تحت شعـار “الشغل نــور والبطالة عـــار” المواطن المغربي لا يحتــاج عيدًا للشُغــل، هو بحـاجـة إلـى من يـرد له هيبته و كرامته كـإنسـان نحتــاج عيدًا للكَـرامة ….عيدا بعيدا عن ثقـافـة التّطبيـل
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( عيد الشغل يطالب بعيد الكرامة )
الخميس 11 ماي 2017 – 12:22:44
لكن، الملاحظ أن عيد الشغل خــلال السنوات الأخيرة أصبح يطغى عليه البعد الدعـائي والإحتفالي، ولم يعد محطة نضالية تهدف لتسليط الضـــوء على وضعية العمال و مُعـانــاتِهِـم.
وما دام عيد الشغل تحَــوّل إلى منــاسبة احتفـالـية، و بـالتــالي لم يعد يضيف شيئـًا لواقع العمالة المغربية، سواء احتفلوا به أم لم يحتفلوا، لذلك، لماذا لا نُحَـوّلــه لعيد للعطالة أو البطالة، لكونها أصبحت تشكل الهاجس الأكبر لدى المجتمع المغربي، على الأقل سيكون هذا العيد فرصة للمجتمع المدني والسياسي لفتح نقـاش عـام لطـرح الحُلـول و الإقتـراحــات العملية للحد من تفـاقـم الظـاهـرة، حتَّــى يسـاهم في تخفيـف العـبء على الـدَّولــة، التي لم تَعُد مُـؤسساتها قــادرة على استيعاب الحشـود الغفيـرة من المُعطّليــــن.
فــإذا وافــقَ العُمّـال على هذا المقترح، سيشكّل ذلك دعمــًا معنويــًا للمعطّلين الذين أنهَكَهم النضــال فـي الشـارع العــام، فمنهم مَن بَلـــغَ مِـن الكِبَــرِ عُتيّـــًا، ومنهم من قضى نَحْبــه، ولم يتحقق حلمه، ومنهم من ينتظر، و منهم من أحـرقَ جسده ومــا بدّلــوا تبديــلاً.. على أمل أن يجـود عليهم القَدَرُ بــوظيفة تُخــرجهم من جحيمِ البطـالـة إلى جَنَّــة العيـش الكـريــم .
كما أن هنــاك مقترح آخر نطرحه على الســادة المشرفين على قطاع التعليم ببلادنــا، وهو أن يضيفوا إلى شعـــار “العلم نور والجهل عار” الذي طالما تردّد على مسامعنا في المراحل الإبتدائية، شعارا آخر وهو: “الشغل نور والبطالة عار”، حتى لا تظل الأجيال الصاعدة منْكبّة فقط على طلب العلم وتنسى طلب الشغل، فيكون ذلك دافعا لها لكي تبحث مبكرا – قبل التخرج- عن العمل بالتزامن مع طلبها للعلم.
ومع انتشار وَبـــاء البطـالـــة في كل مفاصل المجتمع، أصبحت البطـالة مـاركـة مُسجّلَــة بـالمغـــرب، لا تنفصل عن الواقع المعيشي للمَغــاربة، فمـــا من أسرة مغربية إلا ولديها مُعطّل إما عن العمل أو عن الدراسة… وصـــارَ خــــروج جحـافـل المُعطّليـــن المحتجين للشوارع و السـاحـــات العمومية تقليد من التقـــاليد المغربية، لذلك فــإنَّ القـــائمين على التعليم انتبهوا إلى هذا الأمر، فقَـــرّروا مـــواكبة هذا التقليد، فأحدثوا بـرنـامجــًا مُحْكمًا للعطل يُمكّن التلاميذ والطلبة من النّهْل من “ثقافة التبيطيل”، حتى يكونوا مُهيّئين نفسيــًا بعد التخرج من مواجهة عدوتهم اللدودة: البطــالـــة.
وهكذا، ففي كل أسبوع هناك عطلة، وفي كل شهر عطلة، وبعد كل اختبار عطلة، وفي كل موسم عطلة، تُضاف إليها الساعات والأيام المعطّلة التي يساهم بها رجال ونساء التعليم (الإضرابات، الولادات…) ناهيك عن عطل الأعياد الوطنية والدينية… فبالكاد يتعلم التلاميذ والطلبة شيئا، حتى تأتي العطلة “السخية” لتمحو من ذاكرتهم كل ما تعلموه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن القائمين على تعليمنا بدأوا فعلا في تطبيق شعار: “الشغل نور والبطالة عار” لكن بشكل مقلوب… وهذا يُحسب لعبقرية القائمين على نظامنا التعليمي، فهم لم يتركوا أبناء الشعب يواجهون مصيرهم المحتوم دون أن يفكروا في حلول قبلية للتخفيف من المُعــانـــاة النفسية النـــاتجة عن الحرمان من الشغـــل.
