محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( “اللّفظ المُفيد” )
الخميس 30 مارس 2017 – 15:14:43
لعـلَّ الواحـد مـنا ألِف سـماع مصطلحات من هذه الطـينة، بالمجـالس العـامة كمـا في المنتديات الخاصة، أحيانا في سياقات جدية و أخرى هزلية و ساخرة، لكن أكثر المصطلحات السياسية التي نالت حظها الوافر في خطابات السياسيين و المتطفلين السياسيين في وسائط الإعلام المختلفة هو مصطلح “الاستثناء” و مشتقاته، فلا يخلو خطابُ مُتحدِّثٍ من الإشارة إلى حـالة البلد الاستثنائية، و كيف أن شعبه يمرح في “استثنائيته” و يستمتع أثناء ذلك بركـوب مـوج البـحر الممتد على ضـفتين، و التهـام الفواكه الجـافة و الرطبة في صحنين، و الإفطار بزيت و بيضتين، و الغـذاء بأسـماك من صنفين، قبـل العشاء بطبقٍ يضمُّ من اللحم شريحتين اثنين.
مواطنون كثر، عاشوا تلك المرحلة الممتدة من أواسط ستينات القرن الماضي إلى نهايتها، ولا شك أن دارسي القانون العام و رجـاله يعلـمون الكثير عـما تعنيه حـالة الاستثناء كوضع قانوني أو كحالة سياسية، و ما ترتب عن إعـلانها، من آثـار بليغة على حـياة الناس، فقد انتُهكت حـقوقـهم و سُلبت حريتهم باسم حماية الأمن و النظام العام، وتلك قصة أخرى ذات شجـون و حكايةٌ خَلَت لياليها من المجـون و طـغى عليها حـال الجنون.
الآن، بعد “استفحال ظاهرة الحـرية”، و انفراط عِقْد أيـامِ الانتهـاك القمـعية، “انخـرطت” الممـلكة في أيـام بحـرها “الزاهـية” و عـهد عصورها “الذهبية”؛ فقد مهدت،كـما يبـدو، لهذه الحـالة بفـضلٍ مما قدَّمت هيئةُ “الإنْصـاف و المصـالحة”، و بِعَـوْنٍ من نظريـة “العـدالة الانتـقالية”؛ فانتقل الجمــهور، بالنتـيجة، من وضْـع الحـبس و الاعتقال إلى حـالة السّـراح و الانشراح.
هكذا إذن، تشكّلت في البلد حـالةُ اسْتثناء حقيقية، لا يُشبهها أيٌّ من الأيام الخالية و لا يُضاهيها عصرٌ من العصور البالية. لقد أدرك الجمهور غاية الحرية ، لكن فهمَه إياها اتَّسَم بالقصور و غياب الإدراك الواعي لطبيعة هذه الغاية التي تُعَدُّ مطْلبا ساميا ناضلت الشعوب و الجماعات في سبيله، فقد اعتقد الناس في سلوكهم اليومي اعتباراُ لوعيهم الجماعي،و بِتَعَدُّدِ طبقاتهم، أن “ممـارسة” الحـريةَ في حياتهم اليومية هو التعبير الأمثل عن رفض الانضباط لقواعد القانون و النظام و لم يعتقدوا قطُّ بأن الممارسة السليمة لهذه الحرية المبتغاة ينبـغي أن تخضع للقانون، بالمفهوم الشامل لجميع القواعد السلوكية ، الاجتماعية و حتى الطبيعية.
ربما، انطلق الناس، بسبب هذا الفهم الغبي لمفْهومِ و مَنْطوقِ الحرية، نحو ممارسة عشوائية لها، و هكذا صار مألوفا في “مجتمعاتنا البدائية” أن خرق القانون يعادل الحرية، و لذلك لا يستغرب أحد من الجمهور حين يرى بأم عينه كيف أن مُلْـتَحياً، ملتزماً بلباسه “الشرعي”، يقف بعربته الثلاثية في مكان ثُبِّتت فيه علامة منع يفوق قطرها قُطرَ عجلة شاحنة، و كيف أن هذا الملتحي”المؤمن” بقضاء الله و قدره يستعمل هذه العربة لبيع “اللحم المشوي” على الفحم، و كيف يستعين لتأمين إنارته الليلية بمولِّد كـهرباء يعمل بالبنزين القابل للاشتعال؛ و كيف أن سائق عربة الأجرة يقف قاطعا طريق العامة آخذا راحته و هو يتـفاوض مع زبنـائه، أو يُتِمُّ معهم معاملاته المالية، أو يُقِلُّهم نحو وجهة قد يجهل ناحيتها !
لقد تحدّث الوليد ابن رشد عن الحرية و اعتبر أن الانسان قادر على فعل الجيد من الأفعال و السيء منها من خلال قدرته و إرادته، لكن هذا السلوك،حسب صاحب “التهافت”، وجب أن يكون مرتبطا بأوليّات وضرورات، مثل قوانين الطبيعة، و لذلك لا يمكن رؤية فعل الإنسان حراً أو مقيداً بشكل مطلق، فسلوكه، المُسند بحرية الاختيار، يقترن حتما بالقدرة و الإرادة معاً، و مرتبطٌ بقوانين الطبيعة التي خلقها الله..