اللّعبة والفوضى
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( الكرة و الفوضى )
الأربعاء 05 أبريل 2017 – 10:19:14
•علمـونـا أنَّ الـريـاضة أخـلاق قبل أن تكـون لُعبَـة…
• نحن نُعربد في الميدان كالمَجانين مُقرقبين وتائهين..
• هي غَليان وتجييش وهَذَيــان….
علمونا أن الرياضة أخلاق قبل أن تكون لعبة، وكرة منفوخة بالهواء، ورقعة أرض يتعارك فيها أشخاص يلتزمون بقانون يحدد شروط اللعبة، وحدود الضرب والركل والدفع والإسقاط ثم العقوبات…
وكنا نعرف أن التنافس هو سباق شريف وملتزم لنيل الدرجات والمراتب والصفوف الأولى، وأن اللاّعب يستعمل عقله وكفاءته ودرايته وأيضا علمه في آخر المطاف… وهكذا برز رجال ولاعبون ومشاهير ملؤوا الدنيا وتحدث عنهم الناس كما يتحدثون عن زعماء ونجوم ملكوا الأرض واتسعت أرزاقهم.. كانوا ولا زالوا يتحركون بيننا ويملؤون السمع والبصر ويتداول الناس سيرهم، ويتابعون حركاتهم وسكناتهم، هذا ما استوعبته عقولنا الغضة منذ وعينا الحياة، ولمسنا هذا العشق اللامتناهي للكرة، إلا أن رقعة الأرض الخضراء بعشبها الندي، وأفقها البهي… ومدرجات الهاتفين، المطبّلين، والملوّحين بالألوان غيرت كل شيء وأصبحت المدرجات فوهات مدافع ترمي رقعة الملعب بحمم العصبية، والجنون، وتحولت المساحات المجاورة بمبانيها ومقاهيها، ونواديها، وسياراتها إلى ساحة حرب حقيقية تأتي على الأخضر واليابس، وأخطأ بعضهم الطريق إلى البيت فدهب إلى المعتقل مثقلاً بأحمال ورزايا، ونفس جانحة إلى الشر …
مفعمة بعدوانية كريهة لاتميز بين الغث والسمين… اصطدمت قنـاعـاتنــا بـواقـع فَـج كئيـب يَنضاف إلى رُكــام الخَطـايـا و الشـرور التي نجــر أوزارها حلقات بعضها فــوق بعض، وبعضها يجر البعض… لا أدري ماذا نُسمّي هذه الريـاضة المعتـوهـة ؟ … ولا هذه اللعبة التي لا عقال لها، والتي تبدو بساحتها الخضراء، كأنها فضاء أطلقنا فيه خيول جامحة، أو ثيران ما حقة لا تحمل ذرة من عقل أو أخلاق، ليس هناك فريق بعينه… ولا مباراة بذاتها، ولا جمهور خاص محدد فالمصيبة إذا عمّت هانت، وهكذا تساوى الجميع في التعاطي مع العنف، وظهر أن الكل متشبع بنزعة الشر، تغلغلت النرعة في عقول وذوات قاصرة لم تبلغ الرشد ومع ذلك تتمنطق بكل أدوات العدوان، ووسائل غياب العقل وهي تلج أبواب ملاعب اللعبة، والأباء في سباتهم يعمهون… كل إجراءات الأمن لا تفيد مادامت العقليات ملوثة…
هم يلعبون كرة نظيفة ونحن نعربد في الميدان كالمجانين مقرقبين وتائهين ثم نحسبها بالأرقام، وننفق بغير حساب، وننفخ في أرصدة الأجانب الذين يُهرّبون الأموال ويسخرون من عبطنا وجهلنا وإسرافنا في أمرنا،… فأين الرياضة من كل هذا الهبل الذي يسمونه لعبا… وهو لعب بالفعل والممارسة والتفكير … ترصد له الملايير التي كان الأحرى أن ترصد للفقراء والمحتاجين والتائهين في الأرض، فمادام أن النتيجة في الأخير هي غليان وتجييش وهذيان.. ومادام أن هذا ينتهي بتحطيم كل شيء، ومادام أن الأمر يتكرر في كل مرة… وفي كل مدينة فلماذا هذه اللعبة أصلاً؟! قد نصل إلى مرحلة الفطام يوماً ما… وقد نكتب خُلُقا!…وقد يلوذ القاصرون بمقاعدهم في المدرسة، ويذوب الغوغاء في لجّة العقل والرصانة…. يومها…
عندما نصل سيكون للعبة الكرة المنفوخة فائدة أهمها التعارف والتبادل ثم التنافس، وستكون للرياضة جدواها في تربية الأجيال تربية صالحة تنبذ العنف وتمقته.. وتكره المشاهد الدرامية لكراسي مكسرة.. وسيارات مقلوبة أؤ محترقة، والناس في كل اتجاه يتفرقون بعد أن أصبح الزمام بيد الغوغاء والمشاغبين الغريب أن الجميع استأنس بالوضع، وتعايش معه لدرجة أصبحت معه الفوضى قاعدة لا محيد عنهما في كل المباريات وكأنه قدرنا أن نظل متخلفين نشكو صداعاً مزمنا اسمه الجهل، واسمه التخلف وما يتبعهما وينتج عنهما من أوصاف وتسميات نعوذ باللّه من شرورها عندما تهيج وعندما تهدأ. .

















