الرشوة في بلادنا .. موروث شعبي يطلق عليه المغاربة ” القهيوة و التدويرة ” و هو سم ينخر مؤسساتنا يوما بعد يوم
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( “الرشوة” )
الثلاثاء 20 دجنبر 2016 – 17:59:37
• ظاهرة الرشوة كسلوك لاشرعي ولا أخلاقي ظاهرة عرفتها جميع المجتمعات والثقافات في مختلف الأزمنة والعصور، لكن درجة حدتها وطريقة معالجتها، تتفاوت بتفاوت تقدم هذه المجتمعات ورقيها على مستوى السلم الإجتماعي، وكذا طبيعة الثقافة السائدة لدى مواطنيها.
في مجتمع تقليدي ومتخلف إلى حد كبير كالمجتمع المغربي، حيث تنتشر الثقافة الشعبية والتقاليد المشدودة إلى الماضي البائد بشكل واسع بين شرائح مختلفة من هذا المجتمع، تصبح الرشوة لدى ضعاف الأنفس، وأصحاب المنافع السريعة، الوسيلة الفعالة في قضاء الحاجات والمآرب المختلفة في زمن قياسي كبير، والعادات الشعبية « المقدسة » الغير المغربلة التي لم تخضع بتاتا للمساءلة والفحص، وكذا تجلياتها ومورثاتها السوسيولوجية والنفسية تشكل القاعدة والأساس الصلب والسميك الذي ترتكز عليه ثقافة الفساد بصفة عامة ،وآفة الرشوة على وجه الخصوص، حيث تقدّم التبريرات والحجج الكافية التي تبيح سلوك سبل الرشوة في التعامل ما بين المواطنين فيما بينهم، أو في علاقاتهم اليومية مع الإدارة، فبعدما تقرع أذننا أمثال شعبية مثل : للي معندو سيدو عندو لالاه ، أو فلوسي يغسلولي كفوسي ، أو أو أو أو ……، كلها عبارات تثير في أنفاسنا الإشمئزاز والفظاعة والإنكسار التي لايمكن أن يتقبلها العقل السليم ولا الضمير الإجتماعي الحي، ومن طرافة القول، أن مورثنا الشعبي يحتضن في صفحاته السوداء ليس فقط الأمثال والحكم التي تصب في هذا الاتجاه، بل كذلك مجموعة كبيرة من القصص والحكايات التي تزج ليس فقط في مستنقع الرشوة، الأشخاص العاديين من عامة الناس، بل كذلك الحكام والعلماء والتي كان من المفروض في هذه الفئة الإجتماعية الدفاع عن مصالح البلاد و العباد وأن تكون بعيدة عن الشبهات وكل ما يمكن أن يمس هيبتها وشرفها، على اعتبارها تشكل رموزا لمغرب عالم الإنتليجينسيا الوطنية l’intelligence Nationale ، إلا أنها للأسف هي الفئة الأكثر عرضة للسقوط في شوائب الرشوة ومخالبها، بل من المفسدين المباشرين من منافعها وثمارها اللامشروعة، مستغلين في ذلك شيوع الأمية والجهل وقلة الإيمان، وغياب الرادع الذاتي المتمثل في الضمير، والرادع الخارجي الذي يكمن في الرقيب الحكومي لدى الرعية.
في وقتنا الحاضر، ومع انتشار وسيادة دولة الحق والقانون، ومع ذيوع ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان على مستوى الخطابات الرسمية والدعايات الإعلامية، فإنه مازالت آفة الرشوة تعشش في مختلف مناحي الحياة اليومية للمواطن العادي في علاقته المعقدة مع الإدارة، ذلك أن المواطن العادي يعتبر أن الولوج إلى خدمات المرافق العمومية التي تقدمها الإدارة له، ليست سوى امتياز أو إكرامية منها له، وليست حقا من حقوقه الأساسية تجاهها، ونفس النظرة يأخد بها موظفو الإدارة العمومية، كونهم يعتبرون المنصب الذي يشغلونه بمثابة امتياز وهبة (إلهية) جاءت عن طريق الزبونية والرشوة، وتعبوا في الحصول على ذلك الإمتياز، لذلك يرون أن«النوبة» دارت دورتها وجاءت بين أيديهم وبتعيين، بناء على ذلك أن يستخلصوا التكاليف والمصاريف التي خسروها أو بتعبير أدق التي استثمروها في حيازة هذه المناصب الإدارية، والذي يدفع الثمن هو المواطن المغربي البسيط.
