محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( كُتاب وآراء)
الخميس 22 يونيو 2017 – 16:01:27
مع تكريس واقع الاستقلال، صار المغاربة لا يتذكرون من مواقع المشرق العربي إلا مكة، و فقط خلال أوقات و مواعيد الصلاة لمن يؤديها، أو عند حصول النية لديهم لأداء ركن الحج حينما يستطيعون إليه سبيلا.
صحيح أن المغرب وقع في قبضة الأجنبي، لكن الأمر ذاته كان حالة متميزة، فالبلد لم يعرف حالة احتلال على يد دولة واحدة، بل تعددت القوى الدولية الراغبة فيه و تنوعت، كما أنه كان البلد الوحيد الذي اضطرت معه دولتان، مثل اسبانيا و فرنسا، لاستخدام أسلحة كيميائية لاحتواء “الرد الصاعق” الذي صدر عن الريفيين تجاه قوى الاحتلال الأجنبي، و فضلا عن ذلك، فإن الوجود “النصراني” بالمغرب ما كان ليتم إلا تحت غطاء “معاهدة الحماية”، أي أنه كان وجوداً بخلفية ” اتفاقية” تجد أساسها في القانون الدولي، كما أن هذا الوجود لم يعمر طويلا بهذا البلد، إذ سرعان ما استعاد استقلاله القانوني و الفعلي.
أما حكاية المغرب مع الأتراك فقد كانت دليلا أكثر نصاعة على انفراد البلد بخاصية الاستقلال، فالجميع يدرك أن “العثمانيين”، أجداد هؤلاء، قد ولوا الأدبار عندما بلغوا غرب الجزائر و لم يملكوا الشجاعة اللازمة لانتهاك سيادة البلد، لعلمهم اليقين أن به رجالا أشداء .
بلد كالمغرب، لم يحافظ على استقلاله عن الشرق فقط، بل سعى إلى مد جسور التواصل و التعاون مع عمقه و جذوره الأفريقية، كما كانت عليه منذ القدم، وهو ما استعاده الآن بعد طول غياب، من خلال “العودة” القوية نحو أفريقيا التي حققها للمغرب السلطان محمد السادس.
رغم ثبوت واقع استقلال المغرب، بأبعاده الجغرافية و الثقافية، عن بلاوي الشرق و مصائبه، فإن ثلة من المعتوهين البلداء نصبوا أنفسهم أعضاء في “هيئة عمالة ” للمرافعة نيابة عن نكرة اسمه “اردوغان”، بل إن بعضهم نصب نفسه ممثلا للإدعاء الإخواني و راح يصدر “أحكام التكفير و التغريب” في مواجهة إخوان لهم يحملون جنسية هذا البلد و ثقافته .
مناسبة هذا اللغط و اللغو الذي أصابنا بالصداع هذه الأيام، هو ما قيل إنه جرى و يجري في بلاد الشرق الأوسط الخليجي، فالتقارير الإخبارية تتحدث عن انفراط عقد “مجلس التعاون الخليجي القروي” و انخراطه في منازعات قبلية بتوجيه من القيادة العامة الأمريكية، و كيف أن الأتراك مازالوا يلعبون في “الحقل العربي النفطي” ورقة أجداد العثمانيين الذين مضت على انقراضهم عهود و قرون، و حَسِبَ هؤلاء المغفلون التُّرك أن باستطاعتهم الامتداد نحو المغرب بطرق مشابهة، و نسي هؤلاء أن هذا البلد أنجب عالما علّامة اسمه ابن خلدون، هو صاحب “ديوان المبتدأ و الخبر”، و أن هذا الديوان المعتبر، الذي بهر العرب و البربر و من عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، لم يضم بين فصوله و أبوابه حديثا عن هرطقات الأتراك .
هل يعيش هؤلاء المتأسلمون المؤمنون بنظرية “الحكم الشرعي” حالة ذهانية و نحن على بعد أمتار قليلة من الغرب الذي يقود العالم منذ أزيد من خمسة قرون؟ و هل يعقل أن يتطور البناء الحداثي المغربي نحو بناء جهوية متقدمة و حكم ذاتي و بيننا معتوهون يؤمنون بنظرية الخلافة المركزية ؟ وهل يعقل أن يتمتع المغرب، على امتداد أزمنة التاريخ الحديث و المعاصر، بشخصيته المستقلة و هويته متعددة الثقافات و امتيازه الجغرافي، ثم يأتي بعد ذلك قوم يضيعون الصلاة و يتبعون أساطير المغفلين؟ …