“شكرا صاحب فندق لابيرلا وأصحاب سيارات الأجرة والمتاجر والسمك والمقاهي الذين شرفوني بالتحايا والسلام وجعلوا زيارتي للمدينة متاحة بالمجان”.
جريدة طنجة – م.ع ( أهل الرّيف )
الأربعاء 11 ماي 2017 – 12:09:13
لكن عذرا عاطفتي، فكعادتي يزعجني تفكيري، ويستوقفني عقلي، ويستفزني منطقي، ليعكر علي صفو اللحظة، ولذة الإحساس بنغمات التعابير الرنانة، ففي نفس العبارات السابقة تذكرت كذلك المقولة الشعبية الشهيرة “لفقيه اللي ترجينا باراكتو، جانا يشتف ببلغتو”، وهو نفس الفقيه الذي انتقد وبشدة في الأيام القليلة الماضية أحد زملائه في المهنة واصفا اياه ب” أصحاب الخبر مقابل الأغلفة والتقارير مقابل الأظرفة”، فتمنينا لو كان “الفقيه” من غير هؤلاء، فخطابه يزرع الأمل في صحافة مستقلة وتقارير موضوعية تستند للوقائع والمعطيات الدقيقة، المحتكم فيها للعقل بعيدا عن العاطفة، في حفاظ تام على مسافة الأمان التي تربط الصحفي بالفاعلين في الحدث، لكن سرعان ما خابت الظنون وتحطمت الآمال فماذا ننتظر من صحفية “سكنت فندقا، وركبت سيارة أجرة، ودخلت متجرا، و أكلت سمكا، وجلست بمقهى، وجُعِلَتْ (فعل مبني للمجهول) زيارتها للمدينة متاحة بالمجان؟؟!!
للأسف مرة أخرى يتضح أن من يظهر “سفيرا للنوايا الحسنة”، ليس إلا قلما مأجورا لا يمت للموضوعية بصلة، وتنعدم فيه شروط الاستقلالية، ويكون من الغباء البحث في خبره عن مصداقية، فالصحفي النزيه المستقل هو الذي يفرض وجوده باستقلاليته، ويأخذ زاده في رحلته، ليثبت في مواقفه ويسلم خط تحريره، فلا فرق بين من يُوَجَّهُ ب”الأظرفة” وبين من تُصْرَفُ الأظرفة لخدمته وتوجيهه، وليس شرطا أن يوضع المال في جيبك، بل يكفي أن يُصْرَفَ عليك، أم أنك قادر على أن تعض اليد التي أطعمتك (السمك)؟؟؟!!!.
كان وصف “الهاوية” أو “المبتدئة” مذمة في حقك، يزعجك أحيانا، لكنه اليوم شفيعك الوحيد، فإذا افترضنا فيك “حسن النية” كما سبق الذكر -وهو أمر حكمه إلى الله- فقد غابت عنك الحرفية والمهنية، وفشلت في تطبيق أول مبدأ من مبادئ التحرير المستقل، ولم تصلي بعد الى درس أكل الدهر عليه وشرب، وهو وصف الإعلامب”السلطة الرابعة”، السلطة التي استخدمتها الأيادي الخفية في ربوع العالم لتخريب البلدان واختراقها من الداخل، وغلبت عليك العاطفة، “ومشيت في الأرض فرحا” بعدد “اللايكات” والمشاركات ل”تغطيتك الصحفية التاريخية” لطبق فاخر من السمك المقلي.
كنا ننتظر منك، وممن نحسب صدقهم ونزاهتم، النبش في أعماق الحقائق ونفض الغبار عن خبايا الأمور، وكشف المخططات الخفية التي لا تستشعرها العقول السطحية، وتنوير البسطاء وخدمة أهل الريف بكشف أنياب “الذئاب” المتربصة بهم، وتعريفهم بالعدو الحقيقي، الداخلي والخارجي، وأخذ العبر مما آلت اليه الأوضاع في البلدان التي انساقت وراء الشعارات الرنانة والخطابات الحماسية، حتى أصبح الحالِمُ برغد العيش، على غرار من بنوا مجدهم بفلسفة الأنوار وليس بهدم الأسوار، يتمنى لقمة عيش تسد الرمق ومكان امن تسلم فيه النفس، ويُمَنِّي نفسه بشجب من المنتظم الدولي لا يسمن ولا يغني من جوع، وكأن العالم يقول له باللغة العامية “أنت اللي درتيها لراسك”.
لكنّك اخترتَ أخذ “سيلفيات” تُؤَرخ “لمُساهمتك في بنــاء الـوطـن” وصـون مَكــاسبهِ، وتنمية الريف ورفاهية أهله، عُذرا، تمنينا لو كان الأمر كذلك، بل انك اخترت الاستمتاع بمَجــانية الــرحلة وحفاوة الاستقبال، ولما لا، حصد بعض اللايكات واكتساب القليل من الشهرة على حساب أبناء الريف…