الحكومة الجديدة بالمغرب، صلح الحديبية “حكومة يمينية يسارية وسطية إسلامية شيوعية إشتراكية ليبرالية شعبية موحدة من طنجة للگويرة”
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( الحكومة الجديدة بالمغرب )
الثلاثاء 04 مارس 2017 – 12:59:44
•”حكومة يمينية يسارية وسطية إسلامية شيوعية إشتراكية ليبرالية شعبية موحدة من طنجة للگويرة”، بهذه الكلمات نعلّق على تشكيل الإئتلاف المشارك في الحكومة الجديدة بالمغرب بقيادة رئيس الحكومة المكلف، سعد الدين العثماني..
البداية كانت عند عبد الإله بنكيران، والذي تم تكليفه بتشكيل الحكومة عقب فوز حزبه “العدالة والتنمية” بالإنتخابات البرلمانية الأخيرة والتي حصل فيها على 125 مقعدا من أصل 395، حيث أصر على استبعاد أي حزب يساري من التشكيل الحكومي قاصدًا الإتحاد الإشتراكي.
وطيلة خمسة أشهر مضت دخلت مشاورات تشكيل الحكومة غرفة الإنعاش، لاسيما بعدما توسعت رقعة المعارضة لتشبث بنكيران بموقفه، حيث أصر حزبا التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، وهما من الأحزاب المشاركة في الحكومة المنتهية ولايتها على ضرورة مشاركة الإتحاد الاشتراكي في التشكيل الحكومي الجديد، وهو ما رفضه بنكيران بصورة قاطعة.
بنكيران برًر أكثر من مرة رفضه مشاركة الإتحاد الإشتراكي في الحكومة “بالدفاع عن كرامة الشعب والمجتمع المغربي”.
بنكيران كان يرى أن بإمكان الأحزاب الأربعة التي كانت تشكل الحكومة السابقة تشكيل الحكومة المقبلة، في ضوء نتائج الإنتخابات الأخيرة، وهي العدالة والتنمية (125 مقعدا في مجلس النواب)، والتجمع الوطني للأحرار (37 مقعدا)، والحركة الشعبية (27 مقعدا)، والتقدم والاشتراكية (12مقعدا)، وبإمكان الأربعة تغطية العدد المطلوب للتشكيل (198 مقعدا).
و قد برّر أكثر من مرة رفضه مشاركة الإتحاد الإشتراكي في الحكومة “بالدفاع عن كرامة الشعب والمجتمع المغربي”، مؤكدًا أن “الشعب اختار العدالة والتنمية لكي يكون منه رئيس الحكومة”، ومن ثم “لا يمكن قبول أي تصرف يخل بهذا الدور الذي كلفني به الشعب وجلالة الملك محمد السادس”.
واستمر السجال بين رئيس الحكومة المكلف وبقية الأحزاب الأخرى الداعمة لمشاركة الحزب اليساري، إلى أن تدخل الملك محمد السادس لإنهاء هذه الأزمة التي رأى البعض فيها تهديدًا لاستقرار المملكة وإساءة لصورتها في الخارج، وذلك بعدما أستقر في يقينه أن بنكيران لن يتزحزح عن موقفه.. فماذا فعل؟
العثماني بديلا لبنكيران
وفي السابع عشر من مارس، استيقظ المغاربة على خبر تكليف الملك لسعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، بتشكيل الحكومة، في مفاجأة أثارت الجدل داخل الحزب الحاكم، لكنها قوبلت بأريحية وترحيب من قبل الأحزاب الأخرى.
استهل العثماني صاحب الشخصية التوافقية الهادئة كما يلقب بين الأوساط السياسية بالمغرب، تكليف الملك بالتأكيد على ضرورة مشاركة الجميع في الحوار، ملفتًا إلى أن سياسته في تشكيل الحكومة ستعتمد على ثقافة التعاون والتوافق مع باقي الأطراف السياسية والمجتمعية”، وأن الوطن لن يرتقي ويسمو إلا بالتعاون وبالشراكة، وبالفعل وبعدة 9 أيام فقط من توليه المنصب ينجح رئيس الحكومة المكلف في اختيار الإئتلاف المقترح لتشكيل للحكومة المقبلة.
