مصطفى البقالي الطاهري
جريدة طنجة – مصطفى البقالي الطاهري ( اللّغة الضاد )
الثلاثاء 07 مارس 2017 – 17:13:30
إننا نقصد بالحرب الشرسة الحرب الموجهة ضِدَّ لسان النّبي محمد ﷺ من طرف الفرنكفونية و الصهيونية العالمية ، و هي أكثر شراسة و شدة و عدوانية من جميع الحروب التي مرت .. و ترمي بالأساس إلى القضاء على هذه اللغة المقدسة التي استطاعت أن تستوعب كلام الله و التي اختارها الله لتكون لغة يوم القيامة و التي تمكنت من توحيد أمة كانت عبارة عن شردمة مجهولة مشتتة هنا و هناك ، غارقة في جهالتها و تخلفها ..
و بفضل عقيدتها و لغتها تمكنت من أن تحل محل أصحاب الأوثان و أصحاب عبادة النار و أصحاب عبادة الصليب في كثير من البقاع و جاءت كمبشرة و ليست كمستعمرة و أقامت حضارة فرضت وجودها على جميع المستويات حتى غدت اللغة العربية لغة العالم لا يمكن الدخول إلى علم إلا عن طريقها فكانت اللغات الأخرى تقترض منها الكلمات و المصطلحات و يكفي في هذا المجال الرجوع إلى معاجمهم لنرى ذلك بالواضح و لو أنهم أحيانا يقلبون الكلمة قلبا للتضليل عن مصدرها و لكنهم لا يفلحون .
إن الغرب المنافق ذو الوجهين و ذو المكيالين يعلم أن قوتنا في ديننا و في لغتنا ، لذا فإنه منذ أمد بعيد و هو يستهدف هذين العنصرين و يركز أكثر على لغة القرآن لأنه بدونها لا يمكن معرفة مضمون الرسالة التي نحملها نحن جميعا للبشرية ..
لذا كانت فرنسا الاستعمارية كلما استعمرت بلدا عربيا إسلاميا إلا و بدأت بمهاجمة لغة القرآن و بالعمل على حذفها من المحيط الاجتماعي و تثبيت لغتها الاستعمارية في جميع الميادين حتى تجعل الإنسان يشك في قدرة لغته على مسايرة العصر و ترسخ في ذهنه أن اللغة الصالحة و القادرة هي اللغة الفرنسية التي لا يتجاوز عمرها أربعة قرون كلغة و التي يطلق عليها النبهاء في فرنسا باللاتينية المزورة ، لقد تمكنت هذه السياسة من خلق طبقة مسلوبة الإرادة ( مسحورة ) ضالة ، هائمة ، لا هوية لها أصبح رمز تقدمها و تميزها هو إبراز لسان ليوطي ، و قد وصل بهم الحمق إلى الحديث مع بعضهم البعض و مع أولادهم بلسان الذي كان يسميهم ب ” الجنس الوسخ ” و الذي علم مبدأ ” جوع كلبك يتبعك ” و هم يفعلون هذا ضدا على الحديث بلسان الرسول العربي الأعظم ﷺ .
إن الليوطي الذي يحتفظ بتمثاله الآن في ساحة القنصلية الفرنسية بالبيضاء كان أخطر عنصر في محاربة دين الوطن و لغة الوطن فقد عمد هذا الاستعماري إلى تمزيق هذا الوطن بإصداره ظهير سماه بالظهير البربري ليعزل فئة كريمة مجاهدة عن الشعب المغربي كي ينقض عليها ، و ليتمكن من ذلك أبعدهم عن أحكام الشريعة و أوهمهم بأن لديهم تشريعاتهم الخاصة و طبق عليهم ذلك في انتظار إبعادهم عن العقيدة .
