محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( الفيس بوك )
الحميس 02 فبـرايـر 2017 – 13:11:14
لقد طوّرَ الإنسانُ، على مَـرّ العُصـــور المَديدة، و مرّة تِلْو الأُخرى أدواتِه التفاعلية، ولا غرابة في ذلك، فالاتصال قد يكون أقدمَ أوْجُه النّشاط البشري. كيف لا و الإنسان يقضي معظم حياته مُنادياً أو منادىَ عليه؟
لقد انتقلَ الكائن البشري، عبْر حِقــبٍ مُتتـــالية، من استعمال الوسائط الأكثر بدائيةً في موضوع “التواصل” إلى وسائل أكثر تِقَنيّة، بما تعْنيه الكلمة من يُسْر وسُرعة و فعّالية و جوْدة، و لعلَّ زمَنَنَا الحاضر يشهد على العصر الذهبي لواحدة من أشْهَر “التقنيات” التواصلية، تلك المعروفة لدى العوام و الخواص “فييسوكاً”.
موقـعُ تواصُل اجتِماعي”، هذا هو التعريف الذي يطلقه عليه “مثقفوه”، بينما اختــارَ لـه رُواد آخرون لَقبــًا أكثر رومانسيةً، فكنّوهُ “فضاءً أزرقَ”، و قلِّـــةً مِـنَ الجميع تدرك طبيعة الوظائف اللامادية التي يُؤديها هذا “العالم الأزرق”، فالجميع يحبّهُ لأنّــهُ وسيلة فعّـالة لتحقيـق غـايـة ” انتقــــال الأفكار والمعلومات بين الناس في نسق اجتماعي” كما يرى ذلك محمود عوده.
لقد اعْتــادَ الجمهور “المُثقف” وصْـف هذه الوسيلة التقنية المسمّاة “فيسبوكا”، كما غيرها من الوسائط، بـ “العالم الافتراضي”، و لعلّه وصف حـالـم جــــدّا، فهو، الفضاء الأزرق، عالم “مادي” بدليل قيامه على شبكة اتّصــــالات توفر الخدمة، و جهاز تقني، و لابد له من موضوع للتواصل هو الواقع بالضرورة، واقعٌ يشكل فيه الإنسان قطب الرَحى، كما في نازلة الحال.
“الفايس”، في جوهره، مجرَّد أداة لكسْب المعلومة و نشرها، وهي قد تكون صحيحة في أحوال معينة، و كاذبـــــة في أغلـب الأحــــوال. “الفضاء الأزرق” لا يعْنيه التحقق من “مصادر الخبر” و “صدقيتها”، غايتُه تحْقيق “التــواصُــل” و لا شأن له ببِـــدَعٍ سَمّـاهــا مُبتكِـــروها “أخلاقيات مهنة”، و بسبب هذه “الخِصْلة الحميدة” كثُر أتْباع “السيد فيس” و تناسل مناصروه، و انْتشَر مُريدوه و مُدْمِنوه في كل بِقاع العالم المعْمور.
إن عشّاق “الفيس” المتضاعفين لا يمكن تفسير سلوكهم تُجاه “البدعة التقنية” إلا باستحضار الحرية، كمفهوم فَلسفي و اجتماعي، قبل أن يكون مفهوما حقوقيا، لقد عَثروا، كما يبدو، على بــــاب مُشــرع لتصريف كل شيء، صوتـــًا، صورةً، و أفكاراً، لقد تخلصــوا من “العـوائـــق الإيبستيمية” التي تحدث فيها باشــلار، صـار بـوُسْـــع الجميع صناعة الخبر و نشره، و لمَ لا تحويــــره، إن اقتضى الحال ذلك، و “التفنن” في حياكة القصص و إخراجها. إنها الحرية في “أبهى” صُورها.
لقد صارَ “الفيسْ”، بعْدَ غيْره من أدوات التواصل البدائي، أداة “معرفية” مركزية بالنسبة للإنسان ، إنها أداة فعّــالـة تُلَبــي حـاجــــات بشرية لامادية، لكنها أيضا أداة تؤسس لمجتمع جديد، فبين نشر المعرفة أو حَجبها، و بين الحقيقة و الأوهام ، و بين الفعل و رَدة الفعل تنشأ “ثقافة” جديدة، إنها العلاقة الجدلية بين الواقع “المادي” و “الفكر” الصانع لهذا الواقع “الافتراضي”، الجدلية هنا، بمفهومها الهيغلي أو الماركسي، لم تفْقد أبدا راهنيتها الخالدة!..