الغئتلاف المقترح لتشكيل الحكومة الجديدة يضم الإتحاد الاشتراكي، بجانب حزب العدالة والتنمية، التجمع الوطني للأحرار، الإتحاد الدستوري، الحركة الشعبية والتقدم والإشتراكية
سرعة استجابة الأحزاب لمشاورات العثماني مقارنة بما كانت عليه مع بنكيران طيلة 180 يومًا تشير إلى أحد أمرين: الأول: ضغوط ممارسة من الملك على تلك الأحزاب للاستجابة الفورية لمشاورات تشكيل الحكومة الجديدة مع رئيس الحكومة المكلف، الثاني: تعمد تلك الأحزاب عرقلة المشاورات مع بنكيران في محاولة لإسقاطه والسعي لتغييره وهو ما ترجم بشكل عملي من خلال سرعة التفاعل مع العثماني..وفي الحالتين رائحة المؤامرة تفرض نفسها بقوة.
شخصية بنيكران التي نجح طيلة السنوات الماضية في ترسيخها على أرض الواقع من خلال العمل على تقوية حزبه الإسلامي وما تبعها من شعبية كبيرة، تزداد يومًا بعد يوم، لم تلق قبولا لدى المخزن “الدولة العميقة” بما فيها الملك والقوى السياسية الأخرى، ومن ثم التقت رغبة الأحزاب المعرقلة للتشكيل الحكومي مع ميول الملك نحو التخلص من بنكيران ليتم الإطاحة به تحت زعم دفع عملية التسوية السياسية للأمام والإسراع في تشكيل الحكومة، وهو ما كان بالفعل.
وفي غضون أسبوع أو يزيد قليلا ينجح رئيس الحكومة الجديد المكلف بالتوصل إلى تشكيل توافقي لقى استحسان جميع القوى والأحزاب السياسية الأخرى في مفاجأة أثارت العديد من التساؤلات ورفعت من منسوب ترجيح تعرض بنكيران لمؤامرة.. فما هي ملامح الائتلاف الذي نجح العثماني في التوصل إليه لتشكيل الحكومة المقبلة؟
في الوقت الذي انشغل فيه الشارع السياسي المغربي بكيفية عبور العثماني – الذي أكد التزامه بالثوابت الوطنية لحزب العدالة والتنمية- مأزق مشاركة الأحزاب اليسارية في الحكومة الجديدة، وهو السبب الرئيسي الذي عرقل تشكيل الحكومة طيلة الأشهر الخمسة الماضية، وبات التشكيل الجديد الرقم الأبرز في بورصة التخمينات والتوقعات السياسية.
و فوجئ الجميع بإعلان رئيس الحكومة المكلف عن تشكيل ائتلاف يضم ستة أحزاب وذلك للمشاركة في الحكومة الجديدة، ليسدل الستار على 1500 يومًا من التعثر والسجال، لكن يبدوا أن هناك مفاجأة ربما تكون صادمة للبعض.. ما هي؟
الإئتلاف المقترح لتشكيل الحكومة الجديدة يضم الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بجانب حزب العدالة والتنمية، وأحزاب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، وقد برر العثماني هذا الاختيار بقوله إن: التسريع في تشكيل الحكومة أملته الإرادة الحازمة لتجاوز العقبات التي حالت دون تشكيلها خلال الشهور الماضية.
العثماني تعهد في تصريحات صحفية له بالعمل مع القادة السياسيين زعماء الأحزاب الست المختارة بشأن المشاورات المتعلقة بهيكلة الحكومة الجديدة وتوزيع الحقائب الوزارية على أعضائها قبيل العرض على محمد السادس لاعتمادها رسميًا.
