محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( “الـدينُ و السَّياسة” )
الثلاثاء 21 فبراير 2017 – 12:33:35
لقد كانت إشكالية مثل الفكر و الواقع، كموضوع فلسفي تتناظر فيه المادية مع المثالية، تستهوي تلاميذ الصف الثانوي، و كانت موضوعةٌ مثل العقْل و النَّقْل، كمناسبة للخوض في غمار الأفكار المتداولة بين المعتزلة و الأشاعرة، تُثير لدى المراهقين و الشباب من التلاميذ الرغبةَ في تعزيز و امْتلاك أسباب الاستدلال المنْطقي و هم بصدد الخوض في النقاشات المرتبطة بــ”عــِـلْم الكَـلام”.
تراجعُ “منسوب” التفكير الفلسفي في أوساط التلاميذ، وهم مراهقون يشكِّلون بحُكم الحقيقة المستقبل “الافتراضي” للبلد، أدّى، من بين ما أدّى له، إلى انْتِعاش الفكر الظَّلامي، إن جازت تسميته كذلك، و هكذا عادت إلى الساحة مُجددًّا نقاشاتٌ “غـــثَّةٌ” حول طبيعة الاسلام. هل هو مجرَّد دين من الأديان يربط الإنسانَ المخْلوق بربِّه الخالق؟، أم أنه، فوق ذلك، منهاجٌ للحُكم و الإدارة، و يصْلُح مرجعيةً نظريَّة لبناء مشروع سياسي ناجح، مشروع يزاوج بين الدين و السياسة؟ لكن السؤال المركزي حول “المسألة الدينية” و حدود علاقتها بــ”المسألة السياسية” ظل، على الدوام، غائبا أو مُغيّبا من الأجندة الفكرية لـــ “المُفكرين”، و لم يمتلك هؤلاء، تبعاً لذلك، الجُرأة العِلمية اللّازمة لطرْح سُؤال حول الطبيعة الحقيقية للدين الإسلامي و مدى اعتباره، أصلا، مشْروعاً سيّاسيا في جوْهره ؟
في خطابه أمام قمة الخرطوم عام 1967، أو ما عُرِف لاحقا بقمة اللّاءات الثلاث، لما يُسمّى “جامعة الدول العربية”، أعلن الرئيس السوداني “أن أمجاد أمتنا كلها بنيت على تاريخ المعارك التي خاضها آباؤنا و أجدادنا جيلا بعد جيل، من حلاوة النصر و من مرارة الهزيمة”.
لقد لخَّص الخِطاب بوضوح طبيعةَ “التفْكير” الذي يسْكُن الشعور و اللاشعور الكامن في “الوعي العربي الزائف”، و يكشِفُ بِوضوح “العـــقيدة المَـرَضِية” التي يُنَـظِّرُ لها السّاسة العرب، فهم يخالون أنفسهم أبـْـطالاً بالفِطرة، و أن مثْلـَهُم لمْ يُخْلقْ في بلاد العالمين، بل إنهم أفْضَلُ أُمَمِ العــالم!
في واقع الأمر، إن تاريخ العُرْب، بحَسْب مَراجِعِهم، لم يعْرفْ نظاما سياسيا يقوم على شكل دولة حديثة، بمعايير القرن السادس، إلا مع نجاح محمد في نشر الدعوة و القضاء على مناهضيها، تارة بأسلوب السلم و مرات أخرى كثيرة بطريق المعارك، معارك كُتِب له النصر فيها، و معارك أخرى كان نصيبه فيها الهزيمة، و بالطبع، فقد استمر الخلفاء بَعْدَه، كلٌّ من زاوية رؤيته، في مُواصلة المَعارِك ضِدَّ المُرتدِّين و ضد أمم أخرى لم يُقدَّرْ لها أن تحْظى بنبي أو رسول من عند الله.
لقد ثَبتَ من قـراءة تـاريخ العرب و الإسلام أن سُلـوكَ النَّبـي محمد لم يكن دَعـويــًا فقط، بل كان سُلـوكــًا سياسيًا في مَحَطـات عديـدة من مسيـرتهِ الدَّعـويــة، المُتـوّجـة بفتحِ مكة، فقد كان رجلَ سِياسة من مرْتبة عالية، يُخطِّط للمَعارك الحربية، كما يُخطِّط لآليات التّفاوُض أو الهدنة مع العدو، وهذا سلوك لا يقدر عليه إلا الضالعون في السياسة، لقد مارَس محمد السِّياسَة بالفِعل، لكن جنباً إلى جنْب مع ديانة الإسلام.
هل نملك الجُرأة للحسم في طبيعة الإسلام، و القدرة على طرح سؤال :هل الاسلام حقّاً دين عارٍ من السياسة ؟..