أطباء يقسمون أوقاتهم بين العام والخاص …
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( تجارة الطبيب )
الأربعاء 12 أبريـل 2017 – 16:04:18
والحقيقة أنَّ هذا القرارَ لو صَـحَّ العَـزم على تفعيله وإخراجه وهو ما تم التفكير فيه في الوقت بدل الضائع لحكومة تصريف الأعمال جاء متأخراً، فالعلاقة بين القطاعين الخاص والعام تشوبها الكثير من الاختلالات، ويتداخل فيها المادي بالإنساني، وإن كان الدافع لاكثر هو الربح السريع ولو على حساب المصلحة العامة، وصحة المرضى.
أطباء يعتمدون على شهادات طبية ثبت المرض، وتتطلب الراحة ثم إذا بهؤلاء الأطباء يشتغلون في مصحات القطاع الخاص أيام المرض والراحة ـ كما تشهد بذلك الشهادات الطبية ـ وأطباء آخرون يقسمون أوقاتهم بين العام والخاص.. وآخرون يقتطعون من ساعات العمل بالمستشفيات العمومية ليتفرغوا لحالات تطلبهم هاتفيا للمصحات الخصوصية… وآخرون يمثلون دور سماسرة فيرشدون المرضى المنهوكين المحتاجين إلى مختبرات ومصحات بعينها لإجراء تحاليل وصور كان بالإمكان إنجازها في مختبرات وغرف أجهزة الفحص في المستشفيات العمومية، وبذلك يحرقون صورة الطبيب الإنساني المثالي، ليصبح تاجراً وسمساراً ووسيطاً وانتهازيا، وإذا كان من عمل يُؤديه هذا الجهاز الرقابي، وهذه الهيئة المتابعة فإنه لا يجب أن ينحصر في دور المراقبة وضبط الحالات المخالفة فحسب!… ولا في الاحالة على مجالس تأديبية…! فمادام الضرر يلحق بالمواطن في عزً مرضه فيجب أن تكون المتابعة قضائية، لأن الفعل جنائي تترتب عنه أضرار مادية ومعنوية، أهمها الإتجار في مآسي المواطنين ومشاكلهم الصحية، اشكالية القطاع الخاص في مجال الصحة كانت دوما حديث المجالس والرأي العام لما تخلقه من شذوذ، وتعكسه على وضعية المرضى من آثار سلبية تجعلهم فريسة في أفواه كثيرة تتجسد في هذه المصحات المنتشرة في كل مكان والتي لا تخضع أسعارها لقدرة المواطن على الدفع وهي التي تشكل في كثير من الأحيان البديل الاضطراري للمستشفيات العمومية التي لا يلقى فيها المواطن المعاملة الإنسانية التي تحفظ كرامته، ولا التطبيب الضروري الذي تتطلبه حالته وكثيرا ما يرجأ إلى موعد لاحق طويل في زمانه… ثقيل في معاناته فيكون مضطرا إلى اللجوء لعيادة خاصة، ومصحة خاصة، فالحاجة لا تمهل … والصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلاّ المرضى… والأطباء يمثلون النخبة داخل المجتمع… وهم الرداء الإنساني الذي يتلفع به المرضى، فلو زاغت النخبة عن السبيل السوي، وانحرفت طمعا في الاثراء السريع… لتحول الرداء إلى نقمة وشرّ مستطير لا يرحم… ويتسابق المتسابقون للشهرة ولا ستقطاب أكبر عدد من الناس والزوار والمرضى فيبدؤون في نهج سلوكيات ليس لها أي بُعد إنساني أو خيري فيحد دون المواعيد رغم أن حالة بعض المرضى استعجالية ولا تقبل التأجيل…. وأشياء أخرى أستنكف عن ذكرها، وكلها مستقات من اشكالية وعقدة العلاقة بين العام والخاص في مجال الطب والصحة العمومية، وقد آن الأوان لحديث طال مداه كي يخرج للعلن، وأن يعرف القطيعة بين التطبيب خاص أوعام وهو فعل إنساني وبين الشره، والطمع، والسعي بلاهوادة لبناء أو اقتناء فيلا فاخرة في حي راق أن منتزه جميل أو مرتفع يطل على البحر… فما عند اللّه باق وما عند الناس ينفذ، قد يكون كلاماً مبسطا غارقاً في العمومية… وقد يكون حديثا اعتباطيا يكيل الموأخذات والعتاب واللوم حيثما اتفق… وليقل المعنيون بالأمر ما شاؤوا، ولكن لينزلوا إلى القاعدة…. ليستمعوا إلى نبض الشارع، ليفتحوا صدورهم لانات المكلومين والمرضى والمحتاجين، سيجدونه آنذاك حديثا جديرا بالذكر والموعظة والاعتبار، وسيجدون أنه أقل ما يمكن قوله عن المسحوقين على وجه الأرض، وعن الذين يلوذون بالجدران النازفة فلاهم يستطيعون لتكاليف المصحات الخصوصية دفعا.
ولاهم بقابلين إهدار كرامتهم وقتل إنسانيتهم بابواب المستشفيات العمومية، ويحضرني في هذا المجال حادث سيدة من تارودانت كانت تعاني من نزيف في الرحم وقد التجأت إلى مستشفى الحسن الثاني الجهوي بأكادير إلا أنه ثم توجيهها إلى إحدى المصحات الخصوصية رغم أنه كان بالإمكان إجراء العملية في المستشفى، وبعد العملية غادرت السيدة المصحة بتاريخ 28 يونيو 2016، ثم عادت إلى المصحة بعد يومين غير أن الطبيب الذي أجرى العملية، وبعد المعاينة نصح الزوجة بأن تتوجه إلى مركز لالة سلمى لعلاج داء السرطان على أساس أنها تعاني من المرض الخبيث، غير أن التحاليل أثبتت أن السيدة لم تكن مصابة بهذا الداء، وأن ادعاء الإصابة كان تحايلا وتسترا على الخطأ الذي ارتكب خلال العملية الجراحية التي أجريت بالمصحة الخاصة.
وفي المستشفى الجهوي الحسن الثاني ازدادت حالة السيدة خطورة إلى أو توفيت في شهر غشت من السنة الماضية (2016)… تلك عينة فقط مما يحدث مع الأطباء سواء كانوا في القطاع العام أو الخاص… فكم من حادث افتضح؟.. وكم من ملف تمّ كشف ستره وبلواه… وكم من ضحايا ذهبوا تحت مشرط الجراح أو على سرير مستشفى أو مصحة خاصة؟… وكم من تجار يتسترون بلباس الطبيب الإنسان؟… وكم من قصص تروى في هذا المجال هدفها الربح والسعي للاثراء السريع ولنا عودة مع قصص وحكايات يندى لها جبين الإنسانية……