وبالرغم من التركيبة المتباينة للائتلاف الذي وقع الاختيار عليه، إلا أن رئيس الحكومة المكلف أكد عزمه على أن تكون العناصر المختارة منسجمة فيما بينها، مستجيبة لتطلعات الشعب المغربي وآماله وطموحاته، فهل حققت هذه التركيبة آمال حزب العدالة والتنمية؟
حالة من التوجس والريبة انتابت بعض عناصر حزب العدالة والتنمية عقب تكليف العثماني بتشكيل الحكومة، لكنها ارتقت إلى حد القلق عقب الإعلان عن ائتلاف التشكيل الجديد للحكومة المقبلة، والذي جاء مناقضًا تمامًا لنهج بنكيران، وهو ما يشي بوجود حالة من الإنقسام داخل الحزب.
المحلل المغربي عبد الرحيم السليمي عكس هذا الإنقسام الحزبي من خلال ثلاث صورة، الأولى: ظهر فيها العثماني أمام الإعلام محاطا بثلاث قيادات من الحزب، كل قيادة تمثل تيارا مختلفًا، تيار العثماني وتيار بنكيران وتيار التوحيد والإصلاح، ما يشير إلى حالة من الصراع والتنافس بين التيارات الثلاثة.
الثانية: مراقبة حركة التوحيد والإصلاح التابعة للعدالة والتنمية لمضمون التكليف الدستوري ومساراته المحتملة، أما الصورة الثالثة: تولي مصطفى الخلفي منصب الناطق الرسمي باسم “رئاسة الحكومة المكلفة”، فالأمر يتعلق بإحداث منصب بدون أساس قانوني والخطير أنه منصب حزبي يُفرض على رئيس حكومة مكلف دستوريا في محاولة لتطويقه، حسب رأي السليمي.
صورة العثماني أمام الإعلام محاطا بثلاث قيادات من الحزب، عكست حالة الصراع والتنافس بين تيارات سياسية مختلفة.
وفي المقابل هناك من يرى أن ما فعله العثماني كان مجبرًا عليه، ومن ثم فلا يمكنه التمسك بما تمسك به خلفه بنكيران، والتصميم على رفض مشاركة الاتحاد الاشتراكي في التشكيل الحكومي المقبل، وإلا سيلاقي نفس المصير، وهو ما يهدد مستقبل الحزب سياسيًا.
أنصار هذا الرأي يميلون إلى واقعية اختيارات العثماني، خاصة بعد أن استقر في يقين بعض قادة الحزب أن إصرار الحزب اليساري على المشاركة في الحكومة ليس من باب المناورة السياسية، بل هو ترجمة واضحة لأجندات بعض الدوائر والقوى التي تتحكم في الخارطة السياسية المغربية، ومن ثم فإن الصدام معها ربما يكلف الحزب خسائر لا يمكن تعويضها مستقبلا، وهو ما جاء على لسان أحد قيادات الحزب بأن السياسة لابد وأن يكون بها تنازلات.
لحسن الداودي عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية قال في تصريحات له إن حزبه يتبنى مبدأ تغيير الأحكام بتغيير الأمكنة والأزمنة، ملفتًا أنه بعد تغير الظروف، وبروز مستجدات بالمشهد السياسي، كان لابد أن يتأقلم الحزب مع هذه المستجدات.
يبدوا أن التبريرات التي ساقها الفريقان حول التشكيل الجديد للحكومة ليست هي كل شيء، فهناك العديد من الأمور التي لم يطلع عليها أحد، فالطريقة التي سُلب بها حق بنكيران في تشكيل الحكومة، ورد فعله حيالها، وتلميحاته السياسية الضمنية، تشير إلى أسرار ربما لم يحن الوقت للاضطلاع عليها.. فماذا قال ؟ وماذ لم يقل؟
“دبرنا المرحلة في إطار منهجيتنا بصدق الخطاب والوضوح والصراحة، لكن هذا لا يعني أنني قلت لكم كل شيء، أو أنني سأقول لكم كل شيء، هناك ربما أشياء سآخذها معي إلى قبري ولا أستطيع أن أقولها إطلاقا”.. كانت هذه الكلمات ملخص ما قاله بنكيران خلال كلمته في مؤتمر اختيار وزراء حزب العدالة في الحكومة الجديدة بمقر الحزب بالرباط.
