“نساء طنجة الرائدات” للدكتورة زبيدة بن على الورياغلي
جريدة طنجة – سُميّة أمغار (زبيدة بن على الورياغلي )
الأربعاء 28 دجنبر 2016 – 16:59:33
الدكتورة زبيدة الورياغلي، ابنة طنجة المدينة التي أنجبت العديد من جهابدة العلماء والفقهاء والمحدثين والمجاهدين، آثرت أن تنكش في البيئة النسائية لهذه المدينة لتبرز أهمية الحضور النسائي في الميادين العلمية والتربوية والنضالية لهذه المدينة، في العصر الحديث، وتقدم لأهل طنجة والمغرب بوصف عام، باقة من “زهرات” طنجة المتألقات، المبدعات، “الرائدات” اللائي كان لأدائهن في المجالات التي اخترن الاشتغال عليها، الأثر الكبير في تطور المجتمع الطنجي وتقدمه.
إن من يمارس البحث التأريخي بالمغرب ليشعر بالصعوبات التي تحد من هذا العمل في هذا المجال، بسبب غياب المراجع وقلة العناية بالأرشيف سواء على مستوى الأسرة أو الجماعة، أو المؤسسات المهتمة، بل إن المراجع الشفاهية هي أيضا تحتاج إلى الكثير من التدقيق والمقارنة ولابد أن عالمتنا قاست من هذا الفراغ في تحضير تراجمتها لمجموعة “الرائدات” التي تشكل الجزء الأول لتراجم “نساء طنجة الرائدات” ، واعتمدت، غالبا، على ما تختزنه ذاكرتها الشخصية من معلومات وأخبار عن نساء طنجة، وعن اهتمامها الشخصي بهذا الموضوع والنبش داخل الأسر عن أخبار “الرائدات”، ممن انتقلت إليها أخبارهم عن طريق الرواية أو ممن أدركتهن في مغرب عمرهم أو ممن تختزن الذاكرة الشعبية بعضا من أخبارهن، وبالتالي فإن عملية التركيب التاريخي عند تدوين التراجم لا تبدو هينة، بل وتتطلب جهدا كبيرا من البحث والتقصي والمقاربة والمقارنة والترتيب ، من أجل إنتاج عمل أدبي وتاريخي يترجم بأمانة أهمية الحركة النسائية المعاصرة لـ “نساء طنجة الرائدات”.
والواقع أن مضمون هذا الكتاب يقطع مع فترة “التهميش” الذي كان يلحق دورالمرأة على مستوى مجالات الإبداع، إن لم نقل “التبخيس” ، بينما دور المرأة ، لم يكن قط “ثانويا” بالرغم من الحجر الذي مورس عليها عبر العصور ، بل إن دورها كان رياديا وحاسما، في تكوين المجتمعات وبناء الوعي بداخلها وإعداد النشء للخلافة.
وإلى هذه الفصيلة من النساء تنتمي “رائدات طنجة” اللائي نجحت بامتياز، عالمتنا الأصيلة، الدكتورة زبيدة الورياغلي في تخليد ذكراهن ّ بين دفتي كتابها الثمين: “نساء طنجة الرائدات” اللائي كان لهن الفضل في تشكيل الخلايا الأولى لمجتمع طنجة في العصر الحديث، خارج “طابوهات” تميزات “النوع” التي أقصت المرأة، ظلما، ولعقود، نتيجة ترسخ الثقافات الذكورية وترسب أفكار جمدها الجهل وسوء التأويل والتقدير.
‘نساء طنجة الرائدات” يعرض مجموعة من سيدات المجتمع الطنجي اللائي تميزن بإسهاماتهن الرائعة في شتى مجالات الحياة العلمية والفكرية والأدبية والسياسية كما تميزن بمبادراتهن القيمة في تشكيل الوعي الوطني داخل مجتمع ساهمن إلى حد كبير في تكوينه ونموه عبر التربية والتعليم ، والكتابة والتدوين، والتوعية والتكوين . ذلك أن معظم صاحبات التراجم لهن قاسم مشترك، انتسابهن إلى أسر شرف وعلم وصلاح وريادة وحضور، وإلى بيئة اشتهرت بالعلم والفضل والنبوغ، فكان لابد أن يجمعن من تلك “الشمائل” ما يساعدهن على تكوين شخصيتهن وبناء فكرهن وتوسيع آفاق مداركهن، حتى إذا اكتملت لديهن الرؤيا بخصوص العمل المدعوة له في خدمة المجتمع، انطلقن في اتجاهات شتى، وفق المواهب والميولات والخاصيات، إلا أن كثيرا منهن، اتجهن إلى التربية والتعليم والتكوين، تطوعا بأن أقمن “مسايد” وفصول لتعليم البنات، أو عبر انخراطهن في أسلاك المعلمات، وعيا منهن بضرورة بناء الأجيال الصاعدة، وتكوين العقول الناشئة، في أفق تطوير المجتمع الذي لا يتحقق إلا بالعلم وبإشراك الرجل والمرأة على حد سواء في عملية البناء. كما توجه اهتمام رائدات طنجة إلى مجالات إخرى لها أيضا ارتباط بالتنمية المجتمعية، كتأسيس الجمعيات الخيرية والإنسانسة، والانخراط فيها والتحريض على الإسهام في الحركات الوطنية والوصول إلى مختلف المنابر الاعلامية من صحافة وإذاعة بهدف نشر الوعي داخل المجتمع ، ليتوج هذا العمل الجبار بانخراط “رائدات طنجة” في العمل السياسي وخلايا المقاومة من أجل تحرير البلاد وعودة الشرعية.
ولم تغب المجالات الفنية عن اهتمام رائدات طنجة، من مسرح وموسيقى وفنون أخرى برعت فيها بشكل لافت، بالرغم من ظروف ذلك الزمان حيث يكفي أن نعلم ما أوردته المؤلفة من أن واحدا من الفقهاء المتزمتين من أصحاب الطرق والزوايا أفتى بتحريم التمثيل، في كتاب أصدره بعنوان “إقامة الدليل على حرمة التمثيل”. إلا أن هذه “الفتوى” الغريبة وغيرها لم تمنع من انتشار الحركة المسرحية في كل ربوع البلاد وكانت انطلاقتها من طنجة، في عشرينات القرن الماضي .
تحية للدكتورة زبيدة بن علي الورياغل على هذا الإصدار الهام الذي يمكن القارئ، ليس فحسب، من الإطلاع على الحركة العلمية والثقافية والأدبية النسائية بطنجة ، على يد “نساء رائدات”، بل وأيضا من القيام برحلة تاريخية عبر تاريخ طنجة العبق ، وأحوالها خلال القرنين التاسع عشر والعشرين حيث إنها كانت تشكل دائرة ضوء في عالم مكهرب وملجأ للإنسان من مختلف الأجناس والثقافات والمعتقدات، ليتشكل مجتمع طنجة من خلاصة وتلاقح تلك الثقافات التي دعمت هويته وثقافته وحفزت مواهبه وإبداعاته ورسخت إيمانه بالحرية والعدالة والمساواة. ..