محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( متى يتوحَّد العرب بلا قِمم !!؟ )
الأربعاء 05 أبريل 2017 – 11:02:40
لعل تحـقيق الوحـدة العربية كان على امتداد عقود طويلة شعارا مركزيا للقادة العرب، فقبل إعلان تأسيسهم منظـمةً خاصة بهم، و خلال المـشاورات التي أجْـروها لاختيار اسم مناسب لها، تراوحت اقتراحـاتهم الاسمية بين “التحالف العربي” و ” الاتحاد العربي”، و راحوا يهيمون في دروب القومية العربية على هُدىً من نظريات حزب البعث العربي ، حتى صار هؤلاء لا يحلو لهم اسم و لا يزدان أمام ناظرهم وصف أو اسم من أسماء العالمين إلا نسبوه إلى العُرْب و العربية.
مع تأسـيس هـذا الكـائن “الافـتراضي” و إعـلان”جـامعة الدول العربية” اسما له، لم يكف العربان عن اللهث و العَدْوِ وَراء الوحدة العربية، حلمهم فائق الخيال، و استمروا، بعد واقعة التأسيس، في ابتكار ” بِدَعٍ وحدوية” جديدة ما أنزل الله بها من سُلطان، ففي فترة ولاية زعيمهم عبد الناصر مقاليد الحكم في مصر، سارع الــزعيــم، بين عشية و ضحاها، لإبـــرام وحدة مع سوريا باسم “الجمهورية العربية المتحدة”، و قبل أن ترى النور لقيت حتفها و هي مازالت في مهدها؛ و بعد أحداث الأردن، التي انتهت بطرد الفلسطينيين نحو الشام، أعلن الملك حسين، تماشيا مع مطالب الوحدة المزعومة، اقتراحا بإقامة “مملكة عربية متحدة” تضم الأردنيين و الفلسطينيين، و لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزت انفلوانزا “الوحدة” أقطار الشرق و انتقلت صوب شمال أفريقيا، لينخرط معها عقيد ليبيا القذافي في”وحدة سريالية” حالمة مع بلـدان أربـعة، و يعـززها، بين الفيـنة و الأخـرى، باتحـادات “ثنـائية” كـما حـدث مـع المـغرب حين أعـلن معه قيام اتحـادٍ بهلواني سمـّاه عربيا إفـريقيا !.
إن مُغـامرات الأعْراب في صناعة التحـالفات و الاتحـادات، و نقضها بعد ذلك بزمن يسير، تُعَدُّ خصائص مميِّزة لهم بين باقي أمم العـالم و شعوبه، فـقد مـلأت هذه المـغامرات أجواء العالم بضجيجها و جعجعتها دون أن ينتهي الأمر بكيس طحين واحد.
لقد عوّل العرب، وهم يخططون لوحدة سريالية المشهد و الصورة، على اعتقاد راسخ لديهم بأنهم خير أمة أخرجت للناس، و أن خلاصهم من حالة الوهن و التخمة التي أصابت كروشهم، لن يتحقق إلا بهذه الوحدة، كيف لا و جميعهم أبناء لسان عربي مبين ؟ فانطلق الواحـد منهم سابحا في بحور الشعر ممجدا آل عدنان و فضَّلهم على بقية خلق الله من العالمين ؛ لكن الوقائع الملموسة التي لا تكذبها شواهد التاريخ، أثبتت هلامية الأحلام العربية بشأن “الوحدة” و عدم تأسيسها على مستندات تستمد أركانها من التحليل العلمي الشامل، و اكتفائها بفهم بليد للوقائع الاجتماعية و السياسية المُحيطة بواقعهم، و انتهى بهم الأمر شيعا و قبائل متناحرة كما كانت عادتهم على مر العصور و الحقب، و لا يعدم الباحث الدليل الكافي لإثبات هذه الحالة ، فيكفيه النظر إلى ما آلت إليه بلدان “البعث العربي”.
هل يحتاج العربان مرة أخرى لنصف قرن آخر من الزمان ليقتنعوا بأن أحلامهم الهلامية لن يتحقق لها النجاح إلا بالإقلاع عن إدمانهم على خرافة العالم العربي، و الإقلاع من الاعتقاد بأن الشعوب، التي قُدِّر لهم تعريبها باسم الدين، ليست من العربية في شيء؛ أم إنهم سيتابعون عقد”قممهم العربية” المضحكة، فقط لفغر أفواهٍ هرمة تتوسط رؤوسا تغالب سكرات الموت كما حدث في “قمة البحر الميت” ؟ .