القروض الإستهلاكية بين الإقتراض للحاجة و هوس الترف و البهرجة
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( القروض الإستهلاكية )
الخميس 30 مارس 2017 – 14:34:56
عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، تبدو إحدى الشركات الخاصة بمنح القروض الإستهلاكية خالية من الزبائن وموظفوها يشتغلون في هدوء تام، لكن ما إن مرت بضع دقائق على تواجدنا بها حتى بدأ الزبائن يتوافدون عليها، وعجت قاعة الإستقبال بالحركة لتمتلئ عن آخرها بزبائن مفترضين، الكل ينتظر دوره، ولكل حكايته وأسبابه الخاصة التي دفعته إلى اللجوء إلى هذه المؤسسة كحل أخير بعد أن نفذت كل الحيل لتوفير المصاريف دون الإلتجاء إلى هذا الباب الذي يرى فيه البعض مصيدة توقع محدودي الدخل في شراك دوامتها التي لا تنتهي.
في الجهة المقابلة لنا بدأت بعض النساء بتبادل أطراف الحديث، وكل واحدة تحكي بصوت منخفض عن المشاكل التي تواجهها في كل مرة تلتجئ فيها إلى هذا الخيار الإضطراري .
فاطمة، البالغة من العمر 52 سنة، واحدة من عشرات النسوة اللواتي يتحدثن بصوت منخفض عن سبب وجودهن بهذه الشركة، تقول لصديقتها الجديدة التي تعرفت عليها هناك، “لقد اقترضت من هذه الشركة خلال السنة الماضية حوالي 5 مليون، وتم الإتفاق معي على أن أدفع كل أول شهر 2000درهم، لكنني لم أستطع تسديد المبلغ المتفق عليه، نظرا لكثرة المصاريف وكذلك لارتفاع أسعار المواد الغذائية، وبعد مرور حوالي ثلاثة أشهر على الإقتراض، تلقيت اتصالا هاتفيا من طرف الشركة تخبرني بأنه يتوجب علي دفع المبلغ في الوقت المحدد، و إلا وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية.
وتضيف بعد أن تغيرت نبرة صوتها،”لا أستطيع دفع هذا المبلغ راه بزاف عليا”، في إشارة إلى أنه لو كانت هناك امكانية لتخفيض المبلغ إلى 1000 درهم فستتمكن من الدفع في الوقت المناسب ودون إثارة المشاكل.
الرهان على الأعياد
تكثّف شركات القروض الاستهلاكية والأبناك من حملاتها الدعائية، لترويج منتوجاتها، عند كل مناسبة إجتماية أو دينية، و ما أكثرها في بلادنا، حيث يتوصل زبناء بعض الأبناك برسائل عبر خدمة الهاتف المحمول بعروض للسلف لشراء أضحيات العيد، و مصاريف رمضان و عيد الفطر، و الدخول المدرسي إلخ إلخ …، ومنها عرض سلف بثلاثة آلاف درهم، مقابل أداء ما قيمته 290 درهما في الشهر على مدى أحد عشر شهرا، أو مبالغ أخرى تصل حتى سبعة آلاف درهم، وهو العرض الذي يقبل عليه عدد من الزبناء، فيما يتخوف آخرون ويفضلوا تدبير أمورهم بعيدا عن الإقتراض لأن لهم “سلفات” سابقة لم يتم دفع مستحقاتها كاملة.
وبهذا الخصوص يرى محللون اقتصاديون أن اقتراب الأعياد بشكل خاص، يشكل مناسبة سانحة لشركات التمويل لغزو اللوحات الإشهارية التي تساهم في جلب أكبر عدد من المواطنين الراغبين في الإقتراض.
ويبقى القاسم المشترك بين هذه اللوحات هو إغراء المواطنين ذوي الدخل الضعيف والمتوسط بقروض مناسبة وخالية من أية فوائد على أنها قروض مجانية، وذلك لتمويل مشترياتهم، فهذه اللوحات الإشهارية يبقى خطابها متواصلا طيلة السنة، من خلال عدد من المناسبات كالدخول المدرسي والأعياد الدينية والعطلة الصيفية وحلول شهر رمضان وغيرها من المناسبات التي تحتاج خلالها الأسر المغربية إلى مصاريف إضافية لتغطية نفقاتها.