وهذه تجربة فريدة في المغرب، لم تتَمكّــن حتَّــى الــدول المتقدمة من الـوصــول إليها، لذلك ما على وزارتي التـــربية الوطنية والتعليم العالي إلاَّ تعميم هذه التجربة غير المسبوقة على دول العالم، من خلال بعث أطـرهـــا لتخصيص حصص ودورات تكوينية في “ثقافة التبطيل”، مقابل عائدات مالية ستعود بـــالمال الوفير على الوزارتين، حتى لا يحرم العالم من هذا الإختراع المغربي الأصيل.
وما دام نظامنا التعليمي وواقعنا العملي قائم على “ثقافة التبيطيل”، فإننا ندعو من يهمهم الأمر إلى تخصيص عيد وطني للبطالة، يكون فرصة لعرض مطالب المُعطلين سَــواء الذين لا يزالون يتابعون دراستهم أو الشبـــاب حاملي الشواهد، وذلك للوقوف على مشاكلهم الإجتماعية والتعليمية الناتجة عن حـرمـــانهم من حَقِّهم في الشُغــل أو حقّهم في التّعـليــم…
شعـور ممـزوج بـالحـــزن و الغضــب وحتَّــى العجـــز و التقصير و الحيــرة و الإرتيــاب وقلب يدمع في الأعماق..
المواطن ببلدنا الحبيب، لا يحتاج عيدا للشغل، هو بحاجة إلى من يرد له هيبته و كرامته كإنسان، كيف نحافظ على الحلم بـإحقــــاق الحق والعدل عندما لا نستطيع أن نوقف النزيف أمام تنامي مسلسلات التنكيل بالمواطنات والمواطنين من احتقار واستصغار وجلد وسلخ قلوب الأمهات والأبناء و الإخوة وأغلبية من الشعب “العادي” تئن في صمت أمام “الحرق” و الإستشهاد ودموع أحبة فقدوا غاليا لن يعود، أو حقا مسلوبا وشرفا ملوثا.
سلام على روح إبراهيم صيكا وعلى روح بائعة البغرير فتيحة وعلى أمينة الفيلالي وآخرين وأخريات سبقوهم على درب مقاومة الحكرة والتسلط التي أزهقت أرواحهم الطاهرة في سبيلها.
كم من ضحايا سننعي ونبكي؟ كم من دموع سنحبس وكم من صرخة سنخنق؟ وكم من كلمة ستوأد؟ وكم من سؤال سيظل بدون جواب؟ وكم من جرح لن يُضمد؟
الحقيقة أضحت ضرورة، وكذا معاقبة المسؤولين والمستبدين بالسلطة، لا بد من تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وذويهم ومن ورائهم هذا الشعب.
إلى متى سنؤجل تكوين القائمين على الأمن على احترام حقوق الانسان؟
إلى متى سنؤجل ورش إصلاح العدالة ونحن نلاحظ تطور “شرع اليد”؟
إلى متى سنؤجل ورش النهوض بالمدرسة العمومية والقيم التي يجب أن غرسها في الناشئة، ونحن نلاحظ الرداءة تتعمم والحقد والعنف؟
إلى متى سندمر المدرسة لأننا نخشى المثقفين؟
إلى متى سنقمع المتظاهرين ونُسيل دماء الأساتذة والمعطلين؟
إلى متى سنسكت عن انتهاك الحقوق والحريات؟
إننا نحصد اليوم مثلا في الحسيمة، ما زرعته قوى التسلط داخل الدولة في هذه المنطقة،لقد انطلقت شرارة الحراك من حادث مأساوي يسائلنا جميعا ويسائل التعاقد المجتمعي وسلطة القانون والمساواة والعدالة الإجتماعية المفترضة.
إن المغرب يُتـابـع من الخـــارج، وكل الانتهـاكــات تـُؤجـج أطمــاع المتـــربصين بمصالح وطننا، لكن ما يجري يجعل الوطن يبدو أشد قسوة على أبنائه، لهذا وجب إيقاف النزيف، والإسراع نحو بناء مغرب الكرامة الإنسانية، مع ما يتطلبه ذلك من قطع مع المقاربة البوليسية الإنتقامية، وإعمال القانون والسعي إلى العدالة والإنصاف.
لا يجب أن يستمر تهديد التماسك الإجتماعي، وتأجيج الغضب وتسميم الأوضاع، في ظل وضع إقليمي ودولي متقلب ومتفجر. فمن يهدد الإستقرار؟ هل هو مَن يحتج من أجل حقه أم مَن يريد إسكات صوت الحق؟
إلى أرواح كل الشهداء وإلى كل مَن يناضل ويؤمن بالحق والعدل كأساس للعيش معا ولبناء المستقبل الأفضل ومن أجل مغرب بدون حكَرة وخيراته لأبنائه وبناته…