بنكيران تابع: “ولكن قلت لكم ما كنت أتصور أنه يجب أن أقوله، واتخذنا قرارات بشكل جماعي، وأعيد شكركم لأنكم وقفتم معي وساندتموني إلى النهاية حسب تقدير كان خاصا بي”، وأختتم بقوله: لنا خصوم حاولوا أن يتغلبوا علينا لأنهم كانوا يضنون أن نتائج 2015 ستتراجع بنا، وحاولوا التدارك في 2016 ولم يتمكنوا، وفي النهاية النصر من عند الله، بعد ذلك جاء التعيين الملكي ودبرنا المرحلة في إطار منهجينا بصدق الخطاب والوضوح والصراحة”.
كلمات بنكيران تعكس العديد من المؤشرات لعل أبرزها ممارسة بعض الضغوط عليه إما بالتنحي عن تشكيل الحكومة أو بقبول مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي، كذلك تصديه للمحاولات التي تستهدف حزبه عبر بعض الخصوم الساعين إلى تقويض الحزب من شخصيته الإسلامية.
إلا أنه وفي الوقت نفسه حرص على عدم الإفشاء عن هذه الأسرار حفاظًا على تماسك حزبه أولا، ثم على استقرار المجتمع المغربي بصورة عامة، وهو ما دفعه لاختيار الرحيل عن الحياة السياسية، عبر بعض التلميحات كما جاء على لسانه: “أنا لن أكمل معكم اللقاء وسأذهب ولا يجب أن تلتفتوا لذهابي، أنا لازلت معكم ومساندا للعثماني وسأبقى أمينا عاما حتى المؤتمر وسأقوم بعملي”، معتبرا ذلك بأنه “تحضير لفراق لابد منه” وفق تعبيره.
التباين في المواقف حيال الحكومة المشكلة لاشك وأنه سيلقي بظلاله على الشارع السياسي المغربي، خاصة فيما يتعلق بنظرته للحزب ذو الميول الإسلامية والفائز في الانتخابات الأخيرة.. فهل تتأثر شعبية العدالة والتنمية بهذا التشكيل الحكومي الجديد؟
مصطفى يحياوي: العثماني لن يستطيع أن يكسب أي شعبية كما فعل بنكيران، وربما يتسبب في إضعاف شعبية العدالة والتنمية خلال الولاية المقبلة
” بنكيران خُذل والعثماني سيتسبب في إضعاف شعبية البيجيدي” بهذه العبارة علق المحلل السياسي مصطفى يحياوي على الائتلاف المشكل للحكومة الجديدة، مشيرًا أن بنكيران طيلة رئاسته للحكومة كان يعمل من أجل تقوية حزبه وزيادة شعبيته وهو ما نجح فيه بالفعل.
يحياوي في تصريحات له أكد أن العثماني لن يستطيع أن يكسب أي شعبية كما فعل بنكيران خلال توليه رئاسة الحكومة السنوات الماضية، ملفتًا أنه ربما يتسبب في إضعاف شعبية العدالة والتنمية خلال الولاية المقبلة، وأن الحزب لن يكون بعد 2021 بنفس الزخم الشعبي الذي كان عليه في 2015 و2016، وذلك بسبب عدة مواقف ستساهم بلا شك في تراجع شعبيته منها، ضبابية موقفه من الإعتقالات التي طالت شبيبته على خلفية مقتل السفير الروسي، كذلك تخييبه ظن مناضليه بسبب عدم محافظته على الحد الأدنى من ماء وجه بنكيران، وذلك عبر قبوله دخول حزب الاتحاد الاشتراكي للحكومة.
حالة من الزخم شهدتها مواقع التواصل الغجتماعي منذ الإعلان عن الإئتلاف الحكومي، حيث دشًن نشطاءن هاشتاج تحت عنوان “صلح الحديبية” استنكروا من خلاله التبريرات التي ساقها رئيس الحكومة المكلف، سعد الدين العثماني، وأنصاره المؤيدين له، لضم الإتحاد الاشتراكي في الحكومة الجديدة.
عموما فإن تشكيل الحكومة الجديدة ضرورة باتت تفرض نفسها بقوة، لاستمرارية الحياة السياسية بالمغرب و السير قدما نحو أمل آخر في مستقبل أفضل …