بنكيران والدرجة القصوى من الابتزاز
جريدة طنجة – م.العمراني ( “بنكيران ” )
الخميس 02 مارس 2017 – 12:57:06
إنَّها لعبة الابتزاز التي يتقنها جيّدًا..
لا بأس من العودة قليلا إلى حراك 2011، عندما التقط بنكيران حساسية السياق السياسي التي كانت تجتازه البلاد، وأصدر بلاغه الشهير برفض حزبه المشاركة في التظاهرات المطالبة بالإصلاحات الدستورية ومحاربة الفساد..
بنكيران سوّق قراره وكأنه رافض للدخول في أي مجازفة، قد تقود البلاد نحو المجهول، لكن حقيقة الأمر أن موقفه من حراك 20 فبراير كان ابتزازا مقنعا للدولة من أجل الإمساك بمقاليد الحكومة..
وكان له ما أراد!..
ما يدفعنا إلى هذا الاستنتاج هو موقفه المتناقض من حراك الشارع، فمرة يكيل له أبشع النعوت، ويصف المشاركين فيه بالغوغاء والمغامرين بمستقبل الوطن، ومرة أخرى لا يجد غضاضة في التهديد بعودة الربيع العربي، ولعل قولته الشهيرة “الربيع العربي مزال كيتسارى، ويلا رجع يعلم الله شنو غادي تكون التداعيات ديالو…” أبلغ دليل على إتقانه القفز على المتناقضات…
ويبدو أن بنكيران استحلى هاته اللعبة، خاصة وأنه طيلة الخمس سنوات المنصرمة، التي قضاها برحاب المشور السعيد، أصر على انتهاج أسلوب استهداف جميع الفرقاء السياسيين، وإجبارهم على الخضوع لنزواته وأوامره، وكل من تجرأ على مقاومة جبروته، فتهمة التخندق في جبهة الفساد جاهزة لإشهارها في كل لحظة، وتقديم نفسه في موقع الضحية والمظلوم الذي يتعرض لمؤامرة نسف مشروعه الإصلاحي!…
وحيث أن تقديرات الدولة كانت تنحو في اتجاه التغاضي عن هفواته، وفي بعض الأحيان عن حماقاته، أخذا بعين الاعتبار حرصها على توفير شروط ترسيخ الخيار الديمقراطي، و تعزيز مقومات دولة الحق والقانون، فإنها كانت تراهن على أن يتخلص بنكيران من جبة زعيم الحزب، ويتصرف كرجل دولة مسؤول عن تدبير شؤون المواطنين، والدفاع عن مصالح البلد..
لكن اتضح أن زعيم المصباح سيظل وفيا لأسلوبه المفضل، وصار يتصرف وكأنه زعيما له شعبه الذي يناصره، ويستقوي به لفرض عنترياته وحتى نزواته…
بعد انتهاء ولايته الأولى، وفوزه الغير قابل للجدل في استحقاق 07 أكتوبر، انتظر الجميع أن ينتصر بنكيران لمنطق رجال الدولة، الذين يضعون مصالح البلد العليا فوق أي اعتبار، لكن حدث العكس تماما…
لقد زاد إصراره على تحويل نصره الانتخابي إلى مدخل لتمكين جماعته من مفاصل الدولة، وفرض سلطته على الجميع. و من أجل تنفيذ مخططه، لم يتردد في اللعب على كل الحبال، وخلط الأوراق، ولو كانت على حساب مصالح العباد والبلاد..
فبنكيران الحاصل على مليون و600 الف صوت من أصل 20 مليون هم في سن التصويت، نصب نفسه ناطقا باسم الشعب المغربي، في ضرب لأبسط مقومات الديمقراطية التي يتباكى عليها عند كل مناسبة يجد نفسه محاصرا، وعاجزا عن تنفيذ مخططاته الهيمنية…
فكيف لمن حصل بالكاد على 6 في المائة من أصوات المواطنين، الذين هم في سن التصويت، أن يعلن نفسه وصيا على الشعب المغربي؟…
بنكيران يعتبر تفاوض الأحزاب، والدفاع عن مصالحها، وفق ما تقتضيه أعراف المشاورات الحكومية، إهانة للشعب المغربي، فالشعب بالنسبة لبنكيران هو حزب العدالة والتنمية وحزب العدالة والتنمية هو الشعب..
والحال أن بنكيران هو من أمعن في إذلال الشعب و إهانته بقراراته التي استهدفت قدرته المعيشية، والإجهاز على مكتسباته التي ناضل من أجلها طيلة عقود، وقدم في سبيلها التضحيات الجسام…
بنكيران حينما رفع سعر الماء والكهرباء، وحينما حذف الدعم عن المواد الأساسية، وحينما فتح قطاع الصحة في وجه رأس المال الباحث عن الربح، وحينما نفض يده عن التعليم العمومي، وحينما فرض على المواطنين تكاليف إصلاح صندوق المقاصة، إلى غيره من القرارات، لم يكن حينها يعتقد أنه بقراراته تلك إنما يهين الشعب المغربي؟!…
الأفظع من ذلك، أنه لم يتردد في مهاجمة الفئات العريضة من الشعب المغربي كلما خرجت للاحتجاج، مكيلا لها أقذع الأوصاف، متهما إياها بخدمة لوبيات الفساد، التي تتآمر عليه لإسقاط حكومته!..
اليوم فقط، وعندما قررت الأحزاب أن تقول له: “كفى، ويجب عليك أن تتفاوض بما تمثله من وزن انتخابي، ولن نسمح لك بفرض وصياتك علينا..”، أخرج من جيبه فزاعة الشعب، وكأنه رهن إشارته وطوع يديه، ولا ينتظر إلا الضغط على الزر لتخرج الحشود إلى الشوارع، مطالبة بتمكين بنكيران من الحكم والحكومة!!..
بل لم يتردد في التلميح بطريقة لا تخل من تهديد، أنه مستعد للقيام بمراجعة خط الحزب ومنهاجه، في إشارة إلى التخلي عن نهج الاعتدال والجنوح نحو التطرّف…
لم يعد هناك مجال للشك أن عبد الإله بنكيران مر إلى الدرجة القصوى من الابتزاز!..
وهو اليوم يقود البلد نحو الباب المسدود، عن سبق إصرار وترصد، ولا مانع لديه من هدم المعبد على الجميع إذا لم ينصاعوا لأوامره ونزواته….