هل انغرست في أعماقنا بذور العدوانية؟
جريدة طنجة -م.ب.س ( “شذرات” )
الأربعاء 08 فبراير 2017 – 18:30:45
• هل تتساوى الأزقة المعتمة مع الحدائق الفيحاء ما دام أن الخطر كامن جاثم في كل الأركان ؟
• لقد تحول المجتمع المغربي إلى مجتمع عدواني أراد من أراد وكره من كره..
الاختلالات تتطور فتنقلب إلى مرض وإلى وباء، وإلى واقع مفروص يعيش في كل مكان، ويتربص بنافي كل الزوايا ثم اقتحم الفضاءات الترفيهية والمنتزهات فأشاع الخوف والرعب وامتنع الناس عن ارتياد هذه المنتزهات أو أخذ أبناءهم إليها فهاجس الأمن أكبر من الرغبة في الاستجمام. فهل أصبح لزاما علينا الانقطاع عن قصد هذه الفضاءات؟ فهل تتساوى الأزقة المعتمة مع الحدائق الفيحاء مادام أن الخطر كامن جاثم في كل الأركان؟…
الغريب أن نرى فتية صغار يسيرون على نفس الدرب يمارسون ألعابا غير بريئة، ويتداولون ألفاظا منحطة ويتفوهون بشتائم رخيصة استقوها من قاموس الكبار، عدوانية مبكرة تلقوها في مدرسة من سبقوهم… فهل صحيح أننا أصبحنا عدوانيين؟ وهل صحيح أننا نربي الناشئة على عدوانية ابتكرناها ودعمناها بأساليب؟…وممارسات آليات ومعدات
لقد رأيت أبا يعطي ابنه جحرا ليقذف به كلبا مسالما ينبش في قمامة بحثا عن رزقه، ورأيت رجلا في يوم ممطر يربط حصانا ينقل به سلعا، ويتركة تحت سياط الأمطار ولسعات الجوع، أليس هذا شرا مستطيرا ضد بكماء خرساء … فهل هذه العدوانية طبع أصيل فينا أو طبع مكتسب؟ وهل نحن عدوانيين بالسليقة أم بالتزبية والممارسة؟
لقد رأيت يوم الأحد 29 فبراير 2016 سائقي سيارتان للنقل السري يتشاجران وبشكل عنيف مستعملين أدوات حادة، ورغم تدخل شرطي مرور كان موجودا بعين المكان (شارع مولاي عبد الحفيظ) ورغم مابذله من جهد لفض الاشتباك وتفريق الجمع المحتشد للفرجة فإنه لم يفلح كما أن سائقي السيارتين لم يعيراه أي اهتمام أو انتباه ولم يستجيبا لتدخله ورجاءه بل ولم يكن لوجوده أي اعتبار أو أهيبة. هذا خلافا لما كنا نراه سابقا حيث كان سائق سيارة النقل السري يغادر المكان، ويفر بجلده بمجرد رؤيته لشرطي المرور فأين الأمس من اليوم؟…
وأين هيبة الماضي مع ميوعة الحاضر؟ وأين الرجل مع الرجل؟ وكيف نعود بالأيام المشرقات إلى زمننا البئيس الحالي؟
وكيف نتجاوز اكفهرار حياتنا التي سرق بهجتها لصوص الليل، وعناكب الظلام؟
وكيف نعيد البسمة الصافية إلى الوجوه الشاحبة الخائفة؟
ليس قدرنا أن تتصف فئة منا بالعدوانية… وليس قضاء ولا قدر أن نزل ونطغى، وأن تتجبر طغمة فينا فتنحرف وتسوقنا إلى ظلمات بعضها فوق بعض، فلم يكتب علينا الإله أن نولد مشوهين، أو أن نخرج من بطون أمهاتنا أنصاف بشر أو شياطين يحملون سيوفا ويلوحون بخناجر ومدي وسلاسل وأغلالا. وفاقد الشيء لا يعطيه فالبيت يضم أميين وجهلة والمدرسة تجمع موظفين لامربين كادوا أن يكونوا رسلا.
وأخيرا نصل إلى الشارع المدرسة الكبرى التي تفرخ الرذيلة وترعاها وتنميها وترسخ عدوا نيتها وتجعلها فوق القانون، وفوق الأخلاق، وفوق الضمير، وفوق الدين، وفوق الأعراف.
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نفى هذه القدرية عن صيرورة البشر، وأكد أن المولود كل مولود يولد على الفطرة، وكل مولود يسير على دين آباءه، ومن ثم على أعراف مجتمعه. وحين انغرست في أعماقنا بذور العدوانية ثم كراهية الآخرين كنا نضع أسس مجتمع اختلت موازينه، وتداعت أركانه وكرس لثقافة وأعراف جديدة لم نعهدها من قبل لا في المكان ولا في الزمان.
وقدتنبأ مربون واخلاقيون بميلاد عالم جديد متناقض في سلوكياته، طبعا ظلت بعض المجتمعات المتقدمة متشبعة بتقاليدها وثقافتها وموروثها الحضاري والتاريخي كحقوق الأنسان، والمساواة بين البشر وعدم التمييز على أساس الأفضلية أو الاعتبار في الدين والعرق والجنس واللون واللغة، إلا أن بعض الأنظمة السياسية ولاعتبارات حزبنة أو انتخابوية أو مصلحية انحرفت لبعض الدرجات في سلم المساواة إلى درجات أخرى في سلم التفرقة والتمييز، وهو ما يتضمنه البرنامج الانتخابي لدولاند ترامب بشأن المهاجرين والذي بدأ تنفيذه بجارته المكسيك ـ وقد أشرت إلى ذلك قبل تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ـ ثم الدول العربية والاسلامية السبعة التي حرم مواطنيها من زيارة أمريكا رغم التأشيرة وبطاقة الإقامة والسؤال الملح والمفجع سيظل قائما يهيمن على حياتنا، ويقض مضجعنا سؤال الآن واللحظة والظرفية فهل نحن عدوانيين أصلا أو عدوانيين تربية ونشئة؟
طبعا لسنا أصلاء في الإنحراف ولا عدوانيين بالفطرة كما أسلفت، ومهما كان الحال … فقد تحول المجتمع المغربي إلى مجتمع عدواني أراد من أراد وكره من كره. ولا علاج إلا بإصلاح الأرضية وتقويم السلوك.. وترسيخ وفرض الطمأنينة.
وقديما قال الحكماء من الأباء والأجداد: “حاكم ظالم ولا رعية سائبة” وفي هذا القول ما فيه من ذلالة وحكمة تكمن في مضمونه …
إعداد .مصطفى بديع السوسي