القـنــــاعـة
جريدة طنجة – عمر محمد قرباش ( القـنــاعـة )
الجمعة 03 فبراير 2017 – 12:05:49
•القـنـاعـة مصدر قنِــع، بـالكسر، يقنَع قُنـوعــًا وقنـاعـةً إذا رضَيَ ، وقَنَـعَ، بالفتـــح ، يقنَع قُنوعًا إذا سأل، والقُنوع : الرضـــا باليسير من العطاء .
وقـال السيوطي : ( القناعة : الرضــا بما دوُن الكفـــاية ، وترك التشوُّف إلى المفقود ، والاستغناء بالمـوجــود).
فمن عدم القناعة ازداد تسخطه وقلقه ، وحُرِمَ من الرضا بما رزقه الله وآتاه. وحينئذ لا يرضيه طعام يشبعه ، ولا لباس يواريه ، ولا مركب يحمله ، ولا مسكن يؤويه . يبحث عن المال في كل مكان ، يخلط بين الحلال والحرام ، بل ربما كان ماله كله من الحرام لأنه لا يقتنع بما هو حلال.
إن القناعة لا تعني بالضرورة أن يكون العبد فقيرا ، فالغني أيضا في حاجة إلى قناعة ، كما أن الفقير في حاجة إلى قناعة ؛ وقناعة الغني أن يكون راضيا شاكرا ، لا جاحدا ظالما ، قناعته أن لا تلج أمواله إلى قلبه ، حتى يصبح عبدا لها. قناعته أن لا يستعلي بماله على الفقراء ، وأن لا يوظف ماله في الاستيلاء على ممتلكات الآخرين والاعتداء على حقوقهم.
وقناعة الفقير أن يكون راضيا بقسمة الله ، مستسلما لأمر الله ، لا ساخطا ولا شاكيا ، ولا جزعا من حاله ، ولا غاضبا على رازقه . قناعته أن لا يتطلع إلى ما في أيدي الآخرين ، قناعته أن يكون
عفيفا متعففا ، وأن لا يرتكب الحرام من أجل الحصول على لقمة العيش.
فكم من مستور يجد كفافا ؛ قد ملأ الطمع قلبه ، ولم يرضه ما قُسِم له! فجزع من رزقه ، وغضب على رازقه ، وبث شكواه للناس ، وارتكب كل طريق محرم ليغني نفسه ؛ فهذا منزوع القناعة وإن كان لا يملك درهما ولا فلسا .
لكنه الطمع الذي استولى على القلوب ، فلم تعد تقنع لا بالقليل ولا بالكثير. ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على القناعة ، وبيّن أنها طريق إلى السعادة والفلاح ، فقال عليه الصلاة والسلام ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ ).
وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطرق والوسائل التي ترشدنا إلى القناعة والرضا ، وأساس ذلك أن يوقن الإنسان بأن الرزق والنعم من الله تعالى ، قال سبحانه ( وما بكم من نعمة فمن الله ) وقال عز وجل ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) .
وأن يتأمل نعم الله عليه ، ولا يقارن بينه وبين الناس ، وإذا قارن فلينظر إلى من هو أقل منه كي يستحضر نعمة الله عليه ولا يزدريها ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ).
فلا تستقر القناعة في النفس حتى يتخلى الإنسان عن التطلع إلى ممتلكات الناس وما في أيديهم ، وإذا رضي بما قسمه الله تعالى له كان أغنى الناس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس) .
وقد تلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التوجيه بصدق ويقين ، فكانوا يربون أولادهم على القناعة وعدم التطلع إلى ما في أيدي الناس ، فهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول لابنه : يا بني إنك لن تلقى أحدا هو أنصح لك مني … إياك والطمع ، فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس فإنه الغنى. أي القناعة.
وقيل لبعض الحكماء : ما الغنى ؟ قال : قلة تمنيك ، ورضاك بما يكفيك..
ويقول الشاعر :
أفادتني القناعة كل عــز ٍ وأي غنى أعز من القناعة
فصيرها لنفسك رأس مال ٍ وصيرها مع التقوى بضاعة
ومن رزق القناعة أبصر نعم الله عليه فشكرها ، ومن لم يقنع جحد ولم يشكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ).
فما أجمل القناعة، وما أسعد أهلها! لو تحلى بها الناس لزالت منهم الضغائن والأحقاد ، وحفت بينهم الألفة والمودة ؛ فإنّ ما يقع فيه الناس من خلاف وشقاق سببه الدنيا والتنافس عليها ، سببه ضعف القناعة والرضا في القلوب ، وصدق رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حينما قال: ( فَوَاللهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عليكُمْ ولكنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدّنْيا عليكُمْ كما بُسِطَتْ على مَنْ كانَ قبلَكُم فَتَنافَسُوها كَما تَنافَسُوها فتُهْلِكَكُمْ كما أهلَكَتْهُم )..