محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( آراء )
الجمعة 30 يونيو 2017 – 18:02:57
و على امتداد مرحلة تزيد عن نصف قرن من الزمن السياسي لما بعد الاستقلال، الموصوف بالشكلي من قوى اليسار، عرف المغرب محطاتٍ نضاليةً زاخمةً، بدءا من أواخر خمسينيات القرن المنصرم وصولا إلى العشرية الثانية من القرن الحالي، و مرورا، كذلك بمحطاتٍ أخرى أكـثر ضراوة كادت تعصف بالبِنْية الكلية لنِظـامِ الحُـكْم. و خلال تلك “المحطات النضالية” كلها، بدا واضحا أن الصراع كان يحتدم لدى البعض بشأن امتلاك “أدوات السلطة”، لكن ليس باعتبار هذه آلية لإدارة الحكم و ممارسته تحقيقا لوظائف الدولة الأساسية، بل باعتبارها “أداةً عصْرية” لحماية الثروة “المكتسبة” بالنسبة لكثير منهم؛ أما بالنسبة لآخرين، فقد “ناضلوا” من أجل السلطة بالنظر لكونها تقنيةً فعالة تضمن الترقي السريع في مسيرة السطو على الثروة و مُراكمتها بالنسبة لآخرين، هؤلاء أنفسهم سيتحولون مع مرور الوقت خدّاما حقيقيين لـــ”الدولة”، غايتهم “السامية” هي إعـادة تـوظيف السُّلطة لحماية ثرواتهم المنهوبة .
لقد حاولت القوى السياسية، التي كانت توصف بِــــ”الحـيَّة”، التعبير عن إرادة في تحديث أركان تلك الدولة القائمة على أسس فكرية موغلة في التقليدانية، لكنها كانت تفشل كل مرة، تارة بسبب القمع الشديد، و تارات أخرى لأن القوى ذاتها، وقعت في “شِراك” علاقة التَّواد الثُّنائي بين “الثروة” التي تعبِّد الطريق نحو السلطة، و بين”السلطة” التي اعْتُبرت دالة للثروة و لا يجوز، بالنتيجة، “التفريطُ” فيها.
إن الانتفاضة السلمية التي حركها أبناء الريف، و نُعتوا بسببها بــتبني طروحات”انفصالية”، كشفت درجةَ بِدائيَّة المفاهيم الثقافية التي يُدار بها الحكم في المغرب، و اتضح جليا أن المؤسسات السياسية للدولة، ما هي، في حقيقة الأمر، سوى مظاهر شكلية لمطلب “الدولة العصرية الديمقراطية”، و لعل ذلك يُفَسِّرُ حقيقةَ الإفْلاس و البوار الذي انتهت إليه كل الأحزاب السياسية المغربية، كمؤسسات عصرية تقطع الوصل مع مفهوم “القبيلة”، و يُفترض فيها أن تقوم بوظائف “النضال الديمقراطي” لتحقيق برامج سياسية عبر إفراز نخب مؤهلة لتولي مهام الحكم، فالمؤسسات الحزبية لم تظهر للوجود المغربي في سياق تطور تاريخي قطع المراحل و الأزمنة الضرورية لإنتاجها بشكل سليم و تبنيها من قبل المجتمع، بل ظلت صورية على الدوام، بل إن أكثرها عنفوانا لم يحظ إلا بالنزر اليسير من اهتمام الناس؛ و بسبب هذا الإفلاس الذي أصاب الأحزاب، و عجزها البنيوي عن ممارسة وظائف التأطير إزاء منتسبيها، و الاستقطاب العقلاني إزاء الأغيار، فإن تلك الأحزاب استحقت عن جدارة لقب “الدكاكين السياسية” الذي أطلقه عليها نشطاء الحراك الريفي.
إن أزمة البلد الحقيقية، وهي بالمناسبة أزمة قد تفضي إلى العُسْر و الإفلاس غير المتوقع،تكمُن في عدم قُدرة “النُّخَب المثقفة و المُسيَّسَة” على تصحيح المنظور المتراكم لدى العوام و الخواص على حد سواء بشأن مفهوم الدولة و السلطة، و تكمن أيضا في عجز هذه النخب عن صياغة مفهوم فلسفي جديد باستطاعته الإجابة عن التساؤلات الجوهرية التي تهم بالدرجة الأولى ضرورة الفصل بين “السلطة”، كأداة لتحقيق الخدمة العامة، و بين تحقيق “الثروة” كمطلب يلبي الخدمة الخاصة. .