في إطار هذه السياسة يقول الكاتب الاستعماري مارتي : في كتابه مغرب الغد : ص 241 : ” كل تعليم عربي و كل تدخل من قبل الفقيه و كل ظاهرة إسلامية يجب محاربتها بصرامة تامة ” و في كتاب ” عمل فرنسا في المغرب فيما يخص التعليم ” يقول كودفيري دمنبير : ” من الخطر أن نترك كتلة ملتحمة من المغاربة تتكون و لغتها واحدة و أنظمتها واحدة ، لا بد و أن نستعمل لفائدتنا العبارة ” فرق تسد ” . إن وجود العنصر البربري هو آلة مفيدة لموازنة العنصر العربي “. و يقول أيضا : ” يجب أن تقوم الفرنسية لا البربرية مقام العربية كلغة مشتركة و كلغة للمدنية ” .
هذه هي المبادئ التي كان يومن الاستعماري ليوطي و هي التي طبقها في مغربنا و قد كان لذلك أثر كارثي ما زالت انعكاساته شاخصة إلى الآن في وطننا و يكفي زيارة بعض المناطق في الأطلس لتشعر بمدى خطورة الجريمة المرتكبة من طرف الشيخ ليوطي و مريديه.
إن الاستعمار الفرنسي لا يكتفي بقطف الثمار بل إنه يعمد إلى قلع الشجرة بجذورها أي القضاء على هوية الأمة المتمثلة في دينها و لغة قرآنها ..
لقد أوحى الشيطان لليوطي بأن يخلق لاتباعه و مريديه مدارس يكون فيها الحواريين للمستقبل همهم الوحيد خدمة مصالح فرنسا مجردين من أي حب للوطن يرددون صباحا مساء ( عاشت فرنسا ) .
إن الخطة المرسومة من طرف شيخ الفرنكفونيين بالمغرب ، أتت أكلها و بدأنا نلمس كثرة المريدين الذين تنخرهم عقدة النقص و عقدة الأجنبي .. و بدأنا أيضا نسمع من يقسم أن لا يكون هناك تعريب و أن التعريب سيرجع بنا إلى العصور الوسطى بل بدأ الحاكمون لا يجدون حرجا في الحديث مع بعضهم البعض بلغة هذا المستعمر مفضلين ذلك عن لغة الرسول الأعظم ﷺ التي هي لغة جميع المسلمين بل إنهم يتصيدون الفرص ليظهر بعضهم مفتخرا يتكلم هذه اللغة العجيبة المحتضرة المسماة باللاتينية المزورة يتكلم و كأنه يخرج الجواهر من فمه .. يا له من استيلاب و من لا وطنية و من ضلال مبين ..
إن فاقدي الإرادة و الهوية إن تمادوا في هذا النهج فإنهم إن شاء الله سيحققون السكتة اللغوية ثم تتلوها السكتة القلبية التي بشر بها أصدقاء الفرنكفونية..
إن سياسة ” التفيكرين ” تعدت النخبة إلى الغير فإذا الناس أصبحوا مهووسين يحلمون بأن يصبح أبناؤهم يتكلمون اللغة المهزومة و المقتصرة على ضعاف النفوس ، فتجد الناس و بدون خجل يتكلمون مع أبنائهم بلغة ” فريري جاكو ” متباهين و كأنهم يصنعون حسنا علما أن هذه الفعلة الشنعاء لا نجدها عند الشعوب الحرة مثل شعب تركيا و شعب غزة و سوريا ، لا أذكر اسبانيا و فرنسا و ايسلندا و الدنمارك و أمثالها ..
إني أسأل المستلبين في هذا البلد ، هل رأيتم يوما فرنسيا أو أنجليزيا أو هولانديا أو .. أو .. يتكلم مع ابنه في منزله أو في الشارع بلغة أجنبية غير لغته الرسمية ، و هل في هذه الدول تجد اللغة الرسمية مكتوبة تحت لغة المستعمر أو مستبعدة كما عندنا .
إن هذه الدول حينما كتبت دستورها و قررت و اختارت اللغة الرسمية لم تكن تمزح و تضحك على الدقون بل احتضنت لغتها و تمسكت بها و طورتها و جعلتها لغة الاجتماعات الوزارية و لغة الإدارة و لغة الجامعات و لغة المحيط و لم تتذرع و تتهرب قائلة : إن لغتنا لا تساير العصر و أنها صعبة و تفتقد للمصطلحات و أنها لغة العصر الوسيط ..
هذه التبريرات مصدرها ذلك الشيخ شيخ الطريقة الليوطية .
إني سأرد على المستلبين انطلاقا من دولة صغيرة لا يتعدى عدد سكانها ثلاث مائة و خمسين ألفا تلك هي ايسلاندا .. في هذه الدولة لا يقول حكامها لغتنا ضعيفة متخلفة لا تساير العصر بل أسسوا للغتهم أكاديمية و عملوا على تطوير لغتهم و وصلوا إلى حد نبذ الكلمات المتشابهة في اللغات الغربية و خلقوا لها مقابل عن طريق المرصد اللغوي و أدخلوا لغتهم في كل مجالات الحياة دون عقدة نقص و دون عقدة الأجنبي .
إني أقول لعبيد الفرنكفونية إن عصر الفرنسية قد انتهى و الآن هو عصر الإنجليزية و الإسبانية كلغات أجنبية ، أما العربية لغة الرسول الأعظم و لغة المسلمين جميعا فهي لكل العصور لصيقة بشخصيتنا و عنوان لهويتنا و لا يمكن التفريط فيها لأنها لغة مقدسة كانت تخرج من فم أعظم إنسان بشهادة أذكياء الغرب و لأنها لغة أعظم كتاب و هو القرآن الكريم .
إن المناداة بإعطاء اللغة العربية حقها لا تعني التقوقع و جهل اللغات الأخرى .. فالمسلم عليه أن يعلم أن الغرب لما كان في حاجة إلى علمنا تعلم لغتنا و لما تمكن ترجم ما لدينا إلى لغته و طور ذلك إلى أن أصبح على ما هو عليه الآن ..
لذا يكون شرعا تعلم اللغات الأجنبية لنتعلم ما لديهم و نترجمه إلى لغتنا و أول لغة نشجع على تعلمها اللغة الإنجليزية لأنها لغة العصر و التقدم و هي اللغة المعتمدة عالميا و إذا بقينا متمسكين بلغة ليوطي الغريقة سنكون كالغريق الذي تمسك بغريق .
لنشجع أبناءنا على تعلم اللغات الأجنبية مع احترام اللغة الرسمية تفاديا للسكتة اللغوية التي تأتي قبل السكتة القلبية .
و على الدولة أن تقوم بما تقوم به الدول إزاء لغتها الرسمية و تبدأ بالقضاء على عقدة النقص و عقدة الأجنبي و ترفع راية التحدي باستعمال لغة دستورها في جميع مجالات الحياة كما تفعل تركيا و سوريا و إسرائيل الغاصبة و تعمل على محاربة التسيب اللغوي و المزايدات الفتنية التي حملتها لنا مدرسة ليوطي الاستعمارية ..
علينا أن نتحدى و نتصدى للحرب الشرسة الضروس الموجهة ضد أجمل و أعرق و أقدس لغة تلك هي لغة أعظم رسول .. و لغة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) و جدتنا السيدة : فاطمة الزهراء ابنة رسول الله ﷺ و لغة أمنا عائشة (رضي الله عنها ) و لغة العادل الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فاتح بلاد الفرس و القدس و لغة الإمام مالك الذي نتشبت نحن بمذهبه .
إن كلامنا نوجهه للعقول النيرة الواعية بخطورة الاستعمار الثقافي الذي تفهمه جيدا فرنسا التي تواجه المد الانجلوساكسوني و التي بسبب ذلك أصدرت قانون 1994 المتعلق باللغة الفرنسية الذي يمنع الحديث بأية لغة أو لهجة أخرى وطنية كانت أو أجنبية غير اللغة الفرنسية حفاظا على وحدة فرنسا و تقدمها بل ركزت اللغة الفرنسية في جميع مجالات الحياة ، و لم تترك مجالا لأية لهجة أو لغة محلية لتزاحم اللغة الرسمية الوحيدة و هذه هي فرنسا ذات الوجهين يخاطبنا عبيدها الفرنكفونيين بوجه و هي تطبق في بلدها الوجه الحقيقي النافع لهويتها و تقدمها رغم أن الفرنسية أمام الانجليزية لا شيء رغم فضفاضتها الصورية .