عزيز كنوني
جريدة طنجة – عزيز كنوني ( )
الجمعة 23 يونيو 2017 – 11:59:07
ومع ذلك، فلا يمكن لمتتبع أن ينكر وُجـود مَكـامن تشابُـه وتقاطُع بين الانتخابات التشريعية بالمغرب والتشريعيات الأخيرة بفرنسا، من حيث نتائج الدورة الأولى، ليس إلا !…
في فرنسا، أحدثَت تلك النتائج “صدمة” حقيقية، بعد أن فــازَ حزب “الجمهورية إلى الأمام”، بـ “ضربة معلم” من ماكرون بسَبب اكتِسـاحهِ للمشهد السياسي، ولم يمر على تأسيس هذا الحزب فوق خمسة عشر شهرا !
في المغرب، استطاعَ العدالة والتنمية أن يتفوق على نفسه فيما يخص عدد المقاعد، وقد كان “مرشحا” لهزيمة حقيقية بعد القرارات التي اعتبرت “مجحفة” بمصالح فئات عريضة من الشعب الفقير ( إلى الله).
في فرنسا، نجحَ حزب رئيس الجمهورية في الدورة الأولى، في الحصول على عدد من المقاعد سوف تُبوِئه الصدارة المطلقة بالبرلمان.
في المغرب اقترَب البيجيدي من هذه الأغلبية لولا البام الذي وضع له العَصا في العجلات، التي بقيت تدور، في فراغ !
في فرنسا، سَجّلت الدورة الأولى من التشريعيات الأخيرة “حركة” امتناع عن التصويت، بحيث اعتبر هذا الامتناع الأسوأ في تاريخ الجمهورية ، إذ تخطت نسبة الممتنعين عن التصويت خط الـ 50 بالمائة، الأمر الذي اعتبر أنه يشكل “أزمة سياسية عميقة ” حيال الديمقراطية.
في المغرب، نسبة الممتنعين، أو، تلطفا، المتغيبين ، فاقت 57,70 بالمائة، يعني فوق نصف المصوتين ، يعني 42,29 بالمائة، فقط، من المسجلين وعددهم فوق 15 مليون ونصف المليون من المسجلين، وهؤلاء لا يمثلون سوى نصف سكان المغرب الذي يسكنه حوالي الأربعين ملون نسمة !!!…
في فرنسا يعتبرون أن الامتناع عن التصويت في حد ذاته “تصويت إيجابي” يعبر عن موقف المواطن من سياسة حكومة بلاده ، ويوصف أيضا بأنه “تصويت عقابي” ضد الحكومة . وهو في فرنسا حق مشروع من حقوق المواطن الأساسية.
في المغرب، الامتناع عن التصويت والدعوة إليه بنفس الوسائل الدعائية التي يستعملها الداعون إلى المشاركة، كانت تعتبر، إلى عهد قريب، نوعا من “العصيان” المدني وتقاوم بمقتضيات القانون الجنائي. ومع أن الوضع شهد بعض التحسن، إلا أن الدعوة إلى “المقاطعة” لا ينظر إليها، وإلى اليوم، بارتياح، ولا يطمئن إليها أصحاب القرار ، وتشكل طريقا للكشف عن “خونة الدولة” في مقابل “خدام الدولة”!
في فرنسا، شعور بالغرابة خلقه لدى غالبية الشعب من كون المصوتيت أعطوا أصواتهم بكثافة، إلى حزب حديث العهد بالوجود، خرج من “رحم الإدارة” (كما توصف بعض الأحزاب المغربية الحديثة) ، وفضلوا مترشحين مجهولين في المشهد السياسي، على “قامات” سياسية وازنة، تنتمي إلى قيادات أحزاب تقليدية،
في المغرب، توجد اعتبارات أخرى ، غالبا، لا صلة لها بالانتماءات السياسية، ولا بالنضال ، حيث لا يوجد ما يمنع حركة “الإنزال” و “الترحال” من إحداث التغيير “المنشود” في المشهد السياسي الحزبى، وفق الطلب !
في فرنسا، يخشى المواطنون من تحول البلاد إلى “جمهورية ملكية” بعد أن يتحصل ماكرون على الأغلبية المطلقة التي هو جد قريب منها، في ظاهرة غير مسبوقة، ويصبح طليق اليد في الحكم وتطبيق الإصلاحات المتضمنة في برنامجه الانتخابي والتى لا تحظى، حتما، بإجماع الفرنسيين.
في المغرب، يطلع من يطلع، أوينزل من ينزل، أو”يتكردع من يتكردع” ، بلغة الانتخابات الوطنية، فلا برنامج انتخابي ولا مخطط إصلاحي متوافق عليه،…ولا هم يحزنون. المهم إحداث “قربلة” داخل المشهد الحزبي، للتحصل على مقاعد وزارية تحفظ “البريستيج” حتى ولو على حساب مصلحة الوطن والمواطنين !..
في فرنسا، يعتبرون أن ماكرون نجح في رهانه على تفجير الأحزاب السياسية التقليدية، ليخرج متفوقا عليها جميعها ، بما فيها الحزب الاشتراكي وحزب اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبين، وحزب “فرنسا الأبية” في أقصى اليسار، ويؤكد تفوق حزبه “الجمهورية إلى الأمام” بما سوف يمكنه من الحصول على ثلاثة أرباع المقاعد بالمجلس الوطني، البرلمان الفرنسي.
في المغرب، الانتخابات التشريعية الأخيرة كادت أن “تمسح” الحزب الاشتراكي من الخارطة، بما يحفل به هذا الحزب العتيد، من تاريخ نضالي متوهج، بحيث إنه طلع السادس على صبورة النتائج، ولم يحصل إلا على عشرين مقعدا بالبرلمان من مجموع مقاعده الـ 395 ، أي بنسبة 5,06 . وتلك خسارة حقيقية للوطن، على الاشتراكيين المغاربة أن يتداركوا الوضع، ويعالجوا مكامن الخلل بما يجب من حكمة ونضج وتبصر،لأن البلد في حاجة إلى يسار قوي ومتماسك لتحقيق التوازن السياسي الضروري والسير بالبلاد إلى إصلاحات هيكلية تتطلبها انطلاقته الجادة من أجل ترسيخ دولة الحق والقانون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. .