عيد الشغل
عيد بأيّ حال عدت ياعيدُ !
جريدة طنجة – عزيز كنوني ( عيد الشغل )
الخميس 11 ماي 2017 – 14:09:59
وبباب القنصلية الفرنسية، حلت “كوكبة” من “المناضلات والمناضلين” في مركزية نقابية “مؤثرة”، حطت وسط الطريق لافتة عملاقة، تحمل كتابات ملتهبة، ليتهافت أعضاء الكوكبة “الاستكشافية” ذكورا وإناثا، على أخذ صور تذكارية حول اللافتة وقد رسموا شارة النصر V بأصبعي كفهم الوسطى والسبابة، وهي شارة صارت اليوم مبتذلة، لكثرة استعمالها بدون فهم ولا غاية، وقد كانت رمزا للنصر والحرية خلال الحرب العالمية الثانية، في إطار حملة تحريرية ضد النازية انطلقت تحت شعار الـ V الفرنسية من “VICTOIRE ” و الـ Vالإنجليزية من “VICTORY” و الـ V الهولندية من VRIJHEID ومعناها الحرية. وقد انتقلت إلينا عن طريق “وينسطون تشيرشيل البريطاني وشارل دوكول الفرنسي اللذين استعملا هذا الرمز في خطبهما أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.
ولعل تهافت المشاركين في مسيرات عيد الشغل، على استعمال شارة النصر في استعراضاتهم الاحتفالية ، يرمز إلى إصرارهم على تحقيق النصر في معركتهم الحاسمة ضد الحكومة والباطرونا من أجل انتزاع حقوقهم كاملة في التشغيل والتغطية الصحية والاجتماعية ، والزيادة في الأجور، وعدم التراجع عن مكتسبات مدونة الشغل، وتخفيف العبء الضريبي على الأجراء إلى غير ذلك من المطالب العادلة التي أفصح عنها “عمداء” النقابات المشاركة في استعراضات فاتح ماي، هذه السنة، باستثناء الاتحاد العام للشغالين التابع لحزب الاستقلال والذي كان له نظر في موضوع عيد الشغل بعد أن تحقق التصالح داخل ما يسمى بالبيت الاستقلالي وانتقل “الإخوة” من التنابز بالألقاب و”التدابز” بـ “البونية” واللكز، إلى تبادل القبل والعناق ، و “عفا الله عما سلف” !…..
ولقد كان ملفتا الطريقة الذكية التي أدار بها الأمن الولائي سير التظاهرات العمالية، تأطيرا وتدبيرا وتغطية، ما مكن من توجيه المسيرات، في أمن وأمان، نحو مقراتها حيث الخطب الرنانة للقيمين عليها الذين أبلوا البلاء الحسن في فضح “السياسات اللا شعبية” للحكومة السابقة، ــ باستثناء نقابات أخينا في الله والوطن، يتيم الاتحاد الوطني للشغل، الوزير العثماني الجديد في التشغيل والتأهيل، الذي سارع إلى إعلان فتح الحوار الاجتماعي مع الأطراف المعنية، “النقابات ، الحكومة، البطرونا “، وفي ذلك “إدانة صريحة” وعلنية لسياسة فقيد الحكومة عبد الإله بنكيران من داخل بيت الإخوة في العدالة والتنمية، وهو أمر إن لم تسموه “خيانة” ، فقولوا “إنه غدر” أو “خداع” أو”شماتة” أوانقلاب على المبادئ، وانبطاح أمام إغراءات المناصب والكراسي التي لو كان لها أن تدوم لدامت لفرعون وهامان ولقمان الحكيم ، ومن قبلهم، ومن بعدهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
كلمة السر في خطب فاتح ماي، كانت، بلا شك، إدانة السياسة الاجتماعية للرئيس بنكيران التي قامت على “قرارات أحادية ” ، كما يقول النقابيون، لا تراعي الظرفية الاقتصادية والاجتماعية للكادحين والمعطلين، والفقراء والمساكين، قرارات ورث العثماني الكثير من “خيراتها” وتوجهاتها التي قامت، في نظر النقابيين،على انتهاك الحقوق العمالية وعلى تجميد الأجور وعلى تبعية الاقتصاد المغربي للخارج وفق وصفات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي القاضية بضرورة التضحية بالتوازنات الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي لفائدة التوازنات المالية والماكرو اقتصادية .
