في الحاجة إلى رجال دولة يضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار
جريدة طنجة – م.العمراني ( تشكيل الحكومة والمشهد السياسي المغربي)
الثلاثاء 17 يناير 2017 – 12:35:13
بل إن التطورات المتسارعة لمسار المفاوضات تؤشر على وجود منغلق غير مسبوق في المشهد السياسي المغربي، مما يفتح معه باب التوقعات مشرعة على سيناريوهات متناقضة..
الباب المسدود الذي وصلت إليه مشاورات تشكيل الحكومة، كان من نتائجه المباشرة تعطيل عمل مؤسسات دستورية، بما فيها مؤسسة البرلمان، ولولا مستجدات انضمام المغرب للاتحاد الإفريقي، الذي استوجب عرض اتفاقية الانضمام على البرلمان بمجلسيه (النواب والمستشارين) للمصادقة قبل 30 يناير الجاري، لظلت المؤسسة المخول لها دستوريا تشريع القوانين ومراقبة الحكومة في وضعية تجميد قسري ضدا على دستور المملكة..
ينبغي الاعتراف أن مسلسل تشكيل الحكومة قد أسقط شجرة التوت على زعماء الأحزاب السياسية، الذين بدوا مثل أي محاربين انتهوا لتوهم من إحدى الغزوات، لتندلع بينهم معركة طاحنة من أجل اقتسام الغنائم، وتوزيع المواقع ومراكز النفوذ..
ما يدفع إلى الاشمئزاز والتقزز من هؤلاء الزعماء، أنه في الوقت الذي انساقوا فيه نحو التطاحن على اقتسام كراسي الحكومة، ظل ملك البلاد وفيا لاختياراته التي تضع المصلحة العليا للوطن هي المحدد الأول والأخير لجميع تحركاته ومبادراته، في رسالة واضحة للنخب الحزبية، التي يبدو مع كامل الأسف أنها لم تلتقط مراميها بعد..
لقد سجل المغاربة باعتزاز كيف أن الملك محمد السادس جاب أفريقيا من أقصاها إلى أقصاها بحثا عن تعزيز الحضور المغربي بالقارة السمراء، وحماية المصالح الإستراتجية للمملكة، مثلما سجلوا بافتخار كبير مبادراته داخل المملكة، همت جميع المجالات التي تحضى بالأولوية، في تجاوب وثيق بين الملك والشعب..
من يتحمل المسؤولية إذن في ما آلت إليه وضعية المشهد السياسي بهذا البلد الذي نرجو أن يظل آمنا مطمئنا؟..
الزعماء الكبار الذين يجدون أنفسهم وقد وضعتهم الأقدار في محطات حاسمة من تاريخ شعوبهم ودولهم، يتصرفون كرجال دولة يضعون مستقبل شعوبهم ومصالح دولهم فوق أي اعتبارات أخرى مهما كانت شخصية أو حزبية، يترفعون عن صغائر الأمور، ويتحاشون الانجرار إلى التفاهات و إلى ممارسات المراهقة السياسية المتأخرة..
بنكيران وجد نفسه في قلب مرحلة تحول مفصلية في مسار البلاد نحو تعزيز اختيارها الديمقراطي، فهو أول رئيس حكومة بعد دستور 2011، وزعيم حزب بوأه المغاربة صدارة نتائج اقتراع 25 نونبر 2011.
وعوض أن يقود هاته المرحلة بنوع من الحكمة والتبصر، مستحضرا رهان تطوير الممارسة الديمقراطية في البلد، اختار منطق الغلبة الحزبية، وبدا واضحا أنه يسعى إلى سحق خصومه السياسيين، والاستئساد بالمشهد السياسي، مستفيدا من حساسية الشعب المغربي المفرطة تجاه فساد النخب، واستغلال النفوذ، وتعطشهم نحو الشفافية ونظافة اليد، مستغلا في ذلك مؤهلاته الخطابية والتواصلية الهائلة، وحتى وإن كان بنكيران قد أبان عن قدرات هائلة في تبرير تحالفه مع الفساد إن كان يخدم مشروعه الحزبي (هجومه على الأحرار في النسخة الأولى من الحكومة، ثم الانقلاب إلى حليف لهم والهجوم على الاستقلال بعد خروجه من الحكومة)!..
وجاءت محطة السابع من أكتوبر، وقرر المغاربة مرة أخرى منح الصدارة لحزب بنكيران، في غياب أي بديل حقيقي قادر على تقديم عرض سياسي يجعل المواطنين في وضعية المفاضلة بين مشروعين..
التجاوب الملكي مع إرادة الشعب المغربي كان فوريا، حين بادر ملك البلاد إلى تعيين بنكيران رئيسا للحكومة مكلفا بتشكيلها…
وعوض أن يقدر بنكيران وحزبه الأمانة التي وضعها المغاربة على عاتقهم حق قدرها، والتصرف كمكلفين باستكمال البناء الديمقراطي إلى جانب المؤسسات الدستورية للبلاد وباقي الفرقاء السياسيين، بما يضمن الحفاظ على لحمة الوطن، نجدهم مع كامل الأسف تصرفوا وكأنهم حازوا تفويضا شاملا من طرف الشعب المغربي من أجل الاستفراد بمقاليد الأمور، وفرض منطقهم ورؤيتهم على الجميع، تحت التهديد بالعودة إلى صناديق الاقتراع، ومنح الكلمة للشعب من أجل حسم المعركة…
لقد سجل المغاربة كيف دبر رئيس الحكومة المعين مفاوضاته من أجل تشكيل الحكومة، فالرجل لم يكن يتوفر على تصور واضح لتحالفاته ولا لبرنامجه الحكومي، كل همه فرض إرادته، وتنصيب نفسه حاكما مطلقا في خدمة مصالح حزبه الضيقة..
ويا ويل لمن تجرأ على الجهر بمُعارضتهِ، أو التعبير عن رأي مخالف، فتُهمة التخوين وخدمة أجندة التحكُم جــاهـزة..
لقد تبيَّنَ بما لا يدع مَجـــــالا للشك أن بنكيران وحزبه أخطــَأوا موعدهم مع التاريخ، وأتبثوا أن ما يهمهم هو التحكم في مَفاصل الدولة، وبَسطِ سيطرتهم على المجتمع، وأن رفع شعارات محاربة الفساد مجرد وسيلة لحشد الأصوات، لأن الهدف هو الوصول إلى السلطة، وإذا كان ولا بد من التحالف مع لوبيات الفساد من أجل تأبيد سيطرتهم على مقاليد الأمور فمرحبا بهكذا تحالف!..
إن التحديات التي تواجهُ المملكة الشريفة، على جميع المستويات، خـــارجية وداخليــــة، اقتصادية واجتماعية، تتطلب تواجد رجال دولة يضعون المصالح العُليا للوطن خيارهم الوحيد…
رحم الله رجالا من طينة علال الفاسي، عبد الرحيم بوعبيد، عبد الله إبراهيم… وأطال الله في عمر أمثال عبد الرحمان اليوسفي…..