لا إصلاح مع أحزاب استنفذت دورتها البيلوجية
جريدة طنجة – محمد العمراني ( احزاب هرمت في المغرب )
الخميس 22 يونيو 2017 – 11:31:10
ما من شك في أن صيرورة الاحتجاجات كشفت أن جميع الهيئات السياسية ببلادنا وصلت مرحلة جد متقدمة من الشيخوخة، بل يمكن الجزم بكثير من الوثوقية أنّها استنفَذت دورتها البيولوجية…
لقد تابعنا كيف وجدت هاته الأحزاب، بقياداتها ونُخبها، نفسها في حالة شرود أمام زخم الاحتجاجات، عاجزة عن استيعاب ما يجري، وكأنها من كوكب آخر غير ذاك الذي يعيش فوقه هذا الشعب، الذي يفترض أنها مسؤولة عن تأطيره..
لم يكن مُفـاجئــًا البتة أن يرفع المواطنون شعارات يعلنون من خلالها سحب ثقتهم في جميع الكائنات الحزبية، عَفــوًا الأحــزاب، بدون استثناء، مثلما لم يكن مفـاجئــًا أن يتوجهوا إلى ملك البلاد من أجل التجاوب مع مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية المشروعة، لأنهم ببساطة اقتنعوا أن الأحزاب خانت رسالتها، وانقلبت على إلتزاماتها، وصارت كابحا لطموحها في تنزيل ما تنشده من إصلاحات..
ألم يعلن ملك البلاد في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية المنصرمة، أن “الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي، يجب أن يضع المواطن فوق أي اعتبار، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له، والتفاني في خدمته، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية…”، مضيفا ” يقال كلام كثير بخصوص لقاء المواطنين بملك البلاد، والتماس مساعدته في حل العديد من المشاكل والصعوبات. وإذا كان البعض لا يفهم توجه عدد من المواطنين إلى ملكهم من أجل حل مشاكل وقضايا بسيطة، فهذا يعني أن هناك خللا في مكان ما…”…
بالتأكيد هناك خلل في مكان ما..
و المؤكد أنه موجود في الأحزاب السياسية..
و إذا كان طبيعيا أن يفقد المواطن ثقته في جميع الأحزاب السياسية التي أنهكها تدبير الشأن العام لعقود، وتورطت العديد من قياداتها ورموزها في الفساد، فإن الضربة القاضية التي أتت على ما تبقى من ثقة لديه، تلقاها من حزب المصباح..
لقد كان هذا الحزب أمل المواطنين في الإصلاح، ولذلك منحوه ثقتهم في 2011 و2015 و2016، إيمانا منهم أنه سيتصدى للفساد الذي ينخر البلاد والعباد..
لكن أين نحن من شعار “صوتك فرصتك لمحاربة الفساد”؟…
لقد أكد هذا الحزب أنه متعطش للوصول إلى مركز القرار، مهما كان الثمن، ولو على حساب شعاراته ومبادئه…
كم كانت خيبة المواطنين في هذا الحزب، وهو الذي اختار التضحية بزعيمه بنكيران، الذي بفضله حقق هاته النتائج المبهرة، كل ذلك من أجل البقاء في الحكومة!..
وحتى بمدينة طنجة، من حق الساكنة أن يتساءلوا عن حصيلة تدبير حزب المصباح لشؤون المدينة، وأن يقارنوا بين مرحلة كان منتخبوه يستأسدون خلال دورات مجلس المدينة أيام المعارضة، وبين المرحلة التي بسطوا سيطرتهم المطلقة على دواليب التدبير؟!..
لقد بدا جليا للجميع أن الخطر الحقيقي الذي يتهدد استقرار الوطن هو غياب مؤسسات الوساطة بين المجتمع والدولة، بعد أن فقدت النخب السياسية شرعية تمثيل المواطنين…
إن البلاد تعيش أزمة فقدان مؤسسات الوساطة لم تعشها حتى في أحلك سنوات الرصاص..
لأول مرة تجد المؤسسة الملكية نفسها وجها لوجه مع الشارع، بعد انهيار شبه شامل لمصداقية الأحزاب السياسية، التي باتت عاجزة عن تأطير المواطنين، والدفاع عن مطالبهم وطموحاتهم…
لم يعد هناك من مخرج لهاته الأزمة سوى أن تشهد هاته الهيئات الحزبية ثورة شاملة على مستوى هياكلها ونخبها، وإلا فإن مصيرها الإندثار…
وحيث أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فإن المجتمع سيفرز تعبيراته التي تستوعب تطلعاته نحو الإصلاح، ولعل الدرس الفرنسي خير مثال على الجواب الذي يمكن أن يقدمه المجتمع في المحطات المفصلية من أجل البحث عن حلول لتجاوز أزماته…
بلادنا اليوم أمام محطة حاسمة، هي في أمس الحاجة إلى نخب تستوعب حساسية اللحظة التي يجتازها الوطن..
نخب مؤمنة بالإصلاح الحقيقي..
نخب ذات مصداقية تقود الشعب وتكون له القدوة..