محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( السياسات الأمنية )
الأربعاء 22 مارس 2017 – 11:55:39
قد تكون ندوة طنجة لــ “السياسات الأمنية” نقطة انطلاق الأبحاث و الدراسات حول موضوعة “الجهوية” بامتداداتها المختلفة، الأمنية و غير الأمنية. و هذا، دون شك، اختصاص أصلي يعود للجامعة و كلياتها، فالسياسة الأمنية لا يمكن أن تنتقل إلى “الجهوية” إلا بإشاعة ثقافة الجهوية، بمضامينها المنوعة، في اتجاه مأسستها اجتماعيا.
الواضح أن مداخلات “الندوة الوطنية” قد كشفت، بصورة لا تقبل الطعن، مدى ضحالة مفهوم الجهوية لدى النخب الفكرية القائمة، التي يُنتظر منها التنظير لجهوية متقدمة.
لقد عجز أغلب المتدخلين، ممن يُصنفهم الجمهور في دائرة “الضباط” الكبار، عن ملامسة صلب الموضوع و جوهره بمهارة الأمني أو بخيال الأكاديمي، فظلت تلك “المحاورات” حبيسةً للمألوف و أسيرةً للمبتذل من الأفكار، لكنها رغم ذلك حازت “اهتمام” الحاضرين. و في المقابل، لم ينتبه أحد إلى أهمية ما نطق به “ضباطٌ” من درجـة أدنـى حـينما تحـدَّثوا عن فوارق قائمة بين ثقافات الجهات، وكيف أن جهل ضباط الأمن بِـها قد يكون سببا في “اصطدامات” مجَّـانية لا تُعْـطي، بالضَّرورة، صورة مُنــيرة عن سياسات أمْـنية عــاقلة.
لعل داعي عدم الانتباه، من قبل الجمهور، لمداخلات “جهويةٍ” تكتسب الدّقَة و تَحْضَــى بالـرجحـــان في ميزان العقل، عائد، في اعتقاد النبهاء، لــ”ثقل المركز الوطني” الحاضر، و “رهافة المركز الجـهوي”، ما كشف مدى الضعف و الوهن الذي تعانيه الثقافة الجـهوية في مملكة تضم جهات و جهات.
إن العائق “الــلامــادي” الذي قد يقف أمـام رجُــل الأمن حـائـلاً دون اكتساب الثقافة الجهوية هو إيمانه بالشِعار المَركَـزي الّـذي يـوشـح زيـه النظـامي، فهـو يعتبر أن ثلاثية “الله،الوطن، الملك” مرجعه الأول و الأخير، وبالطبع فحمولة الشعار لا تتماشى مع مفهوم الجهوية المتقدمة، على الأقل من زاوية اجتهاد رجل الأمن، فهو يعتبر نفسه مؤهلا للدفاع عن دين واحد هو الاسلام، في وطن واحد يمتد من هنا إلى الكويرة، وطبعا عن للدفاع عن ملك واحد هو محمد السادس.
لعَلَ أهم ما وَردَ في “تدخلات المركز” هو ما جاء على لسان رئيس المكتب المركزي للأبحاث، فالضابط السامي الخيام عكس آية عريقة، فبدل أن ينظر المفكرون لينفذ الحاكمون، فقد حدث العكس، إذ أصبح الخيامُ منظرا لهؤلاء المفكرين و مرجعا نظريا لهم، فقد نبه في خطبته أن الإجرام، في شقه المادي، من اختصاص ديوانه، لكن شقه الإيديولوجي يقع حتما في دائرة الاختصاص الموضوعي لـ”ديوان المفكرين”.
لعل تصريح “الخيام” بشـأن وظيفة تعود، من جهة الوجوب، لهؤلاء المفكرين، و دعْوتَه “مثقفي” الكليات و الجامعات لاقتحام دائرة النّزال الأيديولوجي مع دُعاة الإرهاب، يشكّلان بالنسبة لهم مُحفِّزا “مركـزيا” بغاية شحْذ أدَواتٍ “جـهوية” طـالها الصدأ كـما يبـدو، فقد اتخذوا الثقافة و السياسة، و العهدة على أبي حيان التوحيدي،”… معيشةً و مَكْسَبةْ، ومَـأْكَلَةً و مَشْربةْ، فصار ذلك كَسورٍ من حديد أمام طُلّاب الحِكمة و المحبّين للمعرفة”، و من يدري؟ فلعل محاضرة الضابط “المركزي” تصبح يوما ما نظرية في الأمن و سياساته الجهوية و في الضبط و توجـهاته الوطنية..
