ومن طرائف التبريرات التي يقدمها لنا كل من المواطن العادي الساذج وكذا الموظف الإنتهازي باستعمال الرشوة كأسلوب يومي في قضاء المآرب والمصالح المختلفة، أنها تعتبر ضربا من ضروب الإسهام في تحسين وضعية موظفين لاتكفي أجورهم الهزيلة سد حاجاتهم الضرورية، لكن الواقع يعطينا أمثلة صارخة عن موظفين سامين وأطر كبيرة في مناصب إدارية سامية رغم الأجور والإمتيازات الكبيرة التي يتمتعون بها فالرشوة تبقى الطريقة الناجعة في تثبيت وزيادة هذه الاإمتيازات، فالرشوة في نظرنا تبقى ثقافة وتربية ينشأ عليها الفرد، وما تبريرات هزالة الأجور وغيرها من الحجج الواهية إلا درّ للرماد في الأعين، ماتنفتئ ينقشع زيفها ومراوغتها مع مرور الوقت.
الواقع أن الفساد الذي تنتشر فيه آفة الرشوة هو تيار جارف له روافد كثيرة تصب فيه وتغذيه، لذلك يتوجب مواجهته إما بإقامة سدّ منيع وحصين، أو بحواجز وأكوام من الحجارة هشة ومهزوزة،لذا تتعدد و تختلف الآراء والإقتراحات حول الأساليب والطرق الناجعة لمعالجة معضلة الرشوة، وكلها تصب في نظر أصحاب الرأي من المختصين، حول تفعيل القانون وجعله أكثر صرامة وقوة في زجر المخالفين، سواء بالنسبة للراشي أو المرتشي وكذلك الوسيط الذي يسهل عملية التواصل بين المفسدين ويساهم في إشاعة الفساد داخل الفضاء العام، لذلك نرى زيادة على الردع والزج القانوني، هناك الردع والعقاب الإجتماعي الذي يكون أساسه التربية الدينية والخلقية والتنشئة الإجتماعية، فلابد من تربية الناس وتنشئتهم على كراهية الرشوة والفساد عموما من المهد ، ليس بالطريقة التي تنهجها مؤسساتنا التربوية الحالية، فهي كذلك تحتاج في وقتنا الحاضر أكثر من أي وقت مضى إلى نوع من التقييم والتقويم، فالمسؤولية كبيرة وعظيمة يتوجب على الجميع -مؤسسات جماعات وأفراد- ، ضرورة التعاون والتضامن، من أجل استئصال هذه المعضلة من إدارتنا ومؤسساتنا وحياتنا اليومية، فهي بدون مبالغة مشروع مجتمع يروم التقدم والرقي إلى مستوى الدول المتقدمة.
عندما ينظر الناس بازدراء و احتقار لكل من سولت له نفسه أن يضع في جيب أحد الموظفين مبلغا من المال من أجل تسهيل قضاء مصلحة أو من أجل الحصول على امتيازات غير مشروعة واغتصاب مال الآخرين من حقوق مشروعة، حيث يصبح الضمير الإجتماعي كابحا وزاجرا ،ساعة ئدٍ يمكن أن نقول قد تسلحنا بثقافة جديدة تناهض الفساد بكل مظاهره بما في ذلك الرشوة، الآفة ذات الرنين الساطع، التي تكبح لجام الحقوق، وتأكل من قرارية الواجبات.
“ترانسبارنسي” جزيرة أحلام في محيط موبوء
في نهاية كل سنة، تبدأ المنظمات الدولية، والمراصد العالمية تمطرنا بتقاريرها عن أحوال العالم، القبيح منها والجميل.
