تكريم الإسلام للإنسان
جريدة طنجة – عمر محمد قرباش (الإسلامُ كرّمَ بَني آدم )
الخميس 08 دجنبر 2016 – 18:08:07
لقد اهتَّمَ الإسلام بمکانة الإنسان بدرجة عالية جدا , واحتفى به احتفاء بالغا , وكشف عنه الكثير مما يتعلق بنشأته وحياته وتطوراته مما لا يمكن درکها إلا عن طريق الوحی الإلهي , فقد شرح قصة خلقته وتكوينه وتطوراته من المنشأ إلى المصير ومن المبدأ إلى المنتهی , بل هو المخلوق الوحيد الذي استفاض القرأن في تفصيل خلقته ، فاهتم بجمیع أبعاده الجسدیة و الروحیة ، المادیة و المعنویة ، الفکریة والعاطفیة ، الفردیة والاجتماعیة ، وضمن له حقوقا بالغة الأهمية وواسعة النطاق , فقد ضمن له حق الحياة وحق العمل وحق العيش بأمان ، وحق التعليم وحق الحرية وحق التملك وغيرها من الحقوق ، وأقام الإسلام مادة حقوقية للإنسان فاقت في الإتقان والانضباط والتوازن والعدل والحيوية الحقوق التي تضمنها المنظمات الحقوقية الأخرى .
ومن أعظم أنواع التكريم هو أن الله تعالى جعل الإنسان محلا للتكليف وموضعا للقيام بأعظم مهمة في الوجود وهي العبودية لله تعالى .
ومن معالم التكريم الإلهي التأكيد على أن الكون مسخر للإنسان ، وأنه مهيئ ليكون منسجما مع متطلبات الإنسان ، وقد تكرر التنبيه على هذه الكرامة في مواطن عدة ، منها قوله تعالى:( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون) .
ولمّا كانت مكانة الإنسان بهذا المستوى الرفيع ، فإنّ الشارع ضمن له حقوقا تصونه ، وتدعمه ، وتبعد عنه أسباب الزلل والهبوط ، وأولها أن يحيا موفور الكرامة عزيز النفس لا يشكو حيفا ولا هوانا.
و لکون الإنسان له شأن ومکانة عند الله فهو تعالى لا يسمح لأي أحد أن يهتك حرمته والاعتداء على حياته وكرامته ، فبمجرد انعقاد النطفة في بطن أمه تبدأ حصانته الالهية وحرمته الإنسانية فحتى أبواه لا يجوز لهما القيام بأي تصرف يؤذيه أو يشكل اعتداء على حياته . لأن قداسة الإنسان وحرمته تسبق تكوينه وحیاته إلى أن يموت ، وحتى بعد وفاته يحفظ كرامته ، فمن المعروف أن للإنسان الميت احتراماً كبيراً في الإسلام حيث تقام له مراسيم خاصة ويعامل معاملة متميزة تليق به كإنسان دون غيره من المخلوقات ويمنع الإسلام إهانة الميت والتمثيل به ولو كان مجرماً فاسداً.
مع أن الله عز وجل رفع هذا الإنسان إلى مكانة عالية وكرمه دون سائر المخلوقات وأوجب احترامه لنفسه واحترام الآخرين له ، ولکن هناك داء يصيب بعض أفراد البشر فيجعلهم يتنازلون عن قيمتهم ، ذلك الداء هو ما يطلق عليه علماء النفس بعقدة الحقارة والشعور بالنقص ـ الاحساس بالضعة ـ. وهذه العقدة من أخطر الأمراض النفسية التي تصيب كيان الإنسان فتجعله يتنازل بطوعه واختياره عن قيمته وعن مكانته المعدّة له. والإسلام یذکر الإنسان بقيمته ومكانته عند الله و یوجهه إلى معرفة ذاته واكتشاف قدراته وطاقاته المودعة في شخصيته .
ومن هنا اعتبر الإسلام الاعتداء على نفس أيّ إنسان اعتداء على الإنسانية كلها ، كما جعل إنقاذ أي نفس إنقاذًا للجميع ، هذا ما قرره القرآن بوضوح قال تعالى ( أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا. [
و من حق الإنسان في هذه الأرض حق الحياة ، فقد حرم الله تحريماً شديداً قتل النفس البشرية بغير حق ، وجعل حفظ النفس الضرورة الأولى من الضروريات الخمس التي أجمعت عليها الشرائع السماوية ، واتفقت على حفظها ومراعاتها البشرية.
وسد كل الأبواب والذرائع المؤدية إلى إتلاف النفوس وإهلاكها وإزهاقها بغير حق, يقول الله -سبحانه وتعالى( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ) ويقول( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) .
ومن حق الإنسان في هذه الحياة أن يعيش فيها آمناً مستقرا ، يتنعم بخيراتها وينعم بنعيمها فالله -سبحانه وتعالى- يقول ( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) ، ومن حق الإنسان أن يستغل وجوده في هذه الحياة في تعميرها وبنائها ، وأن ينشئ له فيها ما يعينه ويستفيد منه ، كما قال تعالى ( هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) أي طلب منكم عمارتها.
ومن حق الإنسان في هذه الحياة أن يعيش حراً كريماً, لا يكبله أحد ولا يحول بينه وبين تنمية نفسه وتحقيق أمانيه وأحلامه المشروعة أحد ، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم من بطونهم أحراراً”.
ومن لوازم حق الكرامة ألاّ يؤذى إنسان في حضرته ، وألاّ يهان في غيبته ، سواء أكان هذا الإيذاء بالجسم ، أم بالقول فربما كان جرح القلب بالكلام أشد من جرح الأبدان بالسياط وبالسنان ، لقد حرم الإسلام أشد التحريم أن يضرب الإنسان بغير حق ، وأن يجلد ظهره بغير حد وأنذر باللعنة من ضرب إنساناً ظلماً ومن شهده يضرب ولم يدفع عنه ، كما حرم الإسلام الإيذاء الأدبي للإنسان ، حرم الهمز وحرم اللمز والتنابز بالألقاب ، والسخرية ، والغيبة ، وسوء الظن بالناس ، وكفل الإسلام صون كرامة الإنسان بعد مماته والنهي عن كسر عظمه أو الاعتداء عليه أوعلى جثته فقد جاء في الحديث النبوي .عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا ) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا» .
هذه النصوص الواضحة تدلنا على منزلة هذا الإنسان عند الله عز وجل ، فهو مكرم ومعزز حَيًّا ومَيِّتًا. فما أحوجنا اليوم إلى نشر هذه المعاني الإنسانية ، لكي يكون الإسلام هو ملاذ البشرية مما يتخبطون فيه من ظلم و جور..