قرارات الحكومة السابقة أدت إلى الرفع من أسعار العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية موازاة مع “الإصلاحات” التي مست صندوق المقاصة، وصندوق التقاعد، وغيرها من القرارات التي يبدو أن خليفة بنكيران في “البنيقة” المعلومة، وعد بتبني بعضها خاصة فيما يتعلق برفع الدعم عن البوطا والدقيق والسكر والزيت. وسوف يكون ذلك خطأ كبيرا قد يعجل بذهاب ريح البيجيدي الذي يقاوم اليوم ، بجهد واضح، ميكانيزم “التبخر والتصحر” وتلك سنن أمم قد خلت، سادت ثم بادت….. بعد أن تسلط عليها من أهلها من “أفسدوا” فيها ، فحق عليهم القول !
وتلك حكاية أخرى لا نظن إلا أن الرئيس العثماني سوف يعالجها بالطريقة الصائبة السليمة، التي لا تخيب أمل العمال والموظفين والمعطلين والفقراء والمهمشين والمنبوذين، في قدراته على وضع تشخيص “صوفي” للأدواء التي يعاني منها المجتمع المغربي حتى تتحقق العدالة والكرامة للطبقات الشغيلة، وتصان مكتسباتها وتدعم القدرة الشرائية لعموم المواطنين ويتم توزيع عادل للثروة، وتصان حقوق الشغل والصحة والتعليم والثقافة ، والحق في الإضراب ، وتتحسن الأجور وتوجد حلول معقولة ومقبولة لمسألة التقاعد، وتحمى الحريات النقابية ، وتتحقق العدالة الضريبية وعدالة الأجور على خلفية تقليص الفوارق المستفزة بين الأجور العالية والأجور “الدانية”……
وحتى لا تضطر امرأة في سن متقدمة، إلى إضرام النار في جسدها احتجاجا على الحكرة….
ولا تغامر عجوز بتسلق عمود كهربائي لتلفت انتباه الدولة بكل مؤسساتها إلى الظلم الذي تعرضت له في عاصمة دولة الحق والقانون، وحتى لا يعمد خمسيني ، أب لثلاثة أطفال، إلى شنق نفسه بعد طرده من عمله تعسفا دون أن يجد من يستمع إليه وينصفه، وحتى يشعر العامل الكادح والمواطن العادي أنه يعيش في بلد المؤسسات المواطنة القائمة على مبدأ العدل والمساواة وحماية الحقوق والواجبات…. وحتى تنمحي من المغرب الجديد صورة تلك الطفلة دون السابعة، التي تقطع يوميا فوق العشرة كيلومترات، حافية القدمين، تحت المطر، وعلى الوحل، لتصل إلى “كوخ” اسمه المدرسة، بينما يجد ابن الذوات سيارة بميم فرنسية حمراء وسائق في خدمته .
ولا أظن إلا أنه لو سجل “أعوان” العثماني بدقة كل المطالب التي تم الإعلان عنها خلال مسيرات عيد الشغل، والشعارات التي تم رفعها بالمناسبة ذاتها، لطلعت علينا الحكومة الجديدة ببرنامج عمل يستجيب لمتطلبات المرحلة ولرغبات الشعب عامة، ويضع لبنات التنمية المستدامة والإقلاع الاقتصادي الحقيقي، ويضمن الاستقرار والسلم الاجتماعي، خلال هذه الولاية الحكومية والولايات القادمة بحول الله…