ساردة لأرقام ومؤشرات حول العمل والبطالة، الفقر والثراء، الحقوق والإنتهاكات، والإستهلاك والإنتاج.
ماهي الدول الأكثر استهلاكا للبنزين والحليب والورود والخبز؟!
ماهي الدول الأولى في إنتاج السيارات والمنازل الجاهزة؟!
ماهي الدول الرائدة في طب العيون والصناعة الالكترونية؟
ماهي الشعوب الأكثر قابلية للتعامل مع الإدارة؟
أين ينتشر فاعلوا الخير، وأين يتمركز ذوو النيات السيئة.
وقبل صدور هذه التقارير، تقف كل دول العالم مثل التلاميذ في أخر السنة الدراسية، إذ ينتظرون نتائج عمل سنة برمتها.
والواقع إن الرأي العام العالمي والوطني ــ عندنا في المغرب ــ يثق في أرقام وإحصائيات ودلالات ومؤشرات هذه التقارير، أكثر مما يثق في التقارير الحكومية، التي عادة ما تأتي غير مضبوطة، وأحيانا تكون انتقائية.
وإذا ما تمت المقارنة بين ما تؤكد هذه المنظمات الدولية حول ظاهرة الرشوة في المغرب، وما تفصح عنه الهيئات الحكومية، ستكون الملاحظات الأولية، المدى الشاسع الذي يفصل بين الخاطبين.
وكأنهما لايتحدثان عن نفس البلد، وغالبا ما يكشف المواطن والمتتبع والمهتم بمجال الرشوة المظلم، إن تقارير المنظمات الدولية تكون أكثر مصداقية، حول الرشوة بالمغرب، عن أرقام الحكومة التي تسير البلاد، وتدبر الشأن العام فيها.
لقد كشف تقرير «ترانسبارنسي» إن المغرب في المرتبة 77 عالميا من حيت درجة تفشي الرشوة مؤخرا.
ورغم هذه المرتبة المريرة، السيئة السمعة داخليا وخارجيا، فإن المواطنين المغاربة، يكادون يشكون في رقم ترانسبارنسي، خاصة وأن البعض منهم، يؤكد إن بلادنا ــ تبارك الله ــ هي خارج السلم، بعد أن يتهامسون فيما بينهم أن الرشوة أصبحت تطال كل شيء، مما يجعل المستثمرين العقاريين والصناعيين والفلاحين يترددون للولوج بشكل عملي ضمن خريطة الوطن الإقتصادية.
أكثر من ذلك، فالرشوة في الشأن الاقتصادي، أصبحت لها مفاهيم خاصة، إذ تسمى أحيانا«قهيوة» والمحسوبية تعرف «بالتدويرة» إما الإحتيال على القانون والتملص من أداء الضرائب فهو في نظر البعض«همزة».
ويبقى الذين يستندون على الجد في العمل، والشفافية في تقديم الأعمال، وتهيئة الملفات، والإعتماد على المنافسة الشريفة مجرد «كوانب و مكلخين» غير «قافزين و قوالبية » داخل البنية الإجتماعية .
وللأسف الشديد، أصبحت ظاهرة الرشوة، رغم الجهودات التي تقوم بها ترانسبارنسي المغرب، وزعيمها المناضل المغربي اليساري ‹سيون اسيدون›، مجرد منافذ وأساليب ملتوية, ومضللة للعدالة، تكاد ترتمي داخل القطاعات الإنتاجية والمجالية، وأضحت كلمة تخليق المجالات الإقتصادية والإدارات العمومية مجرد مزايدات سياسية, يركبها البعض ضد آخرين، وتدخل شريانها الحسابات الشخصية، صحيح أن حكومة التناوب حققت مكاسب في هذا الصدد، وإن كانت غير شمولية أو قارة، إلا أن الحكومة الحالية لم تستمر في تفعيل تلك المكاسب وتوطينها، وتحويلها إلى أساسيات معرفية ومنهجية داخل الفضاءات العامة يتوجب احترامها..