لهم لمدة قليلة بعد هذا الشهر الفضيل.
ينتظر المهدي، البالغ من العمر 60 سنة، والذي على وجهه تجاعيد شاهدة على أيام “التكرفيس” –حسب تعبيره- كل عام ، شهر رمضان بفارغ الصبر ليس للصيام والعبادة فقط، بل لأنه باب من أبواب الرزق، التي تفتح أمام المهدي لإعالة عائلته الصغيرة. المهدي لا يملك عملا قارا طيلة السنة، فهو يشتغل في كل شيء وفي أي شيء على حد قوله، وشهر رمضان من الشهور التي يغير فيها المهدي مهنته ليتجه صوب مهنة “الشباكية”، التي تعرف إقبالا كبيرا من طرف المغاربة، فهي من أساسيات مائدة الإفطار.
“رغم الحر الشديد الذي يتزامن مع هذا الشهر، وصعوبة العمل في هذه الحرفة إلا أن ظروف الحياة القاسية التي أعيشها تجعلني أتحمل كل هذه الأمور لأعود في المساء بشيء يسد جوع زوجتي وأطفالي ” يقول المهدي بعد أن سألناه عن ظروف العمل مع ارتفاع الحرارة.
لجأ المهدي إلى مهنة الشباكية التي تعلمها على يد أحد الجيران، بعد أن أقفلت في وجهه جميع الأبواب، ولم يفلح في إيجاد عمل يومي يدر عليه دخلا يستطيع من خلاله توفير كل طلبات أسرته الصغيرة ” حسن ليا نوقف قدام هاد الحرارة ولا نمشي نطلب ما نأكل ” هذا آخر ما قاله لنا المهدي ليتجه نحو إخراج الشباكية من العسل ووضعها جانبا.
أما أنور، الذي يبلغ من العمر 20 سنة، فقد اتخذ هو بدوره زاوية صغيرة قرب منزله ليضع فيها طاولة صغيرة، تحمل كل ما يمكن استهلاكه في هذا الشهر من شباكية، وخبز، وفطائر، وغيره من الأشياء التي تكون حاضرة على مائدة الإفطار، أنور يقول وبصوت مليء بالأمل ” هاد الساعة ماكاين مايدار غير هادشي ” مضيفا أن كل ما يكسبه من هذا العمل الموسمي يساعده في شراء متطلباته الدراسية هو وأخته الصغيرة كما أنه يساعد نوعا ما في ميزانية البيت.
وتقف نساء أرامل ومطلقات يعانين من الهشاشة الاجتماعية في نقاط للبيع بالأسواق الشعبية يعرضن ما أبدعته أناملهن من معجنات وفطائر بأسعار مناسبة، دعما لميزانياتهن المادية المُنهكة.
ويعتبر شهر رمضان أيضا فرصة لمهن أخرى لتنتعش وتُبعث فيها الحياة من جديد، مثل الخياطة التقليدية للرجال والنساء، باعتبار أنه خلال هذا الشهر تتزايد الطلبات بكثرة على الأزياء التقليدية من قبيل الجلباب والسلهام و”الجابادور”.
وبالرغم من أن استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة في الاستيقاظ لوقت السحور حدَّ من فعالية مهنة النفار أو المسحراتي بالمغرب، فإن بعض الشباب يصرون على ممارسة هذه المهنة، خاصة بالنسبة لمن لا قدرة لهم على إقامة مشاريع تجارية صغيرة، حيث تكفيهم عطايا الناس وإكرامياتهم.
وحول سمات هذه المهن الرمضانية ومدى استفادة الفرد والدولة من رواجها، أفاد الدكتور عبد المنعم الشرقاوي، الأخصائي في علم الاقتصاد الاجتماعي، أنها مهن تتميز بثلاث سمات رئيسية، السمة الأولى، وفق الشرقاوي، تتمثل في كونها مهن فرجوية واحتفالية تتخذ طابعا احتفائيا بالنسبة لمعظم هذه المهن التي تنتشر في رمضان، في حين أنها تقل أو تنعدم تماما في غير هذا الشهر الكريم، السمة الثانية أنها مهن تساهم في تحسين مدخول الفرد المزاول لها وتطور من قدرات الأسرة اقتصاديا ولو بشكل محدود، لكنها لا تساهم في اقتصاد البلاد إلا بشكل بسيط جدا جدا ، أما السمة الثالثة فتتبع التي قبلها، حيث أنها مهن غير مُهيكلة وتكاد تكون نوعا من أنواع البطالة “الإيجابية” التي لا تقبل الاستكانة والانتظار، بحسب تعبير المتحدث.
وعزا الشرقاوي انتشار هذه المهن في المناسبات الدينية كرمضان إلى رغبة الفئات المحتاجة في الانعتاق من نيران الفاقة ولو “بشق تمرة”، أي بمهنة كيفما كانت مواصفاتها، فالأهم لدى هؤلاء أنها تدر مدخولا معينا يساعدهم على تلبية حاجياتهم، وأضاف الباحث أن هذه المهن الرمضانية تعد مُسكّنا مؤقتا للهشاشة الاجتماعية، لكنها أيضا مؤشر يدق ناقوس الخطر لكونها تكشف مدى هيمنة القطاعات غير المُهيكلة على نسيج الاقتصاد المغربي.
وأشار إلى بُعْد آخر في ممارسي هذه المهن الرمضانية، باعتبار أنهم يتصفون بما يمكن تسميته “الذكاء التجاري”، ويمتلكون موهبة القنص الاقتصادي ولو في حدود مستوياته الدنيا.
ويشرح بأن مزاول مهنة بيع الشباكية مثلا في رمضانن ما إن ينتهي شهر الصيام ويدخل الموسم الدراسي حتى يملأ محله بالكتب والدفاتر، ثم يحول مهنته إلى بيع الأعلاف وغير ذلك بمناسبة عيد الأضحى، وهكذا يمر العام كله وهو يتكيف مع المناسبات والمواسم الاجتماعية والدينية..
و تبقى المهن الموسمية المسلك الوحيد للعديد من المواطنين للتنفس شيئا ما، في زمن أصبح المواطن المغربي يتعرض فيه لكل أنواع الضغوط الاجتماعية و النفسية و الاقتصادية ، لا الشواهد الدراسية أصبحت نافعة و لا الحرف المهنية ، الذي ينفع الىن و المتداول الآن و بشدة ، هو التحايل على الفقر و الفرار و لو موسميا من آثاره الوحشية..
و رمضان كريم .