و يؤكد إطار بنكي بإحدى شركات القروض الموجهة للإستهلاك، أن القروض المجانية لا أساس لها من الصحة، بل هي مجرد إغراء وهدية مزيفة. وكشف هذا الإطار عن أن هذا النوع من القروض المسماة مجانية لا يخلو من فوائد.
صعوبات التسديد
ترى سعيدة أن القروض الإستهلاكية تكون في بعض الأحيان ضرورية، لأنها تساعد على تجاوز الأزمات المالية، لكنها سرعان ما تتحول إلى عبء مادي كبير، خاصة عندما يتحول الإقتراض إلى عادة و تتحول الضرورة إلى ترف.
وأضافت بأنها لن تجرؤ على الإقتراض من جديد بسبب العجز الذي أصبحت تعانيه بسبب ارتفاع مديونيتها التي مازالت تؤدي ثمنها غاليا منذ سنوات، حيث إن الإقتطاعات تؤزِّم وضعيتها الإقتصادية.
وأكد مسؤول بإحدى شركات التمويل بطنجة، أن معدل القروض التي تواجه صعوبات في الأداء أصبح يمثل حاليا ما بين 18و20 في المائة من إجمالي قروض الإستهلاك الجارية، وهي نسبة مرتفعة، يضيف المسؤول نفسه، تفرض اتخاذ تدابير استعجالية، والحسم في بعض الخيارات المطروحة.
تمديد أجل الأداء، تخفيض الفائدة.. عروض تسيل لعاب الزبناء، خاصة ذوي الدخل المحدود، وبالأخص في فترة المناسبات يقول عبد الكريم: «أنا هنا لأني أمر من وضع مادي وعائلي خاص وإذا لم أقترض فلن أوفر مستلزمات بيتي و مصاريف أطفالي، مهما بلغت نسبة الفائدة،لا يكون الأمر مهما أبدا، فالغاية تبرر الوسيلة.
هوس الإقتراض
“أقترض من بعض المؤسسات الخاصة بـ “السلف” كي أقتني جميع مستلزمات المنزل” هكذا استهل رضوان حديثه، ففي كل مناسبة يلجأ فيها إلى الإقتراض لأن “المانضة” لا تكفيه لسد حاجيات البيت، لقد اقترض خلال شهر رمضان الماضي حوالي 6000 درهم، من أجل اقتناء مستلزمات هذا الشهر الذي ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، ثم أتى الدخول المدرسي و كبش العيد…..
لزم الصمت لبضع دقائق ثم استطرد قائلا “راه الوقت صعابت، والمصاريف بزاف علينا”، عبارة رغم بساطتها فهي تبين حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، فلا يمكن أن يمر شهر بأكمله دون أن يقترض مبلغ معين .
ويضيف رضوان، إن ارتفاع متطلبات المعيشة هي التي تدفع غالبية الأسر إلى الإرتماء في أحضان القروض الإستهلاكية، دون التفكير في العواقب لأنه ليس هناك بديل.
ويوضح أن هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها إلى الإقتراض، لأنه كلما حلت مناسبة أو عيد ديني إلا ووجد نفسه يقف أمام شباك إحدى شركات القروض الإستهلاكية من أجل الحصول على “سلف” يخرجه من ورطته، لأنه لا يعقل أن شخصا لديه مسؤوليات اتجاه أسرته يجد في رصيده حوالي 300 درهم، بسبب الإقتطاعات المتكررة، لذا يجد نفسه مضطرا إلى أخذ سلف آخر من أجل مواكبة هذه الظروف.
لكن المقلق في الأمر هو أنه في بعض الأحيان لا يجد المال اللازم لتسديد مستحقاته، مما يجعله يفكر في اقتراض مبلغ من شركة أخرى لدفع مستحقات الشركة الأولى و بالتالي يعيش في دوامة لا تنتهي أبدا ..
الشباب والنساء أكثر الباحثين عن قروض الترف
الطب النفسي: إدمان «قروض الوجاهة» سلوك اجتماعي سلبي
يعزو الطب النفسي إدمان شرائح واسعة من أفراد المجتمع وخاصة الشباب و النساء طلب الحصول على قروض “ترفيه” بغرض الوجاهة، إلى الرغبة في إشباع عقد نفسية ومعالجة خلل نفسي دفين بالشعور بالنقص في المظهر أو المستوى الإجتماعي.
وحذر اختصاصي في الطب النفسي من العواقب الوخيمة على المجتمع جراء تفشي ظاهرة الإدمان على القروض التّرفية التي تدفع إلى السقوط في متاهة الديون، وما ينتج عنها من اضطرابات نفسية تزيد من ضغوط البحث عن حلول لها بالإنتقال من بنك لآخر ومن قرض لقرض، إلى أن تقع الكارثة بالتعثر عن السداد ومن ثم يتحول السلوك إلى عنف وسرقة وربما انتحار عندما يتعرض هذا الشخص للسجن بحكم القانون الذي لا يرحم.
ويشير الدكتور أيمن أبو هاشم، اختصاصي الطب النفسي، إلى أن تزايد ظاهرة الإقبال على طلب القروض الشخصية التّرفية خاصة من قبل الشباب والنساء، يعكس بعداً نفسياً لهذه الشريحة من الأفراد التي قد لا يكون هدفها في الحقيقة هو القرض، بقدر ما يكون وسيلة لإشباع رغبة دفينة لعلاج خلل نفسي.
وقال إن شراهة الإنفاق الاستهلاكي على أشياء كمالية مثل شراء سيارة فارهة أو تغيير أثاث المنزل بشكل مستمر أو شراء ساعة أو حقيبة أو إكسسوارات بأعلى الأسعار، تشير إلى أن الدافع وراء هذه التصرفات هو رغبة الشخص سواء شاباً أو فتاة، في إثبات أنه متميز عن الآخرين من خلال إبراز إمكانياته المادية.
وأوضح أن هذه الرغبة تعكس خللا نفسياً قد ينشأ عن عدم رضا الإنسان عن شكله أو تكوينه الجسماني مقارنة مع أقرانه، أو الوضع المادي لأسرته، محذرا من أن اللجوء إلى الإنفاق التّرفي والإقتراض، ليس حلا لهذه المشاكل بل أنه يزيد منها ويرسخ العقدة والشعور بالنقص، بما يدفع لشراهة الشراء بصورة أكبر.
وأشار إلى أن الوصول لهذه المرحلة يحول هذا الشخص من مقترض إلى مدمن بما يقوده إلى البحث عن حلول أكثر كارثية عبر التنقل من بنك لآخر وقرض لقرض، الأمر الذي ينجم عنه في النهاية عواقب وخيمة مثل الإضطراب النفسي الشديد والقلق وعدم النوم.
ويلفت الدكتور أيمن أبو هاشم إلى أن الدراسات العلمية أثبتت أن هذا السلوك يتحول تدريجياً إلى سلوك مؤذي للمجتمع مع بداية اختمار بعض الأفكار الشريرة في ذهن هذا الشخص، مثل لجوئه إلى السرقة والإعتداء على ممتلكات الآخرين والتهور في القيادة و المخدرات، وربما التفكير في الإقدام على الإنتحار.
وينبه إلى أنه على الرغم من وصول العديد من أصحاب هذا السلوك إلى نقطة اللاعودة، إلا أن اللوم لا يجب أن يقع على الشخص وحده، بل يقع في البداية على الأسرة التي فشلت في تهيئة هذه الشخصية أن تصبح شخصية سوية رغم ما يصيبها من عوامل خلقية قد تشكل عبئاً نفسياً عليها في المستقبل.. ..