باب ما جاء في طول اللسان
جريدة طنجة – م.ع ( شباط وزلاّتهِ )
الثلاثاء 03 يناير 2017 – 11:01:33
فإذا كانت محطة انتخابات 25 نونبر 2011 تعتبر تحولا مفصليا في تعزيز المسار الديمقراطي ببلادنا، بما ترتب عنها من تصدر حزب العدالة والتنمية لنتائج الاقتراع، وتحمله مسؤولية قيادة الحكومة، فإنها بالمقابل – المحطة – أفرزت نموذجا من القيادات الحزبية اختارت تسويق خطاب سياسي مبتذل، يعتمد على الإثارة، والشعبوية، والسب، والقذف، والضرب من تحت الحزام، وإطلاق الكلام على عواهنه، يصل حد السفاهة في الكثير من الأحيان..
وحبذا لو اقتصر على ذلك، بل وصل حد تهديد المصالح العليا للوطن، والمس بقضية وحدته الترابية..
وها نحن اليوم نتابع التداعيات الخطيرة لتصريحات شباط الغير محسوبة حول موريطانيا، والتي كادت أن تعصف بالمجهودات الجبارة للملكة المغربية من أجل العودة إلى المنتظم الإفريقي، بما سيشكله ذلك من ضربة موجعة لخصوم الوحدة الترابية..
الملك محمد السادس سارع إلى تطويق الأزمة في الوقت المناسب، عبر الاتصال الهاتفي مع الرئيس الموريطاني، ثم تكليف عبد الإله بنكيران بإيصال رسالة ملكية إلى محمد ولد عبد العزيز..
كلمات غير محسوبة العواقب، انطلقت من عقالها دون روية ولا تفكير، كادت أن تنسف عملا جبارا لمحاصرة خصوم الوحدة الترابية، ولاسترجاع الوقع الطبيعي للملكية داخل المنتظم الإفريقي، الأمر الذي تطلب إنجازه سنوات من العمل والجهد المتواصل ، وجولات ملكية عبر أرجاء القارة الإفريقية..
لكن هل كانت تصريحات شباط مفاجئة ومعزولة؟..
يجب الاعتراف أن ما تفوه به الأمين العام لحزب الاستقلال ليس إلا تتويجا لحالة تعكس الدرجة الصفر على مستوى خطاب الفاعل الحزبي، الذي سيطر على المشهد السياسي الوطني طيلة الخمس سنوات المنصرمة…
مع دخول بنيكران إلى رحاب المشور السعيد، اكتشف المغاربة رئيس حكومة يستعمل قاموسا لم يألفوه في جميع المسؤولين الذين تعاقبوا على تدبير الشأن الحكومي..
وهكذا صار مواعيد خطب رئيس الحكومة، سواء بالبرلمان أو في التجمعات، تحظى بمتابعة واسعة، حيث بات المغاربة متعطشين لسماع آخر إبداعات بنكيران في عالم “حشيان الهدرة”..
وبدا المغاربة مشدوهين وهم يسمعون بنكيران يقول لبرلمانية “ديالي كبير عليك”، وينعت زعماء أحزاب ب”البانضية” و”تجار المخدرات”، ويصف شباط ب”هبيل فاس”، والذين لا يقو على تسميتهم يصفهم ب”العفاريت والتماسيح”…
والنتيجة الطبيعية صعود زعماء أحزاب يرون في أنفسهم القدرة على إنتاج خطاب شعبوي يجاري وينافس بنكيران…
ليتحول المشهد السياسي إلى ساحة سيرك حقيقية، وعوض أن ينصرف الزعماء إلى تحمل مسؤولياتهم، والبحث عن الحلول لمشاكل الفقر والبطالة والتعليم والصحة وتحفيز الاستثمار، انساقوا إلى التنابز بينهم بالألقاب، وتصفية الحسابات، والتسابق على اختيار أقذع النعوث والأوصاف والبحث عن الضربة القاضية…
فماذا يمكن أن ننتظر من قادة على هكذا شاكلة؟..
المثير في الأمر أن البعض ممن ينصبون أنفسهم محللين، وعوض أن يتحملوا مسؤولياتهم في التنبيه لمخاطر هذا الانزلاق اللغوي، اختاروا التفنن في التأصيل له.
وهكذا صارت الخطب الشعبوية، والفاقدة لأي منطق ولا رابط ثورة في التواصل والتسويق السياسي، و وتمردا على قانون الصمت الذي كان يلجم المسؤولين السابقين ، ومصالحة مع الشعب…
التحديات التي يجتازها المغرب اليوم تفترض رجال دولة يضعون مصلحة الوطن فوق أي مصلحة سواها، أكانت خاصة أو حزبية ضيقة..
الوطن اليوم في حاجة إلى أناس عقلاء، يقدرون المسؤولية حق قدرها، أما محترفو السياسة بالكلام والفهلوة والنشاط فلن يقودوا البلاد إلا نحو الخراب!..
وقديما قال الشاعر:
جِرَاحَاتُ السّنانِ لها التئامٌ ولا يَلْتَامُ ما جَرحَ اللسانُ
وقال آخر:
لسانُكَ لا تذكرْ به عَورَة امرئٍ فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنَّاسِ أَعْيُنُ .















