محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( الحَراك الاجتماعي!! )
الثلاثاء 14 فبراير 2017 – 12:23:16
الاحتجاجات والمظاهرات و المسيرات، صارت شيئا مأْلوفا في أنْحاء البلد، أمام أبواب الولايات، كما قبالة دور النيابات والمحكام، بل حتى أمام مظاهرة أخرى، “صديقة” أو “معادية” !
واقعُ التظاهرات والاحْتجاجات هذا، يُسميه الناشطون في السياسة “حِراكاً”، بِكَسْرِ فائه، و الرجوع إلى “مُعجم المَعاني الجَامِع” يفيد، في باب تعريف الكلمة، أنها اسم يفيد معنى الحركةُ، ويضيف المعجم قائلا إن الحَراك هو كلّ مظهر من مظاهر النَّشاط .
يبدو أن الفعل الذي اشْتُقّ منْه هذا الاسم المصدر، هو حرك الثلاثي، لكنه في واقع الأمر يفيد شيئا أكثر ضراوة ،”حراك حقيقي”، يبلغ في بعض الأحوال درجة احتجاز “الحراكيين” رجل أمن أو سلطة، و في مناسبات أخرى غير سعيدة ينْقَلُ “رجال المخزن” على عجَل إلى مَصالح المستعجلات لتلقي التضميد بعدما أن يصيبهم وابلٌ من سجّيل، في معارك يتعامل فيها الحراكيون مع المخزن كما تعامل الله مع أبْرهة الحبشي !
شعارات المُحتجين تكاد تتشابه، فهي، وإن اخْتلفت دوافعُها، اتّحدت في كونها مطلبيةً، فجميع المحتجين يطالب، بعضهم بالشغل والصحة ، وآخرون بالسكن والرفع من الأجور، وبعضهم بالتعليم العمومي، وآخرون بالحماية و الدعم، وغيرها من المطالب المنوّعة، و بالإضافة إلى التوحُّد في خاصية “المُطالبة” و إعْداد المَلَفّات المطلبية، فهم يتحدون أيضاً في كون مُخاطَبهم الوحيد هو المخزن ذاته ولا أحد غيره.
و رغم أن اسم “المخزن” تداوله المغاربة منذ قرون خلت، و أفرد له علماء التاريخ و السياسة و القانون صفحات من مصنّفاتهم و أبحاثهم، فإنه احتفظ، رغم ذلك، بشكله الهلامي و صورته الضبابية، تلك الصورة التي تعني كل شيء و لا تعني شيئا، و يظل المخزن، في مخيلة الجميع، ذلك الكائن الأسطوري القادر على صناعة المُعجزات و حلِّ المُعضلات و جميع المُشكلات.
هذه الحقيقة، ترسَّخت،كما يبدو، في ذهْن الجميع بسبب أن “المخزن”، فرّج الله كُربته، كان على الدوام يعاني من عِلَّة مُزمنة اسمها “الريع”، اتخذها منهاجــًا لسياسة عُنـوانهـــا الــــرئيس هو “الضرب”، أحيانا بتوجيه العصي و الهَراوات نحو الظهور، و في أُخْرى بتوجيه ” لَكَماتٍ موجعة” نحو “بطون” البعض، و بدل اشتغال دولة المخزن على تنفيذ سياسة غايتها بلوغ العدالة الواقعية و تحقيق التنمية الفعلية، عملت على “تطوير” أساليب الريع و طرقه، وعبْر الزمن، انتقلت العدوى إلى الجميع، وأضْحى الكل يرى في “المخزن السعيد” تلك العَيْن التي لا تنْضبُ ، و هكذا أصْبَح الجميع يقْتاتُ من ريع “المخزن”، أحزابا و نقابات وجمعيات، جماعات و وِحْــداناً، بل إن الشعب، بأطيافه، أضحى مرتبطا بالريع.
و “الريع”، وفق تعريف المختصين، دخلٌ دوْري، لكنه غير ناتجٍ عن عمل بل عن “دُفعات مُنتظمة مُتأتيةٍ عن مِلْكية “، و التعريف ذاته يُقرُّ بأن الريع تطور مع تعدُّد أشْكال ظهـوره، إلا أنه حافـظ دوما على خاصية كونه ناتجاً عن غير عمل !
“الريع”، بهذه الصورة، موضوع يشغل الحيِّز الواسع من النقـاشات السياسية الحزبية التي يعرفها البلد بين الفينة و الأخرى، أما الحكومات المغربية المتتالية، فلم تحاول قطُّ خلْق واقعٍ مُناهض للريع، و حتى من أعلن، من بينها، نيته في مُقارعة الريع، فإن “النية” تلك لم يُكتب لها الانتقال إلى مرحلة التنفيذ ، و ظلت حبيسة أدراج النظريات.
في مرحلة مظلمة، من تاريخ المغرب الحديث، كانت فئاتٌ عريضة من الشباب “تناضل” من أجل بلوغ الضفة الشمالية من “بحر الروم” و أبدع هؤلاء الفتيان وسائط لا تخطر أحيانا بِبالِ أحد، و أطلق الناس على هذه “الوسائط” اسم “الحْريكْ” للدلالة على هذه الهجرة غير الملتزمة بضوابط التنقل الدولي، لكن الشباب، الذين شرعوا في تبديل مواقفهم “التاريخية”، صاروا يتجهون بخطى حثيثة نحو الانتقال إلى مرحلة “الحراك” لتحقيق ذواتهم بعيدا عن مخاطر العبور “الحارك”.
إنه عصر جديد، عصر الانتقال من “الحرْك” إلى “